Wednesday 09/10/2013 Issue 14986 الاربعاء 04 ذو الحجة 1434 العدد
09-10-2013

بريدة... تنقذ أم تغتال ناديها الأدبي!

(1)

بريدة... ها أنتِ على موعد مع تاريخ يُدوَّن، فإما أن يَكتبَ التاريخُ أنكِ أنقذتِ مؤسسة من مؤسساتك الثقافية العريقة (نادي القصيم الأدبي) من أن يتعثر مقرها الرئيس الذي يبُنى حالياً، أو أن يشهد عليكِ بأنكِ تقاعستِ عن “الواجب الثقافي”، ومن ثم أسهمتِ في اغتيال حلم المثقفين بمقر يليق بالثقافة في مدينة عُرفت بأنها مصدر غني لعدد كبير من العلماء والمفكرين والمثقفين والأدباء والكتّاب والشعراء والفنانين.

(2)

سأكون شفافاً جداً في هذا المقال وأضع النقاط على بعض “حروف الثقافة المؤسسية في بريدة”. بمقالي هذا سيكون موضوع مقر نادي القصيم الأدبي معلوماً للجميع، حتى لا يتعذر أحد بعدم العلم، مع أن كثيرين قد خوطبوا وأخطروا من قبل إدارة النادي بشأن ضرورة الإسراع في دعم المقر الجديد، وأحسب أن الإعلام الاجتماعي - كتويتر - سيجعل “شقائق بريدة” من مدن الأرض تشهد إما لكِ بريدة أو عليكِ! فأمامكِ مساران لا ثالث لهما، فإما أن يقال: “بريدة تنقذ ناديها الأدبي” وهو المتوقع منكِ، أو أن يقال “بريدة تغتال ناديها الأدبي”، وأنتِ من يختار، فـ”كل مدينة تكتب تاريخها برصيدها الأخلاقي ونهجها التفكيري وعرق أبنائها”.

(3)

القصة يا سادة ولنحكها من البداية، أن نادي القصيم الأدبي عزم أن يبني مقراً عصرياً جديداً؛ يتيح له ممارسة أنشطته الثقافية المتنوعة في هوامش من المرافق والإمكانات الكافية الملائمة، وبعد وصول الدعم الحكومي للأندية البالغ عشرة ملايين ريال لكل نادٍ أدبي، رأت إدارة النادي السابقة برئاسة الصديق الأستاذ الدكتور أحمد الطامي أن تضع المخططات والتصاميم للمقر الجديد، وبعد فراغها اتخذت قراراً جسوراً بالبدء بالعمل، وتعاقدت مع مقاول كبير مشهود له بالجودة والمتمثل في شركة المنصورية (المهندس منصور الرجيعي)، وكان القرار متأسساً على توفر رصيد جيد يمثل قرابة الثلث من تكلفة بناء المقر وهو العشرة ملايين ريال، مع اصطحاب فرضية أن بريدة لن تقصر في دعم النادي في استكمال إنشاء هذا المقر. حالياً تم دفع آخر دفعة من ذلك الرصيد المتوفر، والمقاول أخطر النادي بأن التأخر في تسليم الدفعات وفقاً للعقد سيجعل من العسير الاستمرار في أعمال البناء والتشييد للمقر، ومن ثم فالمشروع معرض للانضمام إلى قائمة “المشروعات المتعثرة”.

التكلفة التقديرية لإكمال المقر والتأثيث ليست كبيرة على الإطلاق، إذ هي تقدر بـ25 مليوناً من الريالات فقط. هذه القيمة ضئيلة جداً مقارنة بعدد رجال الأعمال والأغنياء والموسرين في مدينة بريدة الذين يمتلكون مئات الملايين والمليارات، وبخاصة أن كثيرين منهم قد استفادوا من مشاريع تخص المدينة وأراضٍ ونحو ذلك، مما يوجب عليهم البذل لمدينتهم التي أعطتهم الكثير والكثير، فالمجتمعات الحديثة باتت تؤمن بإلزامية “المسؤولية الاجتماعية” Social Responsibility على كافة الأغنياء والشركات.

(4)

إن رجالات بريدة ليسوا بأقل من أولئك الأفذاذ من رجال الأعمال الذين عُرفوا بدعمهم للمؤسسات الثقافية في مجتمعاتهم، وليس بخاف علينا - مثلاً - ما قدمه الدكتور ناصر الرشيد من دعم سخي لعدد من المشاريع في حائل وغيرها، وما قدمه السيد جمعة الماجد في دبي وغيرها، بجانب عدد كبير من رجال الأعمال على المستويات المحلية والعربية والدولية.

قدم الكثير من رجال الأعمال والموسرين في بريدة دعماً كبيراً في مجال بناء المساجد والجمعيات والمشاريع الخيرية في السنوات الماضية، وها هو التاريخ يفتح لهم فضاءات أخرى كي يواصلوا مسيرة الدعم المجتمعي وليقوموا بدورهم الواجب في المسؤولية الاجتماعية، وهي فضاءات لا تقل أهمية عن المجالات السابقة، فالمؤسسات الثقافية تعين على تصنيع عقول مفكرة مبدعة، قادرة على الإسهام في بناء المشروع الحضاري، مع تلبسها بالتسامح والوسطية والإيمان بالتعددية في ظل الثوابت التي نؤمن بها.

(5)

ليعلم الجميع أن مؤسسة ثقافية بحجم وفاعلية نادي القصيم الأدبي لهي واجهة ثقافية لبريدة (بل للقصيم كله حيث إن النادي يقدم أنشطة في محافظات عديدة في القصيم)، ولقد ثبت لي بالتجربة العملية كيف تفلح هذه المؤسسة في نقل الوجه الحضاري المتسامح لبريدة لكافة من يغشون النادي من المفكرين والمثقفين الذين يقدمون من خارج القصيم ومن خارج المملكة أيضاً، فهو يتيح هامشاً ديموقراطياً للحوار الراقي، بعيداً عن التعصب للرأي أو التشدد في حمل الآخرين على النزول لرأي بعينه، وقد عبر لي كثيرون بأنهم اندهشوا من هذه الهوامش المتسعة من الحوار والجدل الفكري الراقي، وهمس لنا بعضهم: “لم أكن أتوقع أن بريدة بهذا التسامح والرقي”، وبعضهم قالها بلسان حاله.

ومما يؤكد كلامي أن جميع فعاليات النادي التي أقيمت في السنوات الماضية لم يحدث فيها أي نوع من المناكفة الحوارية الغليظة، حيث سادت روح الهدوء والاحترام المتبادل. وهذا يعني أن هذه المؤسسة الثقافية العريقة تسهم في تصحيح الصور “المنمّطة” المغلوطة عن بريدة وأهلها والتي تميل إلى تصويرهم على أنهم متشددون دينياً واجتماعياً مع تلبسهم بالانعزالية والانكفائية، ومن ثم فهي تلعب دوراً كبيراً في مجال “العلاقات العامة والإعلام”، والكل مستفيد من هذا الدور بلا شك، فهو يجعل بريدة “مدينةً جاذبةً” للكفاءات كي تُستقطب، ولرؤوس الأموال كي تُجذَب، وللمشاريع كي تنفذ.

(6)

أهل بريدة عرفوا بالكرم تجاه الضيوف، فهل تكرم بريدة “أضيافها الشخصية” وتتنكب عن إكرام “أضيافها الثقافية”؟ مع تأكيدي على أن ما نطلبه هو من باب “الواجب الثقافي” وليس مجرد “الإكرام” أو المجاملة.

ومن جهة ثانية، عُرِف أهلُ بريدة بعشقهم وانتمائهم لمدينتهم، وكثيراً ما يتغنون بـ”يا حول ياللي ما له بريدة”، فهل تقول الثقافة فيها أيضاً: “يا حول ياللي ما له بريدة” أم تقول شيئاً آخر؟

بريدة... افعلي ما شئت، فأنتِ من يكتب تاريخكِ، وليس أحداً سواكِ، على أنني أعرف قدركِ وهمتكِ وتحضركِ، وسأكتب بعد فترة من الزمن كي أخبر شقائقك من “مدن الله” في الأرض بما ارتضيتهِ من فعلٍ تجاه هذه المؤسسة الثقافية العريقة (نادي القصيم الأدبي).

beraidi2@yahoo.com

 
مقالات أخرى للكاتب