Al Jazirah Magazine Tuesday  27/11/2007 G Issue 244
الافتتاحية
الثلاثاء 17 ,ذو القعدة 1428   العدد  244
 
مع عَدْوِ السنين!!

 

 

الحنين إلى الماضي البعيد، بذكرياته الجميلة، بل وما كان منه غير جميل، تقابله تلك الشكوى المُرَّة التي لا تتوقف من واقع الحال في الزمن الحاضر، بما لن يستطيع المستقبل بكل ما نردِّده من كلمات التفاؤل التي تسبق إطلالته علينا أن يوفِّق بين نظرتين مختلفتين وزمنين متباعدين.

* * *

فالناس برمجوا علاقاتهم بين موقفين ونظرتين وحالتين سادت وتسود كلَّ ما له صلة بالماضي والحاضر، وما ترتب أو يترتب على هذه الصلة من متغيرات في التعامل والسلوك، دون أن يغيب دور الحالة النفسية وتأثيرها في أي تشخيص لموقف الإنسان من ماضيه وحاضره.

* * *

جيل بعد جيل، وسنوات تليها سنوات، ودورة الحياة مستمرة، والناس على طرفي نقيض في التعامل معها، وفي التكيف مع مستجداتها، كلٌّ بحسب ما تمليه عليه بيئته وثقافته ونظرته إلى الأشياء، بما لا يمكن أن يتفق الجميع على رؤية واحدة، وعلى أسلوب واحد في التوافق أو التضاد مع مكونات ورشة العمل في دنيانا الواسعة.

* * *

والمعاناة وعدم القدرة على تشخيص دقيق لما كان عليه الإنسان وما يمر به الآن لا يقتصر على الفقير دون الغني أو على صاحب المؤهل العلمي الأدنى أو الوظيفة الأقل، كما أنه لا فرق بين من يعيش في القرية أو المدينة، فالجميع سواسية في المعاناة والشكوى من الحاضر بما يشجع الناس أحياناً على إطلاق كلمات الترحُّم على الماضي البعيد.

* * *

ولا أحد يفسر للناس، لماذا يظل الإنسان مشدوداً إلى ماضيه، وسعيداً بما كان عليه، وفخورا بسنوات أمضاها في حياة كانت بدائية ومتواضعة في كل إمكاناتها، بما لا مقارنة بينها وبين الحاضر الغني بكل مقومات الحياة العصرية الباذخة التي تفيض مستجداتها بكثير عن حاجة الناس في تذوق طعم الحياة.

* * *

ولعل انشغال المجتمع بكل مكوناته بالعمل بعيداً عن التفكير بما آل إليه حال كل منا بعد سنوات من الكفاح والصبر والتحمل إلى هذا الزمن الذي خيمت عليه سحب كثيرة من الخيرات المتنوعة هي التي أنسته أهمية أن يفكر وأن يتأمل بالهموم وبكل ما يؤدي إلى الخوف من عاديات الزمان إلى الحد الذي لم يعد يفكر الكثيرون منا بأكثر من اجترار الماضي وذكرياتهم عن سنوات لن تعود إليهم من جديد.

* * *

أفضل للإنسان - بنظري - أن يتكيف مع عالمه الجديد، من أن يضيع وقته في استذكار ماضيه، فالحياة حلقات متسلسلة وسنوات متعاقبة، وكل مرحلة لها طابعها وعالمها الخاص، بما لا يمكن أن يتكرر أو يعود من جديد ذلك الماضي بما كان عليه من أنماط في حياة الناس دون أن يمسَّه التغيير.

* * *

وأفضل للإنسان أيضاً أن يبقي الماضي من سنوات عمره ضمن ذكرياته فقط، من أن يستعيدها لتؤثر على حاضره ونشاطه في الحياة، فالحاضر امتداد للماضي من عمر الإنسان، بحيث لا ينبغي أن تتصادم سنوات أعمارنا مع بعضها، أو أن تؤثر سلبا مرحلة على مرحلة أخرى من تراكم سنين حياة كلٍّ منّا.

* * *

وليكن الإنسان - في ضوء ذلك - متفائلاً بوضعه الراهن، حريصاً على استثمار كل عناصر القوة في بناء مستقبله بمد جسور يصل من خلالها إلى السعادة التي ينشدها ولم يبلغها بعد، بل ولم تتحقق له لا في ماضيه ولا في حاضره، حيث ما زالت الفرصة متاحة لإنجاز ما لم تسمح به تلك السنين التي مضت من العمر في تحقيقه.

* * *

إنها وجهة نظر متواضعة استوحيتها من هذا التفاوت الذي ألمسه بين الناس في أسلوب تعاملهم مع المستجدات في الحياة، ونظراتهم لمكوناتها، وعلاقاتهم المباشرة وغير المباشرة بما تقدمه من جديد لم يعد المرء قادرا على التفاعل معه أحيانا، فضلا عن أن يُمسك بهذا الجديد المؤثِّر في كل حين.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب «2» ثم أرسلها إلى الكود 82244

خالد المالك


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة