Sunday  17/04/2011/2011 Issue 14080

الأحد 13 جمادى الأول 1432  العدد  14080

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

- ما شكل العلاقة التي تربط بين حي سكني في مدينة ما من هذا العالم؛ يوصف بأنه (حي عشوائي)، وبين حياة السكان فيه..؟

- تقول لغة الضاد؛ بأن عشا عشواً: ساء بصره ليلاً، وذهبت إحدى عينيه، فهو يعشو بالأخرى، أي يبصر بها بصراً .....

..... ضعيفاً، ومن هنا جاء اسم مرض العشا الليلي على ما يبدو. والذي يخبط خبط عشواء، هو الذي يصيب ويخطئ، كالناقة التي بعينيها سوء إذا خبطت بيدها، والظلمة. وركب العشواء: خبط أمره على غير بصيرة. إلى ما هنالك من مترادفات كثيرة في هذا المعنى.

- إن اسم عشوائي؛ يقترن في أذهان الناس بالفوضوية وعدم التنظيم، وهو ما لم يقصد أساساً لذاته، ولهذا أطلق الناس على أحيائهم غير المخططة ولا المنظمة: (عشوائية)، وهذا اسم دارج في بلاد العرب، لأنه لا تخلو عاصمة ولا مدينة عربية من أحياء عشوائية تكون مهملة في الغالب،وتفتقر للخدمات الحيوية مثل الماء والصرف الصحي والهاتف والكهرباء والتزفيت والإنارة وغيرها، وطابع مثل هذه الأحياء، أنها تُسكن من ذوي الدخل المحدود جداً، من فقراء الناس أو المهاجرين، حتى لو كان ملاك عقاراتها من ذوي الجاه والمقتدرين، كما يقصدها للسكن والتخفي؛ المتسللون والهاربون من الملاحقات الأمنية.

- والحقيقة أن هذه الظاهرة موجودة في كل دول العالم شرقه وغربه، ومن غير المفاجئ أن يجدها الزائر في عواصم لدول كبيرة؛ مثل أميركا واليابان ودول أوروبا، لكن مثل هذه الدول عادة، تعمل جاهدة على تقديم خدمات مدنية وإنسانية لسكان العشوائيات، وتسعى للتخفيف من معاناتهم قدر المستطاع، هذا إذا لم تباشر في تغيير الصورة التي عليها هذه الأحياء بشكل نهائي.

- في العام 1985م، كنت في زيارة لتركيا، ورأيت بأم عيني أحياء عشوائية وسط عاصمتها الأوروبية (استانبول). كانت مخجلة للغاية، وسط أسواق وعمارات حديثة، لكن استطاع السيد (أردوغان)؛ الذي جاءها فيما بعد عمدة لها، أن يقضي على هذه العشوائيات بالكامل، وأن يقيم فيها الأسواق الكبيرة، وناطحات السحاب، وأن يحولها إلى مزار للراغبين في التغيير داخل بلدانهم، على شاكلة تلك التي كانت عشوائيات وسط استانبول.

- تابعت اللقاء المتلفز الذي دار بين الأمير (خالد الفيصل)- أمير منطقة مكة المكرمة- وبين مجموعة من الإعلاميين في محافظة جدة، إثر سيل الأربعاء الشهير، فقد تطرق في الحديث إلى مشروع قادم يستهدف هذه العشوائيات في مدن منطقة مكة المكرمة. أرجو أن يبدأ هذا المشروع دون تأخير، وأن يأخذ مساره دون عوائق أو مثبطات، حتى تكون تجربة منطقة مكة مفيدة لغيرها من المدن، خاصة إذا عرفنا أن في مدينة جدة وحدها أكثر من (57) حياً عشوائياً، وفي مكة المكرمة أكثر من (60) حياً عشوائياً، وفي مدينة الطائف أكثر من (27) حياً عشوائياً، ولم أقرأ عن إحصاءات تتحدث عن بقية المدن في منطقة مكة المكرمة، ولا في بقية مدن المملكة.

- في العاصمة الرياض بدون تأكيد، أحياء كثيرة عشوائية، وفي مدن الشرقية والشمال والجنوب والوسط وغيرها كذلك. إن مدن منطقة مكة المكرمة، لا تشكل استثناءً في هذه الأورام الخبيثة التي تشوه وتهدد الخارطة السكنية والسكانية في المدن السعودية. مقياس الأمل في حل قادم نترقبه بفارغ الصبر، هو درجة التفكير في تأهيل هذه الأحياء العشوائية، وإعادة تخطيطها كما تفعل منطقة مكة المكرمة وأميرها خالد الفيصل.

- قضية الأحياء العشوائية، هي أبعد من منازل مهترئة، ودكاكين مدسوسة، وأزقة متسخة. إنها قضية حياة مئات آلاف البشر الذين يعيشون على هامش حياة البشر. فالحي الذي تتلاصق دوره، وتتواجه نوافذه، وتتلاطم الوجوه فيه من كل جنس ولون، هو عبارة عن علب إسمنتية مقشرة، تطل على زنقات ضيقة ملتوية لا تدخل بعضها السيارات، والمياه الآسنة تجري على وجه الأرض، وأطفاله لا يجدون مكاناً للعبهم؛ سوى الحفر عند أبواب أسرهم، وبيئة كهذه؛ يكثر فيها الذباب والبعوض، وتنتشر فيها مختلف أنواع الأمراض، وهي جالبة لعصابات كرٍّ وفرٍّ، من سُرّاق، وتجار مخدرات، ومصنعي خمور، وناشري فساد في الأرض، بعيداً عن أعين الرقابة والملاحقة.

- إن الحياة في أحياء عشوائيةكهذه، تفتقر لنعمة الأمن الذي يعرفه بقية الناس، وهي أكثر عشوائية من مساكنها الخربة غير المنظمة، لأنها بكل بساطة، تعيسة وبئيسة، وداعية إلى ما هو أظلم من واقعها اليومي المؤلم.

assahm@maktoob.com
 

حياة (عشوائية)..؟
حمّاد بن حامد السالمي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة