Al Jazirah Magazine Tuesday  29/05/2007 G Issue 220
خارج الحدود
الثلاثاء 12 ,جمادى الاولى 1428   العدد  220
 

معاهد كونفشيوس لتعليم الصينية تغزو العالم

 

 

* إعداد - أشرف البربري

لا يبدو أن الصين ستكتفي بلقب القوة الاقتصادية العظمى في العالم وإنما ستسعى بكل السبل لفرض نفوذ عالمي في كل المجالات بما في ذلك المجال الثقافي.

وقد نشرت صحيفة (كريستيان ساينس مونيتور) الأمريكية تقريرا عن المراكز الثقافية الصينية التي تنتشر بسرعة هائلة في مختلف دول العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة. وفي هذا التقرير تساءلت الصحيفة: ما هو الشيء الذي يجمع حاليا بين نيويورك وهاواي وكنساس وكاليفورنيا والمكسيك وفرنسا وصربيا ومصر وفرنسا وكوريا الجنوبية وأستراليا وبوروندي؟ واجابت قائلة: تقريبا لا شيء يجمع بين هذه البلدان سوى أنها تستضيف حاليا مراكز لغات وثقافة صينية تحمل نفس العلامة التجارية المميزة لكل ما هو صيني حاليا وهو السرعة والكفاءة.

فقد أنشأت الصين حتى الآن 130 مركزا ثقافيا خارجيا في أكثر من خمسين دولة من دول العالم تحمل اسم معهد كونفشيوس خلال السنوات القليلة الماضية. وحتى في الولايات المتحدة يوجد نحو عشرة من هذه المعاهد مع العمل من أجل إقامة المزيد منها.

يقول المسؤولون الصينيون إن الهدف الرئيسي لهذه المعاهد هو نشر اللغة الصينية وتحسين العلاقة بين الصين وشعوب العالم. وفي ظل صعود الصين كقوة اقتصادية عالمية يزداد إقبال الأمريكيين على تعلم اللغة الصينية. ومع ذلك هناك قلق لدى البعض بشأن دوافع التوسع الصيني في مجال المراكز الثقافية الخارجية. يقول مسؤول بالقنصلية الصينية في سان فرانسيسكو (الغرض هو تعليم اللغة الصينية.. ونحن نريد تلبية الطلب المتزايد على مدرسي اللغة الصينية).

وتقول إدارة هان التابعة لوزارة التعليم الصينية والمسؤولة عن إدارة المراكز الثقافية الصينية في الخارج في موقعها على الإنترنت إنها تتطلع إلى دعم علاقات الصداقة بين الصين وشعوب العالم. والواقع أن معاهد كونفشيوس الثقافية في العشرات من دول العالم ليست المبادرة الصينية الوحيدة في الحملة الشعبية العالمية التي أطلقتها الصين خلال السنوات القليلة الماضية. فإلى جانب هذه المراكز هناك المساعدات الاقتصادية للدول الفقيرة والأنشطة الثقافية والتعليمية ودورة الألعاب الأوليمبية التي ستستضيفها بكين العام المقبل كأدوات (للقوة الناعمة) التي تستخدمها الصين حاليا. ويقول محللون ان الصين تسعى إلى جذب شعوب العالم لدعم صعود الصين كقوة عالمية بدلا من تخويف هذه الشعوب.

يقول مايكل ليفين مدير (جمعية آسيا) وهي منظمة غير هادفة للربح في نيويورك تسعى إلى دعم التقارب الصيني الأمريكي (لدى الصينيين توقعات وأحلام كبيرة.. وهم يتحركون في اتجاه أهدافهم) في ظل احتمالات صعود اللغة الصينية لتصبح ضمن أهم عشر لغات على مستوى العالم.

يضم برنامج تدريس اللغة الصينية في جامعة ميريلاند الأمريكية وهو البرنامج الأول من نوعه بالتعاون مع معهد كونفشيوس في الولايات المتحدة أقل من عشرة دارسين رغم مرور عامين على افتتاحه. كما أن المدرسين الذين وعدت الصين بإرسالهما للمشاركة في البرنامج لم يصلا إلا الشهر الماضي. وقد احتاج البرنامج إلى عام كامل حتى يتم الاتفاق على أسلوب عمله كما قالت ريبيكا ماكجينس المسؤولة الإدارية عن البرنامج. وتضيف: الأمر يحتاج بالفعل إلى بعض الوقت حتى تدور العجلة. ويقول وانج ينج أحد المسؤولين القنصليين الصينيين في نيويورك (نحن لا نحدد لمعاهد كونفشيوس ما الذي عليه أن تفعله.. فكل معهد يختلف عن الآخر لأن كل مكان له احتياجات مختلفة). ويضحك أغلب مديري برامج معهد كونفشيوس في الولايات المتحدة وكلهم من الأمريكيين لأنهم وفي وقت من الأوقات أصبحوا ينتظرون (الصين لتقدم لهم توجيهات أكثر مركزية). ومن المؤكد أن الطلب على تعليم اللغة الصينية يتزايد.

فالصين أصبحت رابع أكبر اقتصاد في العالم وتواصل النمو الاقتصادي بمتوسط سنوي قدره 9.5 في المئة من إجمالي الناتج المحلي وأصبحت أكبر مستقبل للاستثمارات الأجنبية المباشرة في العالم. ولا عجب أن تتوقع وزارة التعليم الصينية وصول عدد دارسي اللغة الصينية في العالم إلى 100 مليون شخص بحلول عام 2010 .

ويضم فصلا تدريس اللغة الصينية في جامعة ميريلاند منذ الخريف الماضي مجموعة من العاملين الذين يدرسون اللغة الصينية إما لأنهم زاروا الصين واكتشفوا الحاجة إلى تعلم لغتها أو لأن متطلبات عملهم تتضمن التحدث باللغة الصينية. وبدون تعليمات ولا مناهج رسمية نجحت بعض معاهد كونفشيوس في إيجاد الطرق الملائمة لتلبية الاحتياجات التعليمية للمجتمعات التي توجد بها. وقد نجح معهد كونفشيوس الموجود في جامعة ولاية ميتشجان في تطوير مواد رقمية تعليمية. وقام المعهد الموجود في جامعة سان فرانسيسكو بإجراء تجارب على برنامجين دراسيين إضافيين لتلاميذ المدراس الابتدائية. وساعد المعهد الموجود في نيويورك 16 معلما في الحصول على شهادة معلم لغة صينية ويأمل في تخريج ما بين 30 و40 معلما إضافيا خلال العام المقبل. أما المعهد الموجود في جامعة كانساس فينظم دورات تعليمية لصالح بعض الشركات داخل مقار تلك الشركات. ولكن ونظرا لأن معاهد كونفشيوس مازالت في البداية في الولايات المتحدة فإن بعض أعضاء هيئات التدريس في الجامعات الأمريكية يبدون قدرا من القلق بشأن تسلل تلك المعاهد إلى الجامعات الأمريكية واحتمالات ممارستها نفوذا سياسيا على تلك الجامعات. تقول إيليني جيربرت مدير مركز دراسات شرق آسيا في جامعة كنساس (بالتأكيد فاستخدام تعليم اللغة من أجل خلق شعور شعبي إيجابي تجاه الصين هو أمر سياسي.. ولكن لا توجد طريقة لتفادي ذلك).

أما شينجلي فينج مدير برنامج اللغة الصينية في جامعة هافارد فيقول ضاحكا (إنهم لم يختاروا له اسم المعهد الشيوعي) ولكنه يعتبر أن معاهد كونفشيوس مجرد جزء من خطة للعلاقات العامة الصينية.

رفض أمريكي

وقد رفضت بعض الجامعات العريقة في الولايات المتحدة مثل جامعة هارفارد تبرعات صينية لإقامة معاهد لتعليم اللغة الصينية. يقول كاميرون هورست مدير مركز دراسات شرق آسيا في جامعة بنسلفانيا (لا نريد أن نكون جزءا من عمل تقول لنا الحكومة الصينية كيف) نقوم فيه بتعليم اللغة الصينية. كما أن بعض الأساتذة يخشون من نجاح الصين في فرض نوع من الصمت على أصحاب وجهات النظر الأخرى في الجامعات التي تقبل مساعداتها.

تقول إيليني جيربرت (من المهم جدا استمرار الفصل بين معاهد كونفشيوس ومراكز دراسات شرق آسيا) في الجامعات الأمريكية من أجل تفادي أي تدخل أكاديمي بينهما.

أما المعلمون الآخرون فيعربون عن قلقهم بشأن مستوى جودة التعليم الذي توفره هذه المعاهد. فالمواد التعليمية الصينية لا تتعامل مع مشكلات تعلم لغة ثانية وكأنه يتم تدريسها لطلبة صينيين لغتهم الأولى هي الصينية على حد قول كريستي لاو مدير معهد كونفشيوس في جامعة سان فرانسيسكو. كما أن المعلمين القادمين من الصين لا (يفهمون طرق التعليم والتعلم في الولايات المتحدة) وتضيف أن هناك اختلافات ثقافية بين الصين وأمريكا ويجب مراعاتها مشيرة إلى أن الأمر نفسه يمكن أن يحدث عندما يذهب أمريكي للتدريس في دولة أخرى.

أما ديفيد برانر أستاذ اللغة الصينية في جامعة ميريلاند فيقول ان هناك نوعا من الخلط بين (الأهداف الأكاديمية والأهداف غير الأكاديمية) ويضيف في رسالة عبر البريد الإلكتروني أن كل المراكز الثقافية المدعومة حكوميا الأخرى مثل المجلس البريطاني والمركز الثقافي الفرنسي ومعهد جوتة الألماني توجد بعيدا عن الجامعات في الولايات المتحدة وكنت أتوقع أن يسير معهد كونفشيوس في نفس الطريق ولكن لم يحدث هذا في أغلب الحالات.

وينشأ جزء من التوتر الذي تثيره المعاهد الثقافية الصينية في الجامعات الأمريكية من حقيقة أن هذه المعاهد التي أقيمت داخل الحرم الجامعي لم تستفد أو كانت استفادتها محدودة للغاية من برامج تعليم اللغة الصينية الموجودة بالفعل في تلك الجامعات.

ولكن مديري معاهد كونفشيوس يقولون ان رد الفعل السلبي على تلك المعاهد مبالغ فيه. يقول يونج شاو وهو أمريكي من أصل صيني يرأس معهد كونفشيوس في جامعة ميتشجان ان الحرية الأكاديمية هي أهم الأشياء ولذلك فالقلق من وجود معهد صيني مدعوم حكوميا داخل الجامعة (مفهوم) ولكن مستوى القلق مبالغ فيه للغاية. في الوقت نفسه فإن المعاهد توفر منتدى للتعاون الصيني الأمريكي. كما أن تحسين العلاقات الأمريكية الصينية هو بالفعل من بين أهدافها المعلنة. ويقول جوشوا كورلانتزيك الباحث الزائر في معهد مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي بالولايات المتحدة الذي يكتب بكثافة في الشأن الصيني أن الصين أصبحت أكثر انفتاحا للحديث مع الآخرين بشأن مشروعاتها عما كانت عليه منذ 20 عاما. والحقيقة أن التحدي الأكبر الذي يواجه الصين هي قدرتها على مواجهة انتقادات المعارضين لها.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة