Al Jazirah Magazine Tuesday  04/12/2007 G Issue 245
تحقيق
الثلاثاء 24 ,ذو القعدة 1428   العدد  245
 

( انفلونزا الطيور .. رعب يجتاج العالم

 

 

حالة من القلق والرعب تجتاح العالم كله، بسبب انتشار أنفلونزا الطيور، ومكمن الخطر في إمكانية انتقال هذا الفيروس الفتاك من الطيور إلى البشر، وهذا السر في الهلع الذي أصاب وزارات الصحة في العالم، ومنظمة الصحة العالمية، خاصة بعد اكتشاف بعض الحالات في دول آسيوية، وغيرها، وقد أثرت الإجراءات الصارمة التي اتخذتها الكثير من البلدان العالمية بمنع استيراد لحوم الطيور الطازجة والمبردة، من الدول التي ظهرت فيها حالات إنفلونزا الطيور على حركة التجارة، واقتصاديات هذه البلدان.

وإنفلونزا الطيور فيروس معد فتاك، يصيب عادة الطيور بجميع أنواعها، ولكن لوحظ في الفترة الأخيرة انتقال هذا الفيروس من الطيور والدواجن إلى الإنسان، وخطورة المرض أنه ينتشر كالنار في الهشيم في الطيور، وهذا يجعل الإنسان الذي يحتك بالطيور المصابة عرضة لانتقال العدوى إليه، وهو ما ثبت فعلاً.

والأسئلة التي تطرح نفسها: ما الإجراءات الصحية للوقاية من هذا المرض؟! وما الاحتياطات التي يجب على الإنسان اتخاذها لتفادي خطره؟! وهل كل إنسان يتعامل مع الطيور سواء في معامل التفريخ أو ذبح الدواجن عرضة للمرض؟! وما هي قصة هذا الفيروس الخطير، وهل هو جديد أم قديم؟!

سنحاول الإجابة عن هذه الأسئلة في هذا التحقيق من خلال كوكبة من الأطباء الاستشاريين والاخصائيين

في البداية يتعرض د. محمد موافي استشاري الأنثروبولوجيا ومدير المختبرات بالمستشفى لتاريخ الفيروس ويقول: الإنفلونزا مرض قديم، وقد كشف هذا المرض لأول مرة عام 1997م، وهو يصيب البشر نتيجة الإصابة بفيروس الإنفلونزا الآدمي، ويكلف ذلك الفيروس المجتمع كثيراً ويؤدي إلى فقد كثير من ساعات العمل، ويؤثر على تقدم الدول واقتصادها، ولكن تسود حالياً حالة استنفار كبيرة في العالم بأسره تحسباً لتفشي وباء جديد للأنفلونزا، وهو إنفلونزا الطيور، والخوف من انتقاله إلى البشر، وقد حذرت منظمة الصحة العالمية من ردود الفعل المبالغ فيها في مواجهة انتشار هذا المرض، معتبرة أن آسيا لا تزال المركز الرئيس له حتى الآن، كما أقرت منظمة الصحة العالمية بأن الطيور المهاجرة هي سبب نقل الفيروس بين الدول، وتفشي الوباء الحالي بين الطيور.

وقد بدأ مرض إنفلونزا الطيور في الظهور في جنوب شرق آسيا عام 2003م، وهذا الفيروس مستوطن في العديد من الدول، مثل الصين، وفيتنام، وإندونيسيا، وكمبوديا، وتايلاند، ومنها انتشرت العدوى إلى عدد من الدول كأستراليا، واليابان، وتركيا، ورومانيا، وكوريا الشمالية، والباكستان، وماليزيا، وذلك للأسباب الآتية: حدوث طفرات كثيرة في الفيروس مما يساعد على انتشارها وعدم القدرة على مقاومتها، ووجود أعداد كبيرة من الطيور والخنازير في هذه الدول، وكثافة البشر في هذه الدول مع عدم اتباع الوسائل الأولية لمكافحة العدوى، ووجود أعداد كثيرة من الطيور المهاجرة إلى هذه الدول.

وأصبح مرض فيروس إنفلونزا الطيور الآن يأخذ منحنيات خطيرة، تمثلت في تمرده على أنواع من العقاقير المضادة له، مما يخشى معه ظهور سلالة جديدة وغير معروفة من الفيروسات الناقلة التي لا توجد لها لقاحات مضادة أو وقائية. وعن فيروس إنفلونزا الطيور يرى د. محمد موافي أن فيروس الإنفلونزا لا يقاوم الجفاف، ولذلك فهو لا ينتشر في المناطق الحارة، ولكن يعيش في المناطق الباردة والجافة، وينتشر فيروس الإنفلونزا عن طريق الرذاذ الخارج من الجهاز التنفسي عن طريق السعال أو العطس، وفترة حضانة الفيروس تتراوح بين 1-3 أيام، ويؤدي إلى التهاب الجهاز التنفسي، وهذا الفيروس من الفيروسات الخطيرة، وخاصة لكبار السن، أو من ليس لديهم مناعة كافية لمقاومة الفيروس، مثل مرضى الإيدز.

أعراض قاتلة

أما عن أعراض مرض الإنفلونزا في الإنسان، فتتفاوت بين ارتفاع في درجة الحرارة للجسم، مع وجود رعشة والتهاب في الحلق (حرقان في الحلق)، مع وجود سعال جاف (بدون بلغم)، وصداع مع وجود إفرازات مائية مستمرة من الأنف، ومن مضاعفات هذا الفيروس أنه قد يؤدي إلى التهاب رئوي حاد، وتورم في المخ، مما قد يسبب الوفاة، ويصاحب هذا الفيروس وجود بكتيريا أخرى تهاجم الرئتين، مما قد يؤدي إلى زيادة الالتهابات الرئوية، وعدم علاجها قد يسارع إلى حدوث الوفاة وأهمها بكتيريا الهيموفيلس إنفلونزا، وقد سميت باسم الفيروس لوجودها في معظم حالات الإنفلونزا الرئوية.

وينتمي فيروس الانفلونزا إلى عائلة من الفيروسات تحتوي على حامض نووي RNA ومغطاة من الخارج بظرف دهني خاص، له قابلية للالتصاق بالخلايا التي تحتوي على مخاط مثل (خلايا الجهاز التنفسي أو الجهاز الهضمي)، وتوجد ثلاثة أنواع من فيروس الأنفلونزا (أ،ب،ج): النوع (ب،ج) لا يصيبان إلا الإنسان فقط، وليس لديهما القدرة على إصابة الطيور أو مختلف الثدييات الأخرى، أما النوع (أ) فيمكن أن يصيب الإنسان والطيور والثدييات مثل الخيل والخنازير وقدرة انتشاره بين الإنسان عالية.

ويبرز من السطح الخارجي لفيروس الإنفلونزا من هذه النتواءات: نتوء له القدرة على الالتصاق بكرات الدم الحمراء وأنواعها المختلفة، ويسمى (Haemagglutinin) ويرمز له بالرمز (HA) ويوجد منه 16 نوعا، وهي مختلفة، وكل منها له القدرة على إصابة الخلايا المخاطية في أنواع مختلفة من الكائنات الحية، ويعتبر بمثابة المفتاح الخاص للفيروس الذي يسمح بنوع معين من الفيروس دون غيره بإصابة خلايا معينة، وبالنسبة إلى فيروس إنفلونزا الطيور فله القدرة على الالتصاق، وإصابة الخلايا المخاطية للطيور الموجودة في جهازها الهضمي، وبالنسبة إلى فيروس إنفلونزا الإنسان، فله القدرة على الالتصاق، وإصابة الخلايا المخاطية للإنسان المبطنة للجهاز التنفسي، والرئتين.

الطيور المستأنسة؟!

وعن خطورة الفيروس، وهل يصيب كل الطيور، يقول د. موافي: مرض إنفلونزا الطيور يصيب كلاً من الطيور المستأنسة مثل (الدجاج والرومي والبط والأوز) والطيور البرية مثل (البط البري، والوز البري، والبجع، والنورس) كما يصيب طيور الزينة مثل (الببغاوات والكناري)، ويسبب نفوقاً عالياً بها، وفي حالات نادرة قد يصيب الإنسان، ولم يثبت علمياً حتى الآن انتقال فيروس إنفلونزا الطيور من إنسان إلى إنسان، ولكن لا يمكن استبعاد مثل هذا الأمر، وخصوصا أن هذا المرض يتطور بشكل مذهل، ويتحايل على العقاقير المخصصة لمقاومته، إذ إن معظم العقاقير المضادة له فائدتها محدودة إذا لم يتم إعطاؤها في الأيام الأولى من الإصابة.

وفيروس إنفلونزا الطيور من نوعية H5N1، ومن خواصه أنه يمكن أن يعيش لمدة 6 أسابيع عند درجة حرارة 4 درجات مئوية، ويمكن القضاء عليه عند 70 درجة مئوية، وخطورته تكمن في قدرته على إحداث (تغيرات جينية) تؤدي لظهور سلالات جديدة لديها القدرة على الانتقال من إنسان إلى إنسان آخر، مما قد يسبب التهاباً رئوياً، وفشلاً في القلب والرئة، وهذا يشكل خطراً على حياة الملايين من البشر. وتكمن خطورة فيروس الإنفلونزا في مكونات HA و HN الموجودة على السطح الخارجي له، فتوجد أنواع كثيرة منها، وتتحور وتتبدل كل فترة بدون توقع، وهذا التحاور يؤدي إلى ظهور أنواع متغيرة ومختلفة من الفيروس، وهذا هو السبب الرئيس لعدم التمكن من تحضير أمصال أو تطعيمات خاصة للوقاية من هذا الفيروس المتغير، وبالتالي عند إصابة الإنسان بفيروس أنفلونزا الطيور (H5N1) ولعدم وجود أجسام مضادة أو مناعية ضد هذا الفيروس، فإن إصابة الإنسان به تكون خطيرة، أو ممكن أن تؤدي إلى الوفاة.

وعادة ما يصيب الإنسان فيروس الإنفلونزا HA3-HA2-HA1 فقط ولكن الطيور تصاب بجميع الأنواع من HA1 إلى HA16 وأهم هذه الطيور البط البري، وذلك لأنه يتعايش مع الفيروس، ولا يتأثر به، مما يساعد على انتشاره، وذلك لأن لديه مناعة طبيعية، بعكس الدواجن التي تتأثر مباشرة بالإصابة بفيروس الإنفلونزا، وتؤدي إلى وفاتها، ومن المهم أن نذكر أن وجود الخنازير كعامل وسيط لفيروس الإنفلونزا، حيث يمكن الإصابة بكلا الفيروسين (الآدمي والطيور) حيث إن داخل جسم الخنزير يعاد تكوين الحامض النووي لفيروس إنفلونزا الطيور ، ويكون فيروساً جديداً يمكنه إصابة الإنسان (الطفرة الأولى) وفي الإنسان المصاب بفيروس الإنفلونزا الآدمي ممكن أن يصاب بالفيروس الجديد المحور، وتحدث طفرة جديدة للفيروس في الإنسان (الطفرة الثانية)، ومنه يمكن أن يصيب الإنسان إنساناً آخر، وهنا تكمن الخطورة، حيث يمكن إحداث الوباء لفيروس إنفلونزا الطيور عند البشر، ويزيد من حدة هذه العدوى وجود التصاق مباشر بين الطيور والخنازير والإنسان.

لماذا الخوف؟!

ولكن لماذا نخاف من هذا الفيروس؟ يقول د. فواز بن عبدالرحمن الحوزاني أخصائي الأمراض الباطنية: إن الخوف من انتشار الفيروس بشكل كبير بين الطيور، خاصة الطيور المهاجرة، سوف يتسبب في انتشار هذا المرض في أصقاع مختلفة من الكرة الأرضية، ولأن هذا الفيروس ينتقل للإنسان من الطيور، لذلك قد يتسبب في إصابة أعداد كبيرة من الناس، كما أن قدرة هذا الفيروس على تغيير صيغته الجينية سيكون أكبر بكثير، وبالتالي نسبة انتقاله للإنسان ستكون أكبر، كما أن السيطرة على هذا المرض ستكون من الصعوبة بمكان، حيث إن تحضير اللقاح الخاص بأي نوع فيروسي، أو شكل جيني يحتاج لفترة لا تقل عن 6 أشهر، وحتى الآن لا يوجد دواء خاص يسيطر على المرض بشكل فعال.

وعند انتقال فيروس الإنفلونزا H5N1 من الطيور المصابة إلى الإنسان، فإنه يسبب مرضاً مشابهاً للإنفلونزا في بدايته خلال يوم إلى أربعة أيام من العدوى، حيث نجد ارتفاعاً في درجة الحرارة مع سعال وتعب عام وآلام في الحلق، ثم يشتد المرض بسرعة كبيرة، ويصاب المريض بالتهاب رئوي شديد مع فشل في القلب والرئة، وقد يحتاج المريض لجهاز التنفس الاصطناعي والتنويم في العناية المركزة. وعن انتقال العدوى للإنسان، يقول د. الحوزاني: إن هذا يتم بعدة طرق منها: أولاً: عن طريق الاتصال المباشر بالطيور المصابة أو مخلفاتها، لذلك فإن أغلب حالات الإصابة حتى الآن حدثت في المناطق الريفية، وأماكن تربية الدجاج والطيور، ثانياً: يمكن انتقال المرض عن طريق التماس أو أكل الطيور والدجاج ومخلفاتها، أو عن طريق ذبحها واستهلاكها.

بشكل عام إن انتقال الفيروس H5N1 من الطيور إلى الإنسان ليس سهلا، منذ عام 2003م لم يصب غير 100 شخص أو أكثر بقليل، بينما عدد الطيور المصابة كان ضخماً، لكن الاتصال المباشر والمتكرر بين الطيور والإنسان خاصة في الدواجن المنزلية ممكن أن يسبب خطورة.

ويؤكد د. الحوزاني: إنه حتى الآن لم يثبت بشكل قاطع إمكانية انتقال المرض من شخص مصاب لإنسان آخر لكن احتمال الانتقال موجود، لكن بشكل عام الفيروس من النوع الخطر، وإذا ما انتشر بشكل كبير قد يتغير جينياً وتصبح هناك إمكانية كبيرة لانتقاله من إنسان لآخر.

من الطيور إلى الطيور

وحول كيفية انتقال المرض من الطيور إلى الطيور، يقول د. محمد مازن حمودة أخصائي أمراض الباطنية وأمراض الكلية: إن العدوى تنتقل بين الطيور عن طريق اللعاب ومفرزات الأنف، أو عن طريق الفضلات، والطيور المصاب يظهر عليه أعراض انعدام النشاط والشهية، وتورم الرأس (الأجفان - العرف - الأرجل) وبقع أرجوانية على العرف، والمفرزات الأنفية، والسعال والعطاس، والإسهال، والموت المفاجئ، وقد ثبت أيضاً أن المرض يمكن أن ينتقل عبر تناول اللحوم الملوثة، لأن الفيروس يمكنه العيش في اللحوم النيئة للطيور المصابة.

وإن التجميد أو التبريد للحوم لا ينقص من فعالية الفيروس، بينما الطبخ الطبيعي بحرارة فوق 70 درجة مئوية، يقتل الفيروس، ولذلك ينصح بطبخ الدجاج بغليه بصورة جيدة، وأما بالنسبة لبيض الدجاج، فمع أنه لم تثبت أي حالة عدوى تالية لتناول بيض ملوث، وأن الدجاج المصاب بإصابة شديدة يتوقف عن وضع البيض، ولكن المراحل الأولى للمرض، يمكن للدجاج أن ينتج البيض وتوجد عنها الفيروسات داخل البيض ، وعلى سطحها الخارجي، ولذلك ينصح الغلي الجيد للبيض للقضاء على الفيروس بداخله. وأما بالنسبة لانتقال المرض من إنسان لآخر، يؤكد د. حمودة - أيضا - : أنه لم يثبت إلى الآن أن المرض لديه هذه الخاصية، أو القدرة على الانتقال من إنسان لإنسان، ولكن لا يمكن الاطمئنان لذلك، لأن الفيروسات عادة لديها القدرة على تغيير تركيبها، وظهور سلالات جديدة، فلو حدث هذا التغيير، واستطاع الفيروس الانتقال من إنسان إلى آخر لأصبحت الحالة خطيرة، وتسمى عندها وباء، ويعتبر ذلك خطيراً لأن أجهزة الدفاع في جسم الإنسان ليست لديها مناعة مسبقة تجاه هذا الفيروس وليس لديها تعرض سابق له، وبالتالي سيكون التجاوب المناعي معه ضعيفاً جداً، وهذا يجعل الإصابة به شديدة، وتتطور بسرعة وقد تكون مميتة. وأعراض هذا المرض مشابهة كثيراً لأعراض الإنفلونزا، حيث يعاني المريض من ارتفاع حرارة، وآلام معممة بالجسم، وآلام في العظام، والسعال، والتهاب في الحلق، والتهاب في العين، وقد تحدث مضاعفات مثل التهابات في الرئة، وتؤدي لتدهور صحة المريض، وقد تؤدي للوفاة، وللأسف فإن التغيرات التي طرأت على السلالة الحالية للفيروس أدت لظهور سلالة قاتلة منه وهي (H5N1) وهي التي أدت لظهور حالات وفاة عند العديد من الأشخاص المصابين به.

طرق الانتشار

وحول طرق انتشار فيروس إنفلونزا الطيور، يقول د. محمد عريقات استشاري أمراض الصدر والربو: إن ذلك يتم من خلال طرح الطيور وبكميات كبيرة مع الإفرازات التنفسية، والبراز، ولذلك فإن انتشار المرض يتم عن طريق الاتصال المباشر بين الطيور المصابة والطيور السليمة أو بطريق غير مباشرة بواسطة استنشاق الهواء الملوث، وبسبب تلوث المعدات، ووسائل النقل وأقفاص الطيور، وملابس وأحذية المزارعين.

وهناك علامات توضح هل هذه الطيور مصابة بإنفلونزا الطيور، ومنها: الخمول ونفش الريش وقلة الشهية، ونقصان في إنتاج البيض، وانتفاخ في الرأس والعرف والمفاصل والدلايات، وازرقاق في العرف والدلايات، وإفرازات مخاطية في الأنف، والإسهال المائي المائل للون الأخضر، وعدم انتظام مشي الطيور، ويمكن أن يحصل موت مفاجئ خلال 24 ساعة من الإصابة ويمكن أن يحصل الموت خلال أسبوع. ويحذر د. عريقات من الطيور المهاجرة في انتشار إنفلونزا الطيور، قائلاً: إن المواقع والمجاري المائية هي الأماكن الأمثل لتكاثر فيروس الإنفلونزا عامة، ويستطيع الفيروس أن ينتقل من الطيور إلى مواقع المياه وبالعكس، لقد ثبت أن الطيور المهاجرة تنقل الفيروس من مكان لآخر بحكم هجرتها الموسمية، وأن انتشار وباء انفلونزا الطيور بين الطيور يسبب مشكلتين على صحة الإنسان.

أولاً: أن فيروس H5N1 هو من الفيروسات القليلة التي إذا انتقلت إلى الإنسان سببت مرضاً خطيراً تسوء فيه حالة المريض بسرعة خلال أيام، وتسبب التهاباً رئوياً، وفشلاً في الجهاز التنفسي والدورة الدموية، وتؤدي في كثير من الأحيان للوفاة.

ثانياً: وهو الأخطر، فإن هذا الفيروس إذا أعطي الفرصة في الانتشار فمن الممكن أن يتغير جينياً وبالتالي يصبح من السهل انتقاله من الإنسان إلى الإنسان، وينتقل المرض لدى الإنسان عن طريق الاتصال المباشر للإنسان بالطيور، أو مخلفاتها، وحتى الآن فإن معظم الإصابات التي حصلت عند الإنسان كانت في المناطق الزراعية والريفية التي تكثر فيها مزارع الدجاج والطيور، ولقد ظهرت أول حالة إصابة بين البشر لمرض إنفلونزا الطيور في هونج كونج عام 1997م، ومنذ ديسمبر 2003م انتشر فيروس (H5N1) في بعض دول جنوب شرق آسيا، وفي عام 2005م ظهرت إصابات عديدة في روسيا، وكازاخستان، ومنغوليا، وتركيا، ورومانيا، وأخيراً في بريطانيا، واليونان، والكويت.. ولغاية 14-11-2005م اصيب 126 شخصاً بالمرض، توفي منهم 64 شخصاً.

وحول خطورة أكل الدجاج والطيور، يقول د. عريقات: إن هذا المرض لا ينتقل عن طريق الطيور المطبوخة جيداً، حيث إن الفيروس المسبب للمرض يقضى عليه عند درجة حرارة 70 درجة مئوية لذا فإن طبخ الدجاج والطيور جيداً سوف يقضي على الفيروس، وهذا الشيء ينطبق على البيض أيضاً.

ويجب مراعات الخطوات التالية للوقاية من المرض:

1 - المحافظة على النظافة بصفة عامة وخاصة غسل اليدين مراراً عند إعداد الطعام وبعده.

2 - فصل تام بين لحم الطيور النيء والمطبوخ.

3 - طبخ لحم الطيور جيداً وعدم أكله نصف مطبوخ.

4 - وضع الطعام في مكان بارد وعدم خلط مكان تنظيف الدجاج مع النشاطات الأخرى في المطبخ مثل تقطيع الخضار.

5 - استخدام ماء نظيف في عملية غسل لحم الدجاج والطيور.

6 - غسل البيض جيداً وطبخه جيداً وعدم أكله نصف مسلوق أو نيء، وعدم استخدام البيض النيء لتحضير الطعام مثل المايونيز والكريما.

وعن التطعيم والعلاج يقول د. محمد عريقات: لا يوجد تطعيم جاهز لغاية الآن ضد فيروس (H5N1) ولكنه تحت التطوير، وممكن إنتاجه في المستقبل، ولكن ينصح بأخذ التطعيم ضد فيروس الإنفلونزا العادي، والمتوفر عادة في الصيدليات منذ أول سبتمبر في كل عام، وبالنسبة للعلاج فيوجد حالياً نوعان من الأدوية أثبتا فعاليتهما ضد الفيروس في المختبرات، وهذه الأدوية ممكن أن تقلل من حدة المرض، فيما لو أعطيت في بداية الإصابة.

إن الدراسات بخصوص فعالية الدواء قليلة جداً لغاية الآن، كما أن المشكلة تكمن في أن إنتاج هذه الأدوية لا يكفي على مستوى العالم أجمع، فيما لو حصل وباء، وأن الفيروس يمكن أن يتطور ويشكل مقاومة ضد هذه الأدوية مع الوقت.

أمر ضعيف جداً

ويتفق د. محمد فؤاد استشاري أمراض النساء والولادة في حديثه مع ما قاله الأطباء الآخرون: لقد ظهر في الآونة الأخيرة جيل جديد من الفيروس A ويسمى H5N1 وهو يصيب الطيور بمرض الإنفلونزا، ويتسبب في موتها، وأدى ذلك إلى موت أعداد ضخمة من الطيور، وينتقل هذا الفيروس عن طريق إخراجات الطيور، ولذلك حالات الإصابة في الإنسان قليلة جداً على مستوى العالم، وأنها حدثت في أماكن خاصة جداً لبعض الناس الذين يتعاملون مع الطيور الحية، ومن حسن حظ الإنسان بالنسبة لإنفلونزا الطيور، أن موقع حدوث الوباء في الإنسان ضعيف، وأنه ما زال مرضاً للطيور، ولا ينتقل من إنسان لإنسان، ولكي يحدث ذلك لابد من حدوث تطور جيني حتى تستطيع أن تصيب الإنسان، ويحدث وباء في الجنس البشري، ولا يتوقع العلماء إذا حدث وباء منه أن يكون بالشدة التي أحدثت وفيات الطيور.. لاشك سوف يكون مشكلة صحية كبيرة، وتحدث وفيات، لكن ليس كما في الطيور، ومن عيوب هذا المرض أنه لا يستجيب لعلاجات الإنفلونزا، والبعض، الآخر من الحالات تستجيب، كما لا يوجد حتى الآن مصل مضاد له، بل لأنواع أخرى من الإنفلونزا، وليس لهذا الفيروس بالذات.

الآثار النفسية

وعن الآثار النفسية للإنسان من وباء إنفلونزا الطيور، يقول د. عزت عبدالعظيم استشاري الأمراض النفسية: من الطبيعي وكما هو معروف أن الإنسان يتفاعل نفسياً مع ظروف الحياة التي يعيشها من حوله بكافة أشكالها، وبالتالي حدوث الأحاسيس النفسية المترتبة عليها سواء فرح أو حزن، هدوء أو قلق، طمأنينة أو خوف، وما إلى ذلك، ومصداقاً لقول المولى عز وجل: {إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًاإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًاوَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًاإِلَّا الْمُصَلِّينَ} سورة المعارج 19-22).

وعلى هذا الأساس فإن الإنسان يتأثر نفسياً وبشدة في أوقات المحن والشدائد والكروب، التي قد تنتج من الكوارث الطبيعية كالزلازل والبراكين والفيضانات والأعاصير، وما ينتج عنها من دمار واسع للمباني والتجهيزات الأخرى، وكذلك حصد أرواح الآلاف من الناس المتضررين بها، أو قد تحدث الكوارث بفعل الإنسان نفسه، كما في الحروب والإرهاب، وقياساً على ذلك فإن الأوبئة التي تصيب الإنسان تعتبر إحدى الكوارث الطبيعية، التي قد تحصد أرواح الآلاف، وربما الملايين من البشر في كافة أرجاء الكرة الأرضية، وخصوصاً في الوقت الحاضر، حيث سرعة السفر والتنقل بين بلاد الدنيا كلها في أزمان قصيرة جداً مقارنة بين بلاد الدنيا كلها في أزمان قصيرة جداً، مقارنة بالماضي، وهناك يكمن سر الخوف الزائد في الأوساط الطبية من سرعة وسهولة انتشار المرض بصورة وبائية، كما أن توفر وسرعة نقل الأخبار وصور المرضى والموتى ومآسي الأهل ومواطن الدول عبر وسائل الإعلام المختلفة والمتطورة جداً، في زمن الإنترنت والفضائيات، سيجعل العالم كله في أي مكان أو زمان على دراية تامة، واحتكاك متواصل بكل ما يجري ويحدث هنا أو هناك، لوباء إنفلونزا الطيور، وبالتالي قد يصاحبه وباء آخر من الاضطرابات النفسية لدى كافة الناس، حيث الخوف الدائم من العدوى والقلق والترقب الدائم للأحداث، وكذلك الاكتئاب النفسي لدى أهالي المنكوبين أو حتى الإنسان العادي البعيد عن الخطر تعاطفاً معهم، ومع هذه الكارثة الإنسانية التي قد تصل لأي إنسان.

مواجهة المرض

أما عن مواجهة وعلاج وباء الاضطرابات النفسية المتوقعة عند حدوث وباء إنفلونزا الطيور، يقول د. عزت: إن مواجهة وعلاج متلازمة الاضطرابات النفسية المصاحبة لإنفلونزا الطيور إذا حدثت في صورة وبائية لا تحتاج فقط لمجهودات فردية أو حتى إقليمية، ولكنها ستتطلب تضافر الجهود حتى على الصعيد العالمي، والتي قد تكون الركيزة الأساسية لمواجهة هذا الوباء، وبالطبع يأتي على رأس المسؤولين منظمة الصحة العالمية، وما يتبعها من هيئات كالجمعية العالمية للطب النفسي من خلال برامج التوعية، والدعم النفسي للمنظمات الإقليمية والأهلية في مواجهة موجة التأثر النفسي لما سيحدث نتيجة لوباء الطيور من خلال التنسيق والتعاون مع وسائل الإعلام ووكالات الأنباء والفضائيات وشبكة المعلومات وتقنية وضبط وتنظيم تناقل الأخبار الخاصة بالوباء الأساسي، وآثاره المميتة على البلاد المنكوبة، والابتعاد عن إثارة الرعب والفزع في نفوس الناس بل يجب بث الثقة والطمأنينة والأمل في القضاء على هذا المرض، وجدوى التطعيم والعلاج منه أما على المستوى الإقليمي فإن كل دولة بهيئاتها ومؤسساتها الإعلامية والدينية والطبية يجب عليها التعاون مع الهيئات الدولية، والقيام بأعمال داعمة وفعالة على قدم وساق مع الهيئات العالمية، وتوفير برامج الوقاية من الإصابة سواء الحجر الصحي، أو التطعيمات الواقية من هذا المرض، مع إبراز الجوانب الإيمانية، ورفع الحالة المعنوية العامة، وطمأنة الناس على حياتهم قولاً وعملاً، أما الدور الأخير والمهم أيضاً فيقع على عاتق الهيئات الطبية والأطباء بلا استثناء، خصوصاً الدور الواعي للطب النفسي في المواجهة الفعالة للتأثيرات النفسية للوباء القادم، وكيفية الوقاية وعلاج هذه الاضطرابات النفسية المحتملة لدى الناس، وكذلك يجب على الرأي العام لدى المجتمع وكذلك الأطباء غير النفسيين تقبل المساعدة النفسية من الأطباء النفسيين بلا حرج، لمواجهة حالات الخوف والقلق والاكتئاب لدى من يتعرض للضغوط النفسية أو معاناته النفسية، مع الإيمان الكامل بقدرة الله وإرادته في كل زمان ومكان، وتحت أي ظرف: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }.

اللقاحات الوقاية

أما عن اللقاحات المستخدمة في علاج فيروس إنفلونزا الطيور يقول د. محمد طه شمسي باشا أخصائي أمراض الباطنية: هناك أربعة أنواع من الأدوية المضادة لفيروس الإنفلونزا، إلا أن العلاج لا يكون فعلاً دائماً لأن هذه الفيروسات يمكن أن تشكل مقاومة لهذه الادوية، وهناك نوعان من هذه الأدوية التي يرجح فائدتها في علاج المرض، الأول هو Oseltamavir واسمه التجاري Tamiflu والآخر هو zanamavir واسمه التجاري relanza وتحتاج هذه الأدوية لدراسات أوسع لإثبات فاعليتها، ولإنتاج كميات كبيرة لكافة دول العالم.

وأما عن لقاح إنفلونزا الطيور فيقول د. شمسي باشا: إنه لا يوجد لقاح فعال لإنفلونزا الطيور وأن اللقاحات المتوفرة حالياً هي لقاحات تحمي من الإنفلونزا التي تصيب الإنسان، إلا أن لقاح إنفلونزا الإنسان يمكن أن يفيد في منع تحول الشخص المصاب بإنفلونزا الإنسان إلى حاضن يمكن أن يحدث في جسمه تبادل جيني بين فيروس الإنسان وفيروس إنفلونزا الطيور، الشيء الذي يجعل فيروس إنفلونزا الطيور قادراً على الانتقال بسهولة وسرعة من إنسان لآخر، وبالتالي إلى حدوث جائحة وهناك جهود كبيرة تبذل من أجل إيجاد لقاح فعال يقوم بالحماية الكاملة ضد فيروس H5N1 وهو الفيروس الأساسي المسؤول عن المرض، إلا أن ذلك يحتاج إلى فترة طويلة من الزمن حتى يتم إنتاج مثل هذا اللقاح، وإلى إنتاج كميات كبيرة تكفي جميع الدول.

وعن سبل الوقاية من منع ظهور المرض، يقول د. شمسي باشا: في الحقيقة هناك العديد من التوصيات أو الخطط التي يمكن اتباعها للحيلولة دون وقوع المرض مثل:

* وقف استيراد الدواجن من الدول التي ظهر فيها المرض بما فيها الدجاج المبرد.

* تحسين وتفعيل الكشف الدوري على مزارع الدواجن من خلال حثهم على عدم الاختلاط مع العاملين في مزارع أخرى مختلفة، واتخاذ إجراءات الأمان عند التعامل مع قطعان الدواجن مثل استخدام أقنعة لحماية الجهاز التنفسي، ونظارات وقاية وقفازات، كما يوصي بغسل الأيدي لأنها يمكن أن تنقل المرض باتصالها المباشر بالاعضاء التنفسية والعيون، ولا خطر من تناول لحوم الدواجن المطهية، لأن الفيروس يموت بدرجة حرارة 70 ولكن يجب الحذر عند تحضير الطعام خوفاً من تلوث الأيدي بالفيروس إذا كان الدجاج المذبوح أو المبرد مصاباً بالمرض.

* وفي حال ظهور إصابة في قطاع الدواجن فإنه يجب وضع المزرعة تحت الحجر الصحي وذبح جميع الدجاج المصاب، بالإضافة إلى الدجاج السليم الذي تعرض للعدوى، مع اتباع جميع اجراءات العزل والوقاية مثل منع دخول الزائرين، وعدم إخراج المخلفات، وتعقيم المزرعة لعدة مرات.

* إيجاد مختبرات مجهزة تجهيزاً خاصاً مع مستوى عال من الأمن البيولوجي للكشف عن الفيروس في إفرازات الشخص المصاب.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة