Al Jazirah NewsPaper Friday  06/10/2006G Issue 12426عزيزتـي الجزيرةالجمعة 14 رمضان 1427 هـ  06 أكتوبر2006 م   العدد  12426
رأي الجزيرة
الصفحة الرئيسية

الأولى

محليــات

الاقتصادية

الريـاضيـة

مقـالات

استراحة

دوليات

متابعة

أفاق اسلامية

أبناء الجزيرة

الرأي

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

سين وجيم

مدارات شعبية

زمان الجزيرة

الأخيــرة

(التواضع).. الى أين؟!

في الدقائق التي استرقتُها صباح الاثنين الباكر، الموافق للعاشر من رمضان، توقّفتُ طويلاً عند مقال سعادة رئيس التحرير -وفقه الله- المعنون ب(حين يؤذي المرء نفسه)، والذي استوقفني هو ما لاح لي -بدايةً- من أنه مفارقة حادة بين العنوان والمضمون بحسب تجربتي المحدودة في الحياة أمام ذوي التجارب الحية والطويلة، التي أنضجتهم على جمر الحياة!
مضمون المقال تنبيهٌ شديد، أشبه ببرقية تولّدت من شرارة موقف حاد، يُخاطب نوعية من أصحاب الجاه المُكتَسب عن طريق: الأموال ودرجة الوظيفة العليا ولربما الشهادة العلمية، والمشكلة ليست هنا؛ لأن هذه مميزات مرغوبة عند أي إنسان، وإنما المشكلة في السلسلة التي يُحيط بها الشخص عُنق هذه الغِيد الثلاث، وأقول: (سلسلة)، وليس (سلسالاً)؛ لأنها سلسلة بشعة من نار أو سُمّ أو بكتيريا أو أنفلونزا طيور تقتل صاحبها وحده على غير المعروف، وهي سلسلة التكبُّر الصارخ!
التكبُّر وسحق الآخرين.. مشكلة نعانيها في كل مكان، ومن معظم الأشخاص حتّى أشدّهم قُربًا، وحتى الذين لا يملكون مميزات إيجابية تُذكَر. والأسوأ من هذا أن هناك مَن يُربِّي - أُسريًّا أوتعليميًّا أو وظيفيًّا- على ضرورة هذا التكبُّر لإبراز مكانة الشخص، وإرغام الذين لا يرونها على الانكسار أمامها!
أحياناً أتخيل الأشخاص المتكبِّرين بما وهبهم الله من هباتٍ آنية ستزول يومًا ما، أو ستزول بركتها وإيجابيتها، أتخيّلهم بأرجل كبيرة جداً، لا يجدون أحذية بمقاسها، فيُضطرون إلى صنعها من رُفات البشر الذين يسحقونهم بابتسامة صفراء!
كم من شخص لا يرى فيه الآخرون أي مميزات، فيُهمّشونه أو -على الأقلّ- لا يأبهون به كأيّ شيء يطير في الجوّ أو يدبّ في التراب، ويأتي شخصٌ ممن حباهم الله عين العدل والحكمة، فيرى الشموخ الذي مَنَّ الله به على هذا المتواضع الهادئ، الذي يمشي على الأرض هوناً، ويخدم الناس بما استخلفه الله عليه في الأرض وكأنه المحتاج إليهم، وهو -فقط- مُحتاجٌ لرضا ربه عنه؛ أداءً لواجب الشكر الحقّ! نخلط بين التواضع والضعف وعدم التميّز، فتختلط سلوكياتنا وتتناقض وتتضارب، وربما لا نتعب، بل نشعر بنشوة كبرى؛ لأننا نرى -من وجهة نظرنا المنحورة على سواطير كِبْرنا- أننا أدّبنا الآخرين، وربما آذيناهم بما يستحقون. والحقيقة أن الأمر بخلاف ذلك في ميزان الرحمن، وهذا ما استوقفني في المقال كثيراً، وأشعرني أنني تعلّمتُ درسًا حياتياً مهمًّا في ساعة لن تتكرر في عمري. إن المتكبِّر يؤذي نفسه، يُعطِّل المنفعة منه للآخرين، وهذا هو الدائم، ويُعطِّل صفاء الإنسانية فيه، ويُضيف جُثّةً تخنق أوكسجين الأرض الذي يعاني من كثرة الجثث المتحللة فيه!
اعتدنا على السخرية، بل أصبحنا نستطعمها ألذّ من كل ما نأكله وننجح فيه نجاحاً إيجابياً؛ لأننا نعيش بميزانٍ بشري ضئيلٍ وهش وغير مُنصِفٍ إن لم يكن أعور القلب والفِكر، عَوَرًا نتج عن سوء وعيٍ بهبات الله تعالى وواجبها من شكرٍ وصونٍ وقيامٍ بحقوق العباد فيها.بالرغم من التطوُّر الذي وصلنا إليه ونرى علامات لما سنصل إليه، إلا أننا ما زلنا نعاني من عدم التطور في سلوكياتنا النفسية التي يكون بعضها ابتداءً منّا، وبعضها ردّة فعل لا نعتذر عنها ولا نُراجع أنفسنا فيها. وهنا نكون في سعيٍ حثيث للعودة للوراء أمام الركض الحضاري المادي المتوثِّب. لكن: ما نفعُ الجمال المادي والحضاري الشكلي إن كانت أرواحنا هامدة ومحترقة ومتوحشة ولربّما عَفِنة؟
لا أظنه إلا يُتعبنا ويزيد أزمتنا الإنسانية من معاناة التناقضات وغياب المبادئ الجميلة تطبيقياً؛ لأن الأذى النفسي أو العملي لا صعوبة فيه ولا بطولة تُمتَدَح، فأقلّ الناس إنسانية يستطيع أن يُحقق المركز الأول بجدارة؛ وهذا لأن حلبة السباق الحقيقية التي وُضعت تيجان الشرف عند نهايتها هي حلبة الفضيلة، والصبر، والحلم، والتواضع، والرحمة بالذات خوفًا من السوء، قبل رحمة الآخرين بحرمانهم من الاحترام الذي نظنهم لا يستحقون أن يبحثوا عنه من لدُنَّا!!
مواجع كثيرة قلّبها هذا المقال.. شخصياتٌ كثيرة كانت ملء أسماعنا وأبصارنا ودعواتنا في ظهر الغيب، وملء زكيِّ ذكرنا في مَلَئِنا، حتى جلدتنا بسياط الكِبْر، فنثرنا تلك الدُّرر أمام البهائم، لتأكلها، وتسحقها في أمعائها، وتُريحنا من صدمتنا فيها!
لو استطاع الأطباء صُنع عقارٍ للتواضع!! لو فكّروا فيه!! لو فكّرنا في البحث عن جيناته المخبوءة فينا، وتوّجناها مظلاّتٍ على هاماتنا.. لكُنّا بخير.. أحسب أننا سنكون بخير من وباء التكبُّر والدّعس على الآخرين..!

الجوهرة آل جهجاه
محاضرة في قسم البلاغة والنقد ومنهج الأدب الإسلامي جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية



نادي السيارات

موقع الرياضية

موقع الأقتصادية

كتاب و أقلام

كاريكاتير

مركز النتائج

المعقب الإلكتروني

| الصفحة الرئيسية|| رجوع||||حفظ|| طباعة|

توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية إلىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية إلى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved