Al Jazirah Magazine Tuesday  30/01/2007 G Issue 204
الافتتاحية
الثلاثاء 11 ,محرم 1428   العدد  204
 
أيام سوداء!!

 

 

كنت في بيروت خلال الأسبوع الماضي أقضي بعض الوقت بالعاصمة اللبنانية في مهمة عمل، ولا أزال حين كتابتي هذه الكلمات أستكمل مهمتي هناك.

وكان من الواضح لي أن بيروت بناسها والحياة فيها والانطباع الجميل في ذهني عنها قد شابها شيء كثير من التغيير أو لنقل: التشويش.

فالمدينة التي لا تعرف النوم، وتتمتع بهامش كبير من الحرية، وقد اعتادت أن تكون الملاذ والمأوى والمنتجع لكل من يبحث عن الراحة والاستمتاع في الحياة لم تعُدْ كذلك.

***

فقد كانت بيروت قبل الإضراب الذي قاده التيار المعارض يوم الثلاثاء الماضي تبدو هادئة ومفرغة تقريباً من غير اللبنانيين، باستثناء المقيمين فيها إقامة دائمة، وكأنها كانت تحضّر نفسها لهذا الذي جرى وربما لما هو أسوأ، وبالتالي فقد صاحب ذلك هدوء في حركة السير في جميع شوارع المدينة، فضلاً عن أن الفنادق لم تعُدْ تؤوي سوى عشرين بالمائة من طاقتها الاستيعابية - وهذا في أحسن الأحوال - على رغم كل المحفّزات، بما يعد مؤشراً على الوضع السيئ الذي تمرّ به العاصمة اللبنانية.

وفجأة، إذا ببيروت مع صباح يوم الثلاثاء الماضي تتحول من هدوئها هذا إلى مدينة أشباح، وكأن أهلها قد هَجَرُوها أو هُجِّروا منها باستثناء المواقع المنتقاة في تقاطعات الطرق، حيث كانت عناصر التيار المعارض تواصل تغذية هذه التقاطعات بالمزيد من الحرائق والسواتر الترابية، منفِّذة بذلك إضراباً شلّ الحركة في بيروت تماماً؛ فالطرق تم إغلاقها بسواتر من التراب والحجارة والسيارات والإطارات المشتعلة، في تخطيط مدروس واستعدادات مبكرة تمت في حركة ليلية سريعة ومباغتة.

***

وبذلك فقد التزم أغلب سكان بيروت بيوتهم الثلاثاء الماضي ولم يعودوا إلى أعمالهم في اليوم التالي بسبب إغلاق المعارضة جميع الطرق في العاصمة اللبنانية؛ مما تعذَّر معه الوصول إليها.

في الفندق الذي أقيم فيه - مثلاً - طُلب من العاملين أن يبيتوا ليلتهم فيه لضمان تشغيله؛ لأن المغامرة بالخروج منه قد لا تضمن عودتهم إليه، ومثلما ذكرت فقد كانت ثمانون من غرفه خالية من السكان.

***

وما كاد هذا الإضراب وحصار المعارضة لأهل بيروت ينتهي بعد يوم واحد فقط بعد أن عانى منه كل من كان في بيروت، إذ به وقد شلّ الحركة وأوقف دورة العمل على امتداد العاصمة اللبنانية، حتى كان الجميع على موعد مع تصرُّف دموي أحمق ضرب بيروت وأهل بيروت في مقتل.

فقد تحوَّل محيط جامعة بيروت العربية يوم الخميس الماضي إلى ساحة حرب حقيقية استخدم فيها حزب الله وأمل وأنصارهما من جهة وتيار المستقبل وحلفاؤه من جهة أخرى في مواجهات مذهبية الحجارة والعصي والأسلحة النارية، بما أودى بحياة وإصابة العشرات من المواطنين في كلا الطرفين.

***

لقد سألتُ كل من جمعني بهم مجلس أو مناسبة من اللبنانيين فلم أجد أحداً منهم إلا وهو ينكر هذه الأعمال الإجرامية، ويحمّل جميع الأطراف المسؤولية في الوضع المأساوي الذي يمرّ به لبنان، مستذكرين دروس الحرب الأهلية التي امتدت على مدى خمسة عشر عاماً ولا تزال آثارها المدمرة باقية إلى اليوم.

ومن الواضح أن الرموز والقيادات اللبنانية من جميع المذاهب ومن كافة الطوائف تحتاج إلى شيء من الحكمة في التعامل مع المستجدات في الحالة اللبنانية، بما في ذلك تعاطيها مع وسائل الإعلام وإعادة النظر في خطاباتها السياسية، والتأكد من أن التوازنات، وعدم إلغاء أي طرف للطرف الآخر (بما في ذلك عدم أحقية أيّ طرف المطالبة بإعطائه ما ليس له بحق)، هي الضمانات لاستقرار ووحدة وسلامة لبنان.

***

لقد تسابق الرؤساء الثلاثة وقادة الأحزاب في إصدار النداءات لتهدئة الوضع وحثّ المتقاتلين على إيقاف الاقتتال وإخلاء الشوارع بعد يوم دامٍ من المواجهات فيما بين الطرفين.

ومع كل ذلك، فلا يمكن لمن تابع المشهد اللبناني على النحو الذي رأيناه في يومي الثلاثاء والخميس من الأسبوع الماضي إلا أن يحمِّل الجميع مسؤولية هذا الاحتقان في الشارع اللبناني وما أدَّى إليه من فتنة واستفحال للخلافات ومن ثَمَّ استخدام للقوة وتعريض حياة الآمنين للخطر.

***

وإن ما يجري في لبنان - وهو البلد الصغير - إنما هو إملاءات من دول أخرى؛ إذ هي مَن حوَّلته إلى صراعات وحروب فيما بينهما، غير آبهةٍ بمصلحة لبنان ومستقبل اللبنانيين، بما لا تخفى ملامح هذه الدول وسماتها وأهدافها على اللبنانيين وغير اللبنانيين.

وإن لبنان أمامه الآن ليتعافى من محنته فرصة للوصول إلى تسوية تقوم على مبدأ (لا غالب ولا مغلوب) بالحوار وليس باستخدام القوة؛ ليفوِّت اللبنانيون بذلك الفرصة على المتورِّطين من الداخل والخارج في إشعال الفتنة وزعزعة الأمن والاستقرار في هذا البلد الجميل.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب «2» ثم أرسلها إلى الكود 82244

خالد المالك


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة