Al Jazirah Magazine Tuesday  20/03/2007 G Issue 211
الملف السياسي
الثلاثاء 1 ,ربيع الاول 1428   العدد  211
 

العفو عن زعماء الحرب الأفغان يثير جدلاً داخلياً وخارجياً

 

 
* إعداد - أشرف البربري:

فجَّر القانون الذي أصدره البرلمان الأفغاني بالعفو عن زعماء الجهاد الأفغاني السابق وإسقاط أي اتهامات بارتكاب جرائم حرب قد توجه إليهم جدلاً واسعاً داخل أفغانستان وخارجها.

وقد نشرت صحيفة (كريستيان ساينس مونيتور) تقريراً عن هذا الموضوع قالت فيه: في أحد جوانب ملعب لكرة القدم بالعاصمة الأفغانية كابول، سبق أن شهد مباريات رياضية وعمليات لتنفيذ أحكام الإعدام كان يوجد ملصق كبير الحجم بطول 20 قدما للرئيس الأفغاني حامد قرضاي، وربما لهذا السبب اختار المواطن الأفغاني فيدا محمد مجاهد الابتعاد عن المكان الذي يوجد به هذا الملصق.

في هذا الملعب احتشد حوالي 25 ألف أفغاني يحملون صوراً لقادة المجاهدين الأفغان السابقين، الذين قادوا في البداية الحرب ضد الغزو السوفيتي خلال الثمانينيات، ثم تحوّلوا لمحاربة بعضهم البعض من أجل الوصول إلى الحكم، قبل أن يتحالفوا مع الولايات المتحدة للإطاحة بحكومة حركة طالبان الأفغانية عام 2001.

هؤلاء القادة بالنسبة للسيد فيدا محمد مجاهد، الذي لف عمامة بيضاء حول رأسه لحمايتها من صقيع الشتاء، (مجاهدون) وليسوا مجرمي حرب كما تحاول الدول الغربية تصويرهم ومن ثم تقديمهم للمحاكمة، ولذلك جاء للمشاركة في هذا التجمع المناوئ لحكومة الرئيس قرضاي وغطرسة الدول الغربية التي تعارض القانون الذي أصدره البرلمان الأفغاني بمجلسيه مؤخراً للعفو عن جرائم الحرب التي ارتكبت في أفغانستان خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية.

خيبة أمل

وبعيداً عن الآلاف المحتشدين في الاستاد ربما يكون الموقف مختلفاً بعض الشيء، حيث يبدو أن هناك تياراً واسعاً أيضاً من الأفغان العاديين الذين يشعرون بخيبة أمل تجاه هذا القانون الذي يضمن لزعماء الحرب الأفغان الذين قتلوا آلاف الأفغان، ودمروا العاصمة كابول خلال الحرب الأهلية التي استمرت أربع سنوات في بداية التسعينيات، الفرار بجرائمهم بدلاً عن تقديمهم للعدالة. ورغم ذلك فإن التظاهرة التي تم تنظيمها في الاستاد، في دولة ما زالت تعيش رهن الانقسامات العرقية والطائفية والقبلية، تبعث برسالة واضحة تماماً، وهي أن زعماء الحرب الأفغان هم وحدهم القادرون على حشد الجماهير لتأييدهم.

يقول بول فيشستاين، مدير وحدة أبحاث وتطوير أفغانستان، وهو مركز أبحاث مستقل في كابول، (في هذا التجمع ترى قدرة زعماء الحرب المستمرة على حشد النساء والتأثير على سياسات الحكومة الأفغانية).

ويرى البعض أن قانون العفو الذي أصدره البرلمان نفسه ليس أكثر من مؤامرة سياسية، لأن الذين أقروه هم أنفسهم المستفيدون منه غالباً. وقد لفت القانون انتباه المجتمع الدولي لأنه يبدو وسيلة لحماية العديد من رموز نظام الحكم في أفغانستان من الملاحقة القضائية. ذلك أن أغلب المستفيدين من العفو المنتظر إما أعضاء في البرلمان أو وزراء في الحكومة أو قادة في الجيش الجديد، وأغلبهم من المجاهدين السابقين الذين تجمعوا لملء الفراغ السياسي الذي خلّفه انهيار حكم حركة طالبان على أثر الغزو الأمريكي لأفغانستان أواخر 2001م.

ومن بين الذين شاركوا في تجمع الاستاد عدد من أعضاء البرلمان ونائب الرئيس الأفغاني وكبير المستشارين الأمنيين للرئيس ورئيس أركان الجيش ووزير الطاقة، حيث يرى هؤلاء أن العفو يمثِّل إجراء للحماية الذاتية.

وقد بدأ الحديث عن قانون العفو في أفغانستان بقوة بعد إعدام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في أواخر العام الماضي، وهو الذي كان في يوم من الأيام أحد حلفاء أمريكا.

ويقول نجيب الله كابولي، عضو البرلمان، إن المجاهدين الأفغان السابقين، الذين أصبحوا أعضاء في البرلمان الحالي (يعتقدون أنه ربما يأتي اليوم الذي يواجهون فيه نفس مصير صدام حسين (وقد امتنع نجيب الله كابولي عن التصويت على القانون لأنه يرى أنه يقدّم عفواً أشمل وأوسع مما ينبغي.

ولكن عبد الملك الذي شارك في مظاهرة الاستاد يتساءل (ألم تكن الولايات المتحدة تؤيّد المجاهدين؟)، في إشارة إلى العلاقة الوثيقة التي ربطت بين الجهاد الأفغاني ضد الغزو السوفيتي الذي بدأ عام 1979م والولايات المتحدة، التي قدّمت كل أشكال الدعم للمجاهدين.

ويقول كابولي إن المجتمع الدولي كان في مقدوره بعد سقوط حركة طالبان عام 2001م اتخاذ موقف أقوى ضد زعماء الحرب الأفغان، وعدم السماح لهم بالانضمام إلى العملية السياسية، ولكن بالنسبة لبلد ظل يعاني من الحروب على مدى 25 عاماً لا يمكن أن يتم تشكيل حكومة لا تضم مجرمي حرب، وإن كان من الممكن تقليل عددهم إلى أدنى مستوى.

ومع تحول الاهتمام السياسي بالنسبة لما يجري في أفغانستان من قضية تحقيق الاستقرار إلى قضايا حقوق الإنسان والحكم الرشيد أصبح المجاهدون السابقون هدفاً سهلاً للمطاردة.

ويؤكّد ذلك تقرير لمنظمة هيومان رايتس ووتش الدولية، المعنية بحقوق الإنسان في العالم، دعت فيه المنظمة إلى ضرورة محاكمة العديد من أعضاء الحكومة الأفغانية لاتهامهم بارتكاب جرائم حرب.

ولكن محمد قاسم فهيم، وزير الدفاع السابق ومستشار الرئيس الأفغاني حالياً لشئون الأمن، يرى أن منظمة هيومان رايتس ووتش كان عليها أن تفكر في ضمان استقرار أفغانستان أولاً حتى لا تعود البلاد إلى أتون الحرب الأهلية مرة أخرى، ذلك لأن أفغانستان في نظره قام بفضل الجهاد والمجاهدين وتضحياتهم.

وفي هذا السياق يمكن القول إن زعماء الحرب ما زالوا يمثّلون القوة الأكبر في أفغانستان، ذلك لأن الأفغان لا يثقون إلا في هؤلاء الزعماء الذين يعيشون بينهم بسبب التراث القبلي الراسخ لديهم والتاريخ الطويل للتدخلات الأجنبية في شئون أفغانستان، ولذلك ما زال زعماء الحرب قادرين على حشد عشرات الآلاف من الأنصار لتنفيذ ما يريدون.

ويرى الكثيرون ممن تحمّلوا مشقة المشاركة في الحشد الذي تجمع في إستاد كابول، الذي تحوّلت أرضه إلى وحل بسبب المطر، أن العفو المنتظر هو الخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح نحو المصالحة الوطنية في أفغانستان وإعادة توحيد الشعب بعد تضميد جراح ربع قرن من الحروب.

ويقول مجاهد إن هذه البلاد دمرتها الحرب لعدة سنوات وأن الأفغان عانوا الكثير ولا يريدون العودة إلى الحرب الأهلية مرة أخرى. ويضيف قائلاً: (لننس الماضي ونفكر في المستقبل الزاهر.. فنحن نريد الوحدة).

أما عبد الملك فيقول إن هذه التظاهرة السلمية جزء من رسالة لشعوب العالم تقول إن الأفغان يريدون حياة مستقرة وأن أعداء الأمس يمكن يتعايشوا اليوم معاً في سلام.

ورغم ذلك فإن العديد من الخبراء والمواطنين في أفغانستان يشكّكون في إمكانية تحقيق مثل هذه المصالحة في ظل الأوضاع الراهنة.

وفي مكان غير بعيد عن أنصار زعماء الحرب الذين احتشدوا في الاستاد كان المواطن الكابولي محمد فواز يجلس على حائط حجري يستريح قليلاً ويرتشف الشاي، حيث كان يقوم ببناء جدار منزل. يقول فواز مشيراً إلى عدد من المنازل المهدمة (هذا ما فعله الذين يريدون العفو عنهم). وإذا كانوا يريدون فعلاً تحقيق الوحدة فهذا أمر جيد. أما إذا كان الأمر لا يتعدى مجرد كلمات جوفاء فلا أعتقد أن هذا سيكون مفيداً.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة