Tuesday  19/04/2011/2011 Issue 14082

الثلاثاء 15 جمادى الأول 1432  العدد  14082

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

نفرط على ما يبدو في استقدام العمالة الخارجية، وعلى وجه الخصوص العمالة الآسيوية منها، إفراط النهم الأكول الذي يأكل أكثر من حاجته؛ ليفرط أيضاً في إيذاء نفسه. ومشكلة العمالة كالسمنة المفرطة، تبدو في ظاهرها صحية، غير أنها تنطوي على أمراض خطيرة بعيدة الأجل.

ويرد هذا القول مع وافر الاحترام لهذه العمالة لما تقدمه من خدمات، ولدولها لما تبديه من صداقة، وبعضها دول تجمعنا معها أواصر الدين والتاريخ، وسبق أن أحسنت لنا عندما كنا نرحل لبلادهم للتجارة وغيرها قبل انفتاح خزائن الأرض لنا، عندما كانوا يرفلون في لباس النعمة ونحن نعاني جوع وفقر الصحراء.

لكن تدفق العمالة بهذا الشكل غير مفيد لنا ولهم؛ فالوافد الذي يفد دون معرفة دقيقة لأحوال العمل، أو مستوى المعيشة لدينا، يعتقد أنه سيبدأ غَرْف الذهب ساعة حطت رجله في مطار من مطاراتنا، وعندما يواجَه بحقيقة ظروف العمل، والراتب المتدني، يبدأ رحلة الصراع مع أحوال المجتمع، وأنظمته، ومن هنا تتغير طبيعته وينقلب من دواء إلى داء، ويبدأ البعض منهم الانجراف في نشاطات غير مشروعة مختلفة، ولاسيما أننا نستقدم الكثير منهم بدون توفير بيئة لهم لاستقدام عوائلهم وذويهم، والإنسان بطبعه ضعيف أمام غرائزه المختلفة.

وقبل أيام قليلة زرت هايبر ماركت جديداً في وسط الرياض، وهو هايبرماركت حديث جداً، فانتابني إحساس قوي بالغُرْبة، وشعرت فعلاً وكأنما أنا خارج المملكة في دولة آسيوية. العمالة، وخصوصاً الآسيوية منها، لم تعتد تقتصر على المدن الكبرى بل تعدتها إلى القرى والبلدات في محافظات المملكة المختلفة، الداني منها والقاصي؛ حيث بدأ الأهالي في أماكن نعتقد نحن أنها نائية يشعرون بمداهمة هذه العمالة.

واليوم بدأنا نلاحظ ظهور أجيال جديدة من العمالة، بعضها وُلِد وتربي في المملكة، ولا تكاد تفرقهم من أبناء هذه البلاد، وهؤلاء هم أقدر على التأقلم مع البيئة السعودية، وهؤلاء يشكِّلون مشكلة من نوع آخر؛ فستكون لديهم حتماً مشكلة في العودة والتأقلم مع بيئات بلادهم الأصلية؛ لذا فهم سيسعون حتماً للبقاء هنا في المملكة بأي ثمن.

ولدينا في بعض دول الخليج المجاورة عِبْرة؛ حيث إن كثيراً من شباب تلك البلاد هم من أصول آسيوية، وعندما يتكلمون تحس وكأنما هم أصحاب البلاد الأصليون. هؤلاء سيطالبون بحقوق مواطنة كاملة في المستقبل، أي أنهم مشاريع «بدون» مستقبلية، وقد ينتهزون أسنح الفرص القريبة للمطالبة بتغيير طبيعة تلك البلاد تحت شعارات حقوق الإنسان والديمقراطية وغيرها من كلمات الحق التي قد توظَّف للباطل، وقد يتلقون دعماً في ذلك من بلدانهم الأصلية إذا ما أرادت الأخيرة التصرف بشكل انتهازي. وقد بدأنا نسمع إرهاصات من هذا القبيل في بعض دول الخليج المجاورة.

لدينا من أعداد العمالة ما قد يتساوى أو يفوق عددنا نحن، ونحن جلبناهم على مدى أكثر من أربعين عاماً، فهل فكَّرنا في كيفية إخراجهم، وكم نحتاج من الوقت لذلك، فيما لو ظهرت حاجة لذلك مستقبلاً؟ أم أننا فكرنا في استقدامهم فقط؟ وكيف سيكون الوضع فيما لو تعرضت البلاد لا سمح الله لهزة اقتصادية، أو نزاع خارجي؟ هذه هي الأسئلة التي يجب أن نُفكِّر فيها؛ حيث لدينا متسع من الوقت، قبل أن نضطر لذلك مستقبلاً بشكل مفاجئ.

الخطر الديموغرافي خطر حقيقي داهم، وهو يختلف عن الأخطار البيئية الأخرى في أن الطرف الآخر فيه هو بشر بكل ما له من ذكاء، وعواطف، ونوازع، وله امتداد خارجي، وعمق استراتيجي كبير، ويفتقد الولاء والعمق التاريخي هنا. يُضاف إلى ذلك أن هذه العمالة استفحلت في استقدام العمالة اليوم بغرض الاتجار بها، وليس لاستخدامها فيما استُقدمت له، وقد ظهرت في الآونة الأخيرة أخطار كبيرة، تتمثل في السماح للعمالة في استقدام العمالة بدعوى الاستثمار، وظهور ظواهر إجرامية متقدمة من تزوير الوثائق الحكومية، والتسلل عبر الحدود.

فنحن اليوم نعيش حالة متقدمة من خطر العمالة المستقدَمَة بحاجة ودون حاجة، يستقدمها أحياناً وللأسف سعوديون مقابل نسبة شراكة ضئيلة مع مستثمر أجنبي يترك له الحبل على الغارب ليفعل ما يعن له فور دخوله. والغريب أنه بدأت تنتشر لدينا ظاهرة غريبة مؤخراً: عمالة تعمل لدى عمالة، عمالة تديرها، وتستأجرها، وتؤجرها، وهي عمالة لا تعرف العربية أو الإنجليزية بل تتكلم وتعمل بلغات بلدانها الأصلية، وبعضهم يديرون مؤسسات، ومكاتب، وكأنما هم في بلادهم. بينما نحن نشترط على أبنائنا إجادة اللغة الإنجليزية لتوظيفهم، فهل سيكون أفضل لهم لو علمناهم اللغات الهندية والأوردية والسنهالية عوضاً عن ذلك؟

معظم المواطنين يجمعون على أنه يجب اتخاذ إجراءات سريعة تجاه هذا الخطر الداهم، حتى ولو كانت تلك الإجراءات مؤلمة لبعض ضعاف النفوس منا. وقد يجدر بنا النظر في تأسيس هيئة وطنية لإدارة الأسواق لدينا بما في ذلك أسواق الخضار، والتجزئة، والتموينات بحيث يُمنع منعاً باتاً على العمالة الخارجية العمل فيها تحت أي ذريعة كانت، وقد يتطلب ذلك إخراج أسواق الخضار من إدارة البلديات التي منحت فرصاً عديدة وفشلت في سعودتها، والأمر كذلك ينطبق على وزارة التجارة، رغم أن هناك شائعات أن معظم هذه الأسواق يمتلكها ويديرها بشكل غير مباشر موظفون في هذه الأجهزة. والأمر ذاته ينطبق على أسواق التجزئة التي تحمل يافطات ملكية لمواطنين ومواطنات هم أبعد ما يكونون عن التجارة، ويديرها وافدون من قبيل التستر. كما يجب أن يفعّل مفهوم الأمن الشامل بحيث لا يتم التأكد من إقامة الوافد فقط بل يجب الاتصال فوراً بكفيله؛ فوسائل الاتصال الحديثة تتيح ذلك بكل سهولة؛ فكيف يستطيع ساهر الاتصال بمخالف في الحال، ولا يمكن لرجل دورية يملك جهاز حاسب ووسيلة اتصال فعل الشيء ذاته؟ فنحن نسمع دائماً عن مئات الآلاف من العمالة الهاربة، ونادراً ما نسمع قط عن القبض على أي منها وتسليمه لكفيله، وتغريمه حقوق الكفيل، فنحن نقبض عليهم بعد أن يملوا العمل لدينا ويشتاقون لأولادهم فيتصلون بالأجهزة الحكومية لترحيلهم؛ ليعودوا مرة أخرى بعد زيارة ذويهم ويمارسون مسلسل الهروب. والله من وراء القصد.

Latifmohammed@hotmail.com
 

التسونامي الآسيوي
د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة