Telecom & Digital World Magazine Sunday25/02/2007 G Issue 197
ريبورتاج
الأحد 7 ,صفر 1428   العدد  197
 

"التعاطي العنكبوتي"
إدمان يخترق أدمغتنا!

 

 

تحمل تقنية الإنترنت المنبثقة من الحاسوب - كأي وسيلة أخرى من وسائل التقنية الحديثة - جوانب إيجابية نافعة لا يمكن إنكارها وأخرى سلبية قد تكون (قاتلة) حين التمادي لا يمكن إهمالها!.. هذا ما يؤكده أهل الاختصاص الذين يشيرون أيضا إلى أن هناك تأثيرا كبيرا لتقنية الحاسوب والإنترنت في السلوك الإنساني، وأن من أبرز مظاهر هذا التأثير بروز مشكلة الإدمان على الإنترنت والألعاب لدى الأطفال ومرتادي المقاهي.

ويعتبر عدد من الباحثين أن الإدمان على الإنترنت هو شكل من أشكال الإدمان النفسي القسري الذي يؤدي إلى ضعف قدرة المدمن على ضبط الذات وانخفاض مستوى الإنتاجية لديه واضطراب علاقاته الاجتماعية.

أعراض الإدمان

وحول أعراض الإدمان على الإنترنت تفيد المعلومات المنشورة بأن هذه الظاهرة يمكن تشخيصها إذا ثبت وجود خمسة أعراض أو أكثر من بين ثمانية أعراض هي الميل المستمر لزيادة مدة استخدام الإنترنت وظهور أعراض معينة كالشعور بالقلق عند الابتعاد عن الإنترنت، وضعف الإرادة لضبط مدة الاستخدام والفشل في التوقف أو التقليل في الاستخدام والتكتم عنه وإهمال الحياة الخاصة سواء العمل أو الدراسة أو الحياة الاجتماعية والانشغال بالتفكير في استخدام الإنترنت كوسيلة للهروب من مشكلات الحياة اليومية.

أما عن مجالات أو أشكال الإدمان فقد يكون عاما لا يرتبط بمجال معين، وقد يكون خاصا بأحد المجالات على مواقع المحادثة مثلاً والمواقع الاجتماعية أو على المواقع التجارية أو على المواقع العلمية والإلكترونية أو الإدمان على زيارة المواقع الإباحية!

شبابٌ مدمن!

أجرت إحدى الجامعات الأردنيّة مؤخراً دراسة حول عيّنة من مرتادي مقاهي الإنترنت في إربد، وكشفت نتائجها أن نسبة الإدمان بين أفراد عينة الدراسة بلغت 23.2 بالمائة وهي نسبة مرتفعة بالمقارنة مع النسب العالمية.

وبينت الدراسة أن أكبر عدد من المدمنين على الإنترنت هم من الذين تقل أعمارهم عن عشرين عاما بنسبة 53 بالمائة من عينة المدمنين تليهم الفئة العمرية بين20 - 30 عاما بنسبة 37 بالمائة ثم فئة 31 - 40 عاما بنسبة 10 بالمائة من المدمنين، وأن المواقع الإباحية استقطبت حوالي 40 بالمائة من المدمنين على الإنترنت تلاها الإدمان على المواقع الاجتماعية بنسبة 30 بالمائة ثم الإدمان على المواقع العلمية بنسبة 20 بالمائة، وفي المرتبة الأخيرة الإدمان على المواقع التجارية بنسبة 10 بالمائة.

الأطفال.. وإدمان الألعاب!

وعلى صعيد آخر حذرت دراسة قامت بها مجموعة بحث متخصصة في دراسة الإدمان في (مستشفى شاريته) بمدينة برلين الألمانية من أن إدمان اللعب على الحاسوب لا يقل خطورة عن إدمان الخمر.

وقالت الدراسة: إن نحو 80 في المائة من أطفال برلين الذين تبلغ أعمارهم 12 عاماً يمتلكون جهاز حاسوب خاصاً بهم، وأن 12 في المائة من الذين يستخدمونه بشكل منتظم من أجل اللعب تظهر عليهم أعراض الإدمان.

وجاء في الدراسة أن من تتحقق فيه ثلاثة من المعايير الستة التي حددتها منظمة الصحة العالمية لقياس الإدمان يعتبر مدمناً.

وأشارت إلى أن هذه المعايير الستة هي عدم القدرة على كبح الرغبة في الشيء، وفقدان السيطرة على عدد مرات التناول أو اللعب، وزيادة الجرعة، وظواهر الإحساس بالحرمان، وإهمال الاهتمامات والالتزامات الأخرى، وعدم التخلي عن سلوكيات المدمنين رغم العواقب الضارة.

وتوصل الباحثون من خلال مقارنة تصرف مدمني خمر بمدمني اللعب على الحاسوب إلى أن مخ المدمن يقوم بالعمليات نفسها، سواء كان الإدمان عن طريق تناول شيء من الخارج أو عن طريق إدمان أداء نشاط معين.

معالجة صينيّة!

ومن جهتها أجازت السلطات الصحية في الصين عيادة لمعالجة الإدمان على الإنترنت، وذلك بعد استفحال هذه الظاهرة في المجتمع الذي يشهد طفرة اقتصادية ضخمة، ووفقاً للأرقام الحكومية فإن الصين تحتل المركز الثاني عالمياً بعد الولايات المتحدة الأمريكية في عدد المتصفحين للإنترنت، حيث يبلغ عددهم نحو 94 مليون متصفح يومياً.

ويقول الدكتور تاو ران المسؤول عن العيادة الحكومية: (إن المرضى الذين يراجعون العيادة يعانون من الإحباط والعصبية والخوف وعدم الاستعداد للتفاعل مع الآخرين، إضافة إلى بعض الأمراض المتعلقة بعدم القدرة على النوم).

والمثير في الأمر أن عدداً لا بأس به من المرضى هم من الأطفال والمراهقين الذين لا تزيد أعمارهم على 24 عاماً، فهناك طفل يبلغ من العمر 12 عاماً يحضر جلسات العلاج في العيادة الحكومية، ويقول: (إنني أحب ألعاب الحاسوب).

ويقول مراهق في السابعة عشرة من عمره لم يعد يقضي جل وقته على الإنترنت (إنه لمن الرائع أن تستعيد قدرتك على النوم).

ويقول أحد القائمين على تلك العيادة: إن (كل الأطفال هنا تركوا مدارسهم لأنهم يقضون كامل وقتهم في اللعب على الحاسوب أو في غرف الحوار والدردشة).

ويعمل في تلك العيادة 12 ممرضة و11 طبيبا، يتولون معالجة المرضى، وغالبيتهم من المراهقين الذين فقدوا القدرة على النوم وانخفضت أوزانهم بصورة مثيرة للقلق، كما خسروا أصدقاءهم بسبب عدم قدرتهم على التواصل الاجتماعي بسبب الوقت الطويل الذي يقضونه أمام شاشات الحاسوب، ويشار إلى أن بعض المرضى حضروا للعلاج من تلقاء أنفسهم، بينما حضر آخرون برفقة آبائهم.

وفي الإطار نفسه أوضح الطبيب المسؤول أن عدداً من المرضى أكدوا أن الإنترنت تساعدهم على التخلص من الإجهاد اليومي، وبخاصة ضغط الآباء عليهم ليزيدوا من تحصيلهم العلمي وتحسين نتائجهم، فيما قال البالغون منهم: إنهم يقيمون علاقات مع الجنس الآخر عبر الشبكة.

يذكر أن معظم حكومات العالم تشجع استخدام الإنترنت في قطاعي الأعمال والتعليم غير أن مسؤولين حكوميين يقولون: إن مقاهي الإنترنت بدأت تؤثر سلباً على الجانب الأخلاقي للمجتمع البشري حيث كثر في الآونة الأخيرة قيام السلطات بإغلاق المقاهي غير المرخصة، إضافة إلى فرض غرامات باهظة على أصحابها.

احذروا الغلوكوما!

وبحسب دراسة حديثة نشرت في اليابان أكد الأطباء على أن البقاء لفترة طويلة أمام شاشة الحاسوب، قد يزيد من فرصة الإصابة بالمرض الذي يسرق نظر العينين الغلوكوما (ارتفاع ضغط العين)، خاصة إذا كان الشخص يعاني من قرب النظر.

يذكر أن الغلوكوما مرض عيني يتسبب في إصابة العصب البصري، وقد يؤدي إلى العمى، إذا لم يتم علاجه في الوقت المناسب، ويتم إثباته عبر فحص بسيط، يجريه طبيب العيون.

وقد شملت تلك الدراسة أكثر من عشرة آلاف عامل، من أربع شركات يابانية كبيرة، وقام بإجرائها مجموعة من الباحثين التابعين لكلية الطب في جامعة توهو اليابانية.

وقام المشاركون في الدراسة بتسجيل المدة الزمنية التي يمضونها أمام شاشات الحاسوب خلال اليوم، بالإضافة إلى تاريخ بدء استخدامهم للحاسوب، وكان معدل السن بالنسبة لهم 43 عاما، فتبين لهم أن أكثر من 500 مشارك حدثت لديهم مشاكل في الرؤية المحيطية (شذوذ في الساحة البصرية) التي تم قياسها بالجهاز الخاص بالساحة.

وبلغ عدد المصابين بالغلوكوما من بين هؤلاء 165 شخصا (منهم 136 شخصا لديهم قرب نظر)، وربما كان العدد أكبر من ذلك، بسبب رفض عدد من المصابين بمشاكل في الرؤية المحيطية الخضوع لفحص ضغط العين (الغلوكوما). كما أشارت الدراسة إلى أن مستخدمي الحاسوب ممن لديهم قرب نظر (مد بصر)، أو بعد نظر (حسر بصر)، كانوا أكثر حظا للتعرض لمشاكل في الساحة البصرية.

ومن جهتهم ينصح الباحثون للوقاية من مشاكل العيون عند استخدام الحاسوب بما يلي:

- أخذ فترة استراحة قصيرة، والنظر خلالها إلى المدى البعيد عن الشاشة، لمدة خمس دقائق كل ساعة.

- جعل المسافة بين الشخص وبين الحاسوب بين 1-2 متر.

- وضع شاشة الحاسوب تحت مستوى العين والجلوس بشكل مستقيم أمامها.

أطفال مهددون!

وعلى جانب آخر قال رئيس اتحاد أطباء الأطفال الألماني انتونيون بيزوللي: إن المغالاة في استخدام الأطفال للحاسوب ومشاهدتهم الكثيرة للتلفزيون يؤثر سلبيا على تطورهم فكريا ونفسيا.

وأضاف بيزوللي في كلمة له خلال فعاليات مؤتمر لأخصائيي طب الأطفال، انطلق من مدينة كولون الألمانية الغربية، وشارك فيه نحو 170 طبيبا من دول الاتحاد الأوروبي، أن غالبية الأطفال الذين يتعرضون للتأثيرات السلبية لمشاهدة التلفزيون، والجلوس أمام شاشات الحاسوب تنحدر من عائلات وصف وضعها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي بأنه (متدن). وأوضح أن أطفال هذه الأسر يولدون كغيرهم بمواهب وقدرات فكرية وطاقات ذكاء متكافئة، إلا أن الفارق بينهم وبين أطفال آخرين يتمثل في صرف أوقات طويلة أمام التلفزيون، أو الحاسوب (الأمر الذي يعني عملية كبح للتطور النفساني والفكري العادي). وبين بيزوللي أن من العوامل الأخرى التي تؤدي إلى ضعف التطور للأطفال هي عدم تشجيعهم على المتابعة والانتظام في تلقي المعارف والعلوم الجديدة.

وقال: إنه يتعين على أولياء الأمور أن يجعلوا أطفالهم يستفيدون من سنهم اليانعة، وتحصيل أكبر قدر من الخبرات والمعارف).

وأضاف أن مشاهدة التلفزيون ومتابعة الحاسوب فضلا عن غياب عنصر التشجيع من قبل أولياء الأمور يؤدي إلى ما وصفه (بإصابة الأطفال بأمراض نفسانية وعضوية جديدة) الأمر الذي يحتم تحقيق أساليب جديدة لمعالجة هذه الأمراض.

وأشار إلى أن أطباء أطفال في بعض المدن الألمانية والأخرى الأوروبية، طوروا أساليب معالجة جديدة مثل التركيز على تقديم حصص لغة للأطفال بصورة مركزة، وكذلك أساليب أخرى لتخليص الأطفال من الإدمان على متابعة البرامج التلفزيونية والجلوس لساعات طويلة أمام الحاسوب.

هجر التقنيّة.. ضرورة!

مع زيادة تأثير التقنية بنواحيها المختلفة على حياة المراهقين والشباب عموماً، صار لزاماً على هؤلاء أن يبتعدوا عنها بين الحين والآخر لاستعادة نشاطهم والاستمتاع بممارسة الحياة الطبيعة والعودة إلى الواقع بعيداً عن الفضاء الإلكتروني، ومؤخراً بدأ الخبراء يدعون هؤلاء المراهقين والشباب إلى الابتعاد، ولو مؤقتاً عن التقنية الحديثة مشيرين إلى أنهم بحاجة إلى استراحة قصيرة.

وتظهر الدراسات المختلفة أن المراهقين والشباب صاروا يقضون أوقاتاً طويلة أمام شاشات الحاسوب منهمكين في كتابة الرسائل الإلكترونية والدخول في حوارات في غرف الدردشة وإرسال الرسائل القصيرة والسريعة عبر أجهزة الهاتف الجوال.

وكانت بعض الدراسات والأبحاث قد أظهرت أن المراهقين والشباب هم الأكثر استخداماً للتقنية، وأنهم الأكثر قدرة على استيعابها، كما أظهرت أنهم (لا يستطيعون التخلي عنها) وأنها (مهمة) جداً بالنسبة لهم.

وقالت ميشيل ويل المؤلفة المشاركة لكتاب (الإجهاد التقني: كيفية التعامل مع التقنية في العمل وفي المنزل وفي اللعب)، إن الانهماك في عالم التقنية أشبه ب(الضياع في الفضاء، فالمرء يضيع في عالم الإنترنت والألعاب والمحادثة).

وقامت ميشيل، مع زميلها لاري روزن بتأليف الكتاب بعد أن لاحظت طول الفترة الزمنية التي يقضونها أمام أجهزة الحاسوب، ومدى الإجهاد الذي يتعرضون له بسبب التقنية التي يفترض أنها تطورت لجعل الحياة أسهل.

وقال العالم النفسي ديف غرينفيلد المتخصص في قضايا التقنية الفائقة: إنه يدرك المشاعر المتعلقة بالابتعاد المؤقت عن التقنية، فهي تمنحهم الحرية. لكن غرينفيلد نفسه وقع أسيراً للتقنية حيث يحمل الهاتف الجوال بانتظام ويستمع إلى الموسيقى عبر مشغلات (أم بي 3) ويستخدم جهاز النداء الآلي والأجهزة المساعدة الرقمية، وغيرها، لذلك فهو يدرك تماماً مدى سيطرة التقنية عليه.

وأظهرت دراسات نشرت مؤخراً أن هناك ميلا لدى الجيل الحالي من الشباب إلى التخلص من إدمان الرسائل الإلكترونية والدردشة، بل وصاروا يخفون أرقام هواتفهم الجوالة عن زملائهم حتى لا يقعوا فريسة الرسائل القصيرة.

الوعي.. هو الحل!

ينصح المختصون بعدد من الإجراءات الوقائية التي من شأنها أن تقلل من مخاطر الإدمان أو إساءة استخدام الإنترنت مثل متابعة استخدام الأبناء للإنترنت من حيث فترة ومدة ومضمون الاستخدام وضبط وقت استخدام الإنترنت واستخدام بعض برامج الحماية لمنع الدخول إلى المواقع التي تشكل تربة خصبة للإدمان واستخدام ضوابط معينة في المؤسسات والشركات التي تقدم خدمة الإنترنت كأن يوقع الموظف على ميثاق أخلاقي لاستخدام الإنترنت ضمن ضوابط معينة.

ويؤكد هؤلاء على أن نشر الوعي إزاء استخدام الإنترنت هو مسؤولية مشتركة تقع على عاتق جميع أفراد المجتمع بمختلف فئاته كالآباء والمعلمين والإداريين والقائمين على مقاهي الإنترنت، كما يتحمل جزءا كبيرا من هذه المسؤولية العاملون في ميادين الصحة النفسية.

ويرون أن الابتعاد عن التقنية يعد مسألة حيوية مهمة، ذلك أنه - كما يقولون - (يجب أن نمتلك التقنية لا أن تمتلكنا وتسيّرنا أصناماً في عالمها الافتراضي!).


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة