Friday 04/10/2013 Issue 14981 الجمعة 28 ذو القعدة 1434 العدد
04-10-2013

دراسة استشراف المستقبل.. تساعد على صناعة مستقبل أفضل

التفكير في المستقبل أحد أهم الهواجس التي شغلت فكر الإنسان منذ العصور المبكرة ومع بدايات ظهوره على سطح الأرض وما زال مستمراً خلال مراحل الحياة.. ومنذ نشأ الإنسان وهواجس الخوف تعتريه.. ماذا سيكون في الغد؟ وكم من مفاجئات لم تكن في الحسبان سيصادفها.

في محاولات الإنسان الأولى استخدم عقله وراح يعمل جاهداً للانتصار على قوى الطبيعة وجميعِ مؤثراتِها من خلال تتبعه لحياة الكائنات على اختلاف أنواعِها.. وكيف كانت تسعى لتأمين غذائها وتخزينه ضماناً لبقائها واستمرارها.. وشيئاً فشيئاً بدأ ذلك الإنسان البسيط يمارس بعض الطقوس كمراقبة بعض النجوم وترقب موسم الأمطار ليروض أرضه للفلاحة والزراعة، فيضمن بذلك حياة طيبة له وأبنائه وأحفاده، فالمستقبل بكل مراحله التي يمر بها الزمن (الماضي، الحاضر، المستقبل)كان شُغْلَ الفكر الإنساني منذ نشأته.. ورغم بساطة الحياة التي كان يعيشها الإنسان القديم إلا أنه كان يحمل رغبة خفية في محاولة لاستشفاف المستقبل وتكوين رؤية معينة تساعده على تذليل ما قد يواجهه من أحداث.

لم يكن الوعي بالمستقبل واستشراف آفاقه شيئاً جديداً في حياة الأمم.. فرغم أن الفكر البشري قد عَمِدَ ومنذ القدم إلى بحث ودراسة وتأمل أبعاد الزمن.. فإن الاهتمام باستشراف المستقبل لم يغبْ مطلقاً عن ذهن قدماء الفلاسفة والمؤرخين وأصحاب الحضارات القديمة في بابل ومصر واليونان وغيرها ما يدل على الاهتمام المبكر الذي أولته الأمم السابقة لما يُسمى(استشراف المستقبل) وفهم مساراته والوقوف في وجه التحديات التي قد تطرأ.. واستمر هذا الاهتمام حتى عصرنا الحالي.. ولم يعد يُنظر إلى المتكلمين عن المستقبل بحالمين او مشعوذين. ولم تعد تُقاس حياة الإنسان ورفاهيته بقدر حالتها الراهنة من يومها فحسب، وإنما بما هو أبعد قياساً واستشرافاً لحالتها المستقبلية.. بمعنى كيف يكون عليه حالها في الغد.. وماذا لديها من قدرات ومقدرات لاستدامة نموها وتنميتها؟

ورغم هذا التدرج البطيء إلا أن أهمية استشراف المستقبل ظهر أخيراً كدراسة علمية أو حتى كعلم قائم بحد ذاته وله مقوماته، لكن ذلك لم يمنع من أن الأحداث المفاجئة قد تأتي مغايرة لكل التوقعات في بعض الأحيان.

لقد تخطت عملية استشراف المستقبل في عصرنا الحالي تلك المراحل الأولية التي صبغها الخيال والأحلام بصبغة الأوهام، وذلك لأنها لم تكن تستند إلى حقائق وبراهين مدروسة بطريقة علمية دقيقة كما هو الشأن في وقتنا الحاضر.. إذ يعمد الباحثون والدارسون في مجال دراسات استشراف المستقبل إلى رسم الخطط ووضع الاستراتيجيات وطرح البدائل وتحديد كيفية استخدامها ومدى تأثيرها على الأحداث المحتملة من ظروف المستقبل المجهول.

استشراف المستقبل لا يعني بأي شكل من الأشكال صياغة التنبؤات.. إنما هو صياغة مقولات احتمالية تتعدد فيها الرؤى أو السيناريوهات المستقبلية وما تتسم به من أحداث.. ولا شك أن ما يتوصل إليه إنما هو جزء أساسي من القاعدة المعرفية اللازمة لصياغة الخطط.. لاسيما الخطط بعيدة المدى. فما التخطيط إلا إحدى الوسائل التي تأخذ بها دول العالم المتقدم.

استشراف المستقبل لم يعد مجرد مسألة إشباع الرغبة الطبيعية لدى الإنسان لسبر أغوار المجهول، وإنما هو مطلبٌ ملح وضروري لتحقيق التواؤم مع المتغيرات المرتقبة في مختلف مجالات الحياة، خصوصاً تلك المتعلقة بالتنمية.. إنها نوع من الفعل الإيجابي الذي قد تتأخر نتائجه لكنه يسهم في التطوير من خلال وضع معلومات ومقدمات لنتائج تتعلق باحتمالات المستقبل السريع والمتجدد بمتغيراته وإنجازاته العلمية والاقتصادية والتكنولوجية.. دراسة استشراف المستقبل تساعد على صنع مستقبل أفضل.

zakia-hj1@hotmail.com

Twitter @2zakia

 
مقالات أخرى للكاتب