Al Jazirah NewsPaper Friday  08/12/2006G Issue 12489مقـالاتالجمعة 17 ذو القعدة 1427 هـ  08 ديسمبر2006 م   العدد  12489
رأي الجزيرة
الصفحة الرئيسية

الأولى

محليــات

الاقتصادية

الريـاضيـة

مقـالات

استراحة

الثقافية

دوليات

متابعة

أفاق اسلامية

أبناء الجزيرة

شعر

الرأي

عزيزتـي الجزيرة

سين وجيم

تحقيقات

مدارات شعبية

زمان الجزيرة

الأخيــرة

الخلّ الوفيّ 2 - 3
د. محمد بن سعد الشويعر

ومثال آخر فهذا أبو جعفر المنصور، عندما كان يطوف بالبيت ليلاً، سمع قائلاً يلهج في دعائه قائلا: اللهم إنّا نشكو إليك، ظهور البغي والفساد في الأرض وما يحول بين الحق وأهله، من الطّمع والأثرة.
فجلس المنصور ناحية المسجد الحرام، ثم طلب الرّجل، فلما جاء وسأله عمّا سمع منه، طلب منه الأمان ليصدقه، فأمّنه المنصور.. فأخبره الرجل بحال من حوله، وظلمهم للناس، وأن من جاء متظلّماً يحال بينه وبين الوصول إلى المنصور.
وأكثر الرجل في النّصح والتّوضيح، في هذا الأمر وخوّف المنصور من موقف يوم القيامة، فبكى أبو جعفر المنصور، ولم يوبّخ الرجل، لأنه وفا له بما طلب، بل استرشد منه كيف يحتال لنفسه.
فنصح الرجل المنصور بمشورة العلماء، وأهل الديانة، ليكونوا بطانته وأهل مشورته، فقال المنصور: قد بعثت إليهم فهربوا، فقال النّاصح: خافوا أن تحملهم على طريقتك، ولكن افتح الباب للنّاس، وسهّل حجّابك، وانصر المظلوم، واقمع الظّالم، وخذ الأمور على وجهها وأنا ضامن لك عنهم، أنّهم يأتونك، فيساعدونك على صلاح الأمة.
فالمنصور وفا له فيما يطلب، حتى يتكلّم وينصح براحة نفس، والنّاصح أعطى من نفسه ما يحبّ الله من المشورة الحسنة، والنّصح الذي لم يطلب له عوضاً، إلا أنّه الوفاء، وأداء الأمانة في نصح السلطان، الذي بصلاحه تصلح الأمة.
ولما أراد أن يكافئ المنصور هذا النّاصح، سلّ نفسه وانصرف خِلْسةً، لأنّه لم يفِ بالنّصح طمعاً في مأرب من منافع الحياة، وإنما أراد أن يكون خلاً وفياً، وناصحاً أميناً.
- والشّواهد كثيرة في سجل رجالات في تاريخ الإسلام مما يرسّخ مفهوم أن الخلّ الوفي موجود في البيئة المسلمة، يبذله النّاصح بأمانة وصدق، ويتقبّل المنصوح ذلك بسعة صدر، ورغبة في المزيد، لأنّ ما يخرج من القلب، يدخل في القلب.. أمّا ما يصدر من اللسان فلا يتجاوز الآذان ولذا فإن الوفاء، إذا حرص عليه الإنسان، وبذله بصدقٍ لحماية من لا يعرفه، وبدون تجاوز لشرع الله، أو أضرار لعباد الله، وإنّما بذله لأداء حقّ الوفاء، فإنه يعتبر من أقوى أواصر الاخوة والصداقة.
ولئن كان الله سبحانه، قد مدح الوفاء بالعهد، وجعل ذلك من أمكن الخصال الحميدة، في المؤمن، حيث أثنى الله على الموفين بعهدهم، في عدة مواضع من القرآن الكريم، واعتبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الإخلال بالوعد، من الصفات الذّميمة، التي تتنافى مع كمال الإيمان، ومن السجايا القبيحة، التي لا يتحلى بها إلا من لا خلاق لهم، لأنّها جزء من الصفات التي يعرفون بها ظاهراً في الأعمال، أو مستتراً في الأفعال، فكانت من علامات النّفاق والمكر.
كما اعتبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، المكافأة على المعروف، والوفاء في العلاقات بين الناس، من مكارم الأخلاق التي يحبها الله، وجاء الرسول الكريم، عليه الصلاة والسلام، ليتممها، كما قاله لسفّانة لما وقعت في الأسر، وطلبت منه صلى الله عليه وسلم: أن يخلّى عنها، فإنَّ أباها حاتم الطائي، يحبّ مكارم الأخلاق.. فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (خلّوا عنها، فإن أباها يحبّ مكارم الأخلاق، والله يحبّ مكارم الأخلاق، ولو كان أبوكِ مُسْلماً لترحّمنا عليه).
ولذلك يضرب المثل عند العرب ب(فكيهة)، ويقال: أوفى من فكيهة..
- وفكيهة هذه امرأة من بني قيس بن ثعلبة، كان من أمرها في الجاهلية وقبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الوفاء: أن السّليك بن السّلكة - وهو من صعاليك العرب المشهورين - غزا بكر بن وائل، وخرج جماعة من بكر، فوجدوا أثر قدم، على مورد من موارد الماء، فقالوا: إن هذا الأثر، قدم قدورد الماء، فقعدوا له.
فلما وافى السّليك الماء، حملوا عليه، فعدا - وكان من العدّائين المشهورين، ففاتهم حتى ولج قبّة (فكيهة)، فاستجار بها، فأدخلته تحت درعها، فجاء من لحق بالسّليك من بني بكر بن وائل، فانتزعوا خمارها، فنادت إخوتها، فجاءوا وهم عشرة، فمنعوهم عنها، ونجا السّليك من طالبيه، نتيجة وفائها لمن استجار بها، وهي لم تعرفه من قبل، ولكن هذه الخصلة مما يمدح بها من تحلّى بها.
ومثل ذلك وفاء السّموءل بن عاديا، الذي أودع عنه امرؤ القيس، الشاعر الجاهلي المعروف، دروعه عندما ذهب يستنجد بهم.. فمات وجاء قوم من خصوم امرئ القيس، لأخذ الدروع من السموءل فرفض حتى يأتي ورثته، فهدّدوه بقتل ولده، فأبى ثم قتلوا ابنه ليرغموه على تسليم الدّروع أمامه حتى يسلمها لهم، ولكنه أبى عليه وفاؤه أن يخون الأمانة، حتى جاء الورثة فأعطاهم ما لديه من دروع وغيرها، أودعها امرؤ القيس عنده.
- أما الضدّ وهو الجانب السلبي في الوفاء، وهو الغدر والخيانة، بل ما ينميه الشرّ من الحرص على الإضرار بالآخرين، والتّقرب إليهم لمأرب، حتى يتصيّد العثرات، وينمي الحزازات، وهي صفة تأباها النفوس الطيّبة، وتنفّر منها تعاليم الإسلام، التي تبث الأخوة، وتدعو إلى سلامة الصّدور، كما روى عن الحسن بن علي، أنه قال لجلسائه: (لا تحدثوني عن الآخرين إلا بما فيه الخير، حتى أخرج إليكم، وصدري نظيف من الغلّ والكراهية لأحد....................(للبحث صلة)
ورع وعفّة
جاء في محاضرات الأبرار، ومسامرة الأخيار، أن لفاطمة بنت عبدالملك، زوجة الخليفة العادل، عمر بن عبدالعزيز، جارية حسناء، كان عمر يهواها، فطلبها منها لنفسه، وحرص على ذلك، فأبت عليه غيرة، ولم يزل مشفوعاً بها، فلمات أفضت إليه الخلافة، طلبت فاطمة الحظوة عنده، بتقريب الجارية إليه، فأمرت بإصلاح شأنها، وأدخلتها عليه في أحسن صورة، وقالت له: إنّك كنت بفلانة جاريتي معجباً، وسألتنيها فأبيت ذلك عليك، وأنا اليوم قد طبت نفساً بذلك، فدونك إيّاها، فسرّ بذلك وظهر الفرح في وجهه، وازداد بها عجباً، وقال لها: ألْقِ ثوبكِ أيّتها الجارية، فلمّا همّتْ، قال لها: أخبريني لمن كُنْتِ، ومنْ أين أنْتِ لفاطمة؟
قالت: كان الحجاج بن يوسف، أغرم عاملاً كان له، من أهل الكوفة مالاً، وكنت في رقّ ذلك العامل فأخذني وبعثني إلى عبدالملك بن مروان، وأنا يومئذ صبيّة، فوهبني عبدالملك لابنته فاطمة.
فقال: وما فعل ذلك العامل؟ قالت: هلك. قال: وما ترك ولداً؟ قالت: بلى، قال: وما حالهم؟ قالت: سيئ.
قال: شُدِّي عليكِ ثوبكِ. ثم كتب إلى عبدالحميد عامله، أن سرّح إلىّ فلان بن فلان على البريد، فلما قدم عليه، قال: أرفع إليّ جميع ما أغرم الحجاج أباك. فما رفع إليه شيئاً إلا دفعه، ثم أمر بالفتاة فدفعت إليه، فلما أخذها بيدها، قال: إيّاكَ وإيّاها، فإنّكَ حديث السنّ، ولعل أباكَ أنْ يكون وطئها، فقال الغلام: يا أمير المؤمنين هي لك، قال: لا حاجة لي فيها، قال: فابتعها مني، قال: لست إذاً ممن ينهى النفس عن الهوى.
فمضى بها الفتى، فقالت الجارية له: فأين وجدك بي يا أمير المؤمنين؟ فقال: على حالها، ولقد ازدادت: فقيل: إنها ما زالت في نفسه حتى مات رحمه الله (1-113).



نادي السيارات

موقع الرياضية

موقع الأقتصادية

كتاب و أقلام

كاريكاتير

مركز النتائج

المعقب الإلكتروني

| الصفحة الرئيسية|| رجوع||||حفظ|| طباعة|

توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية إلىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية إلى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved