Al Jazirah Magazine Tuesday  30/01/2007 G Issue 204
الملف السياسي
الثلاثاء 11 ,محرم 1428   العدد  204
 

بعد دخولها نادي الصناعات الجوية العسكرية
الصين تثير مخاوف الدول الغربية والمجاورة

 

 
* إعداد - عايدة السنوسي:

تتابع الدوائر السياسية والإعلامية في أمريكا وآسيا باهتمام بالغ النمو الكبير للقدرات العسكرية الصينية التي جعلت الصين على مقربة من إعلان نفسها قوة عظمى. وفي إطار هذا الاهتمام يجيء التقرير المطول الذي أوردته صحيفة كريستيان ساينس مونيتور حول نجاح الصين في تطوير أول طائرة مقاتلة صينية مائة في المائة.

يقول كاتب التقرير الصحفي بيتر فورد: إن الطائرة الصينية المقاتلة ذات الجسم الأملس (جيان 10) التي تم الإعلان عنها مؤخرا لم تكن مجرد طائرة نفاثة جديدة، بل تدشينا لمرحلة جديدة في تاريخ الصناعات العسكرية الصينية تضع فيه الصين نفسها بين كبريات الدول المنتجة للأسلحة في العالم.

وتعمل الطائرة الجديدة حسبما يورد الكاتب بمحرك صيني الصنع، كما تطلق صواريخ موجهة صينية الصنع أيضا. وقد طورت الصين هذه الطائرة محليا بالكامل، وهو ما يجعل الصين واحدة من أربع دول على مستوى العالم قادرة على إنتاج طائرة مقاتلة كاملة العتاد اعتمادا على قدراتها الذاتية، وبذلك تكون الصين قد ضيقت الفجوة بينها وبين الدول المتقدمة، وخاصة الولايات المتحدة وروسيا. وينقل الكاتب عن جينج روجوانج، نائب المدير العالم لشركة (أفيك آي) الصينية التي أنتجت الطائرة، قوله: إن الطائرة تمثل أحدث ثمار عملية تحديث مؤسسة الصناعات العسكرية الصينية التي أنتجت أيضاً غواصات نووية وطائرات إنذار مبكر ومدمرات وصواريخ عابرة للقارات وأنظمة قيادة وسيطرة تعمل بالحاسوب.

ويورد التقرير نقلا عن وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) أن الإعلان عن الطائرة (جيان 10) خطوة كبرى في طريق تحول الصين إلى قوة عالمية في مجال الصناعات الجوية، كما أن الطائرة الجديدة تمثل رمزا لسعي الصين إلى التحول لقوة عالمية في مجال صناعة السلاح. وفي هذا السياق يروي الكاتب عن ديني روي، كبير الباحثين في مركز آسيا والمحيط الهادئ للدراسات الأمنية في هونولولو، قوله: (إن أغلب المحللين فوجئوا بالسرعة التي تحولت بها الصين من دولة مشترية للسلاح إلى دولة تمتلك قدرات كبيرة على إنتاج السلاح وبيعه للدول الأخرى).

هذا التطور الصيني، حسبما يروي التقرير، يثير قلق بعض الدول المجاورة للصين التي تعتبره شكلا من أشكال التهديد لأمنها، كما يثير قلق مسؤولي وزارة الدفاع الأمريكية الذين يحثون الصين باستمرار على التحلي بالمزيد من الوضوح بشأن سياساتها العسكرية، سواء على صعيد الإنفاق العسكري أو زيادة حجم القوات المسلحة، خاصة وأن ميزانية الدفاع الصينية زادت بنسبة 10 في المائة عما كانت عليه في عام 1990م وفقا للبيانات الرسمية الصينية. وفي هذا السياق يقول الكاتب إن الحكومة الصينية أصدرت بالفعل ما أسمته (الورقة البيضاء)، ومن خلالها تحاول الصين توضيح سياساتها العسكرية في خطوة نادرة قيل إنها تهدف إلى تهدئة مخاوف دول العالم، وبخاصة الولايات المتحدة وجيرانها في آسيا والمحيط الهادئ.

تقول الورقة الصينية: (إن البيئة الأمنية للصين بشكل عام مازالت في الحدود الطبيعية)، ولكنها تشير إلى حقيقة أنها، أي الصين، (لا تستطيع تجاهل التحديات الكامنة)، ومن هذه التحديات (النضال من أجل مواجهة واحتواء القوى الانفصالية الداعية إلى استقلال تايوان)، وهو التحدي الذي تعتبره الصين من التحديات الأشد صعوبة على أجندتها العسكرية. فالمعروف أن الصين تعتبر جزيرة تايوان مجرد إقليم منشق تعتقد أن لها حق المطالبة باستعادة السيادة عليه، في حين يوجد تيار في تايوان يسعى إلى تأكيد الانفصال عن الصين وإعلان الجزيرة دولة مستقلة ذات سيادة.

وقد حددت الورقة، وهي الأولى من نوعها خلال عامين، الأهداف الطموحة لجيش التحرير الشعبي الصيني، وهو ضمان تلبية احتياجاته من التقنيات الحديثة. وتقول الورقة: إن الجيش الصيني يسعى إلى الحصول على القدرات اللازمة للانتصار في أي حرب إلكترونية بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين، في إشارة إلى الرغبة في إقامة نظام قتالي يعتمد بالكامل على الحواسيب، حيث يعتقد أن حروب المستقبل ستجري على شاشات أجهزتها.

وفي الوقت نفسه تؤكد الصين أن كل ما تسعى للحصول عليه هو (قدرات ذات طبيعة دفاعية بحتة)، ولذلك فقد خلت الورقة البيضاء من نبرة التهديد بقمع أي محاولة لترسيخ استقلال تايوان، كما حدث في الورقة البيضاء التي صدرت قبل عامين.

ومع ذلك فإن الورقة البيضاء الصينية الأخيرة أشارت بكثير من القلق إلى تنامي التعاون العسكري بين اليابان والولايات المتحدة في الوقت الذي اتفقت فيه واشنطن وطوكيو على إقامة شبكة صواريخ مضادة للصواريخ في اليابان بهدف توفير الحماية لليابان ضد أي هجوم صاروخي من جانب كوريا الشمالية. وتخشي بكين من امتداد نطاق هذا الدرع الصاروخي في يوم من الأيام ليشمل تايوان مما يعني تحجيم قدرة الآلة العسكرية الصينية على الحركة في مواجهة الطموحات الاستقلالية لتايوان.

وجاء صدور هذه الورقة البيضاء في أعقاب خطاب للرئيس الصيني هو جينتاو دعا فيه إلى ضرورة امتلاك الصين قوة بحرية قادرة على الانتشار بعيداً عن المياه الصينية والعمل في المياه الدولية. وبرر دعوته بقوله: (يجب أن نعمل على بناء قوة بحرية قوية تلبي الاحتياجات الضرورية للمهمة التاريخية للجيش الصيني في القرن الجديد).

واستطرد جينتاو قائلاً: (علينا اتخاذ كل الاستعدادات لخوض أي صراع مسلح وضمان قدرة قواتنا على القيام بمهامها في أي وقت). ومن بين المهام التاريخية التي ألمحت إليها الورقة الصينية الجديدة وتكشف عن طموح صيني للعب دور قوة عظمى تعمل على حماية مصالح (التنمية الوطنية) للصين، وهو ما يشمل ضمان استمرار تدفق إمدادات الطاقة إلى الصين والاستقرار المالي وحرية الحصول على المعلومات وتأمين طرق النقل البحري.

ويقول التقرير إن وزارة الدفاع الأمريكية ذكرت العام الماضي أن الصين تطمح في إقامة قوة بحرية قادرة على حماية خطوط النقل البحري التي تنقل احتياجات الصين الحيوية من النفط عبر مضيق ملقا، وإقامة أسطول بحري صيني في المحيط الهندي.

ولكن تنامي المصالح الصينية والاقتصادية للصين، وبخاصة تزايد احتياجاتها للمواد الخام المستوردة من أجل الحفاظ على دوران آلتها الاقتصادية، يعني أنها سوف توسع نطاق مفهوم مصالحها الاستراتيجية التي يجب الدفاع عنها بكل الوسائل بما في ذلك الوسائل العسكرية.

ويتوقع روي أن يحدث صراع مصالح بين الصين والقوى الأخرى في العالم، وبخاصة الولايات المتحدة، في ضوء اتجاه الصين إلى لعب دور القوة العظمى، سواء على الصعيد الاقتصادي أو العسكري. ويقول روي إن الصين ستكون في حاجة إلى تطوير قدراتها الدبلوماسية حتى تتمكن من إدارة صراع المصالح المنتظر دون الانزلاق إلى صراع مسلح لا يخدم أحداً.

ويتفق العديد من الخبراء الغربيين مع تصريحات المسؤولين الصينيين بشأن تناسب الإنفاق العسكري للصين مع نموها الاقتصادي. ورغم أن الصين أعلنت رسميا أن ميزانيتها العسكرية للعام الحالي تصل إلى 36.4 مليار دولار فإن الخبراء يعتقدون أن الرقم الحقيقي لهذه الميزانية يزيد عن ضعف الرقم المعلن.

ويشير روبرت كارنويل، مدير مكتب مجلة جينس الدفاعية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، إلى أن تأكيد الصين المستمر بأن تسليح قواتها تسليح دفاعي غير مجد نظراً لأن أي سلاح يمكن استخدامه في الواقع في الأغراض الدفاعية والأغراض الهجومية على السواء.

ويعتقد كارنويل أن الورقة الصينية لم تقدم سوى مفاهيم دفاعية أولية، بل استندت إلى قدرات هجومية بدرجة ما، كما أن الصين تمتلك قدرات شن حروب هجومية إذا ما أرادت ذلك، وهذا ما يجعل الدول المجاورة تنظر إلى تنامي القوة العسكرية للصين بقلق بالغ رغم استقرار المناخ السياسي، وذلك لأن النوايا تتغير والظروف السياسية تتبدل.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة