Thursday 10/10/2013 Issue 14987 الخميس 05 ذو الحجة 1434 العدد
عبد الله بن حمد الحقيل

عبد الله بن حمد الحقيل

رحلة الحج في عيون الرّحّالة والمؤرِّخين

10-10-2013

رحلة الدكتور مقداد يالجن نموذجاً

هذا هو عنوان كتاب قام بتأليفه بمناسبة حصوله على جائزة الملك فيصل العالمية، حيث جاءت فكرة هذا الكتاب وتم على إثرها لقاءات ومحاورات صحفية، واشتمل القسم الثالث من الكتاب على الرحلة إلى المملكة العربية السعودية وأداء فريضة الحج في هذه الرحاب الطاهرة وتحقيق الحكمة من الحج العظيم، واشتملت على ثلاثة فصول، الفصل الأول خاص بعرض دواعي الرحلة والفصل الثاني يستعرض رحلته الخاصة إلى مؤسسة الملك فيصل الخيرية والثالث خاص بتعريف الجائزة وصداها في الإعلام والصحافة. ولقد وُلد الدكتور مقداد في إنطاكية بتركيا سنة 1938م.

ونستعرض الجانب الخاص بالموضوع وهو الحج وزيارة الأماكن المقدسة، حيث يقول كانت رؤية هذه البلاد أمنية وأحلاماً منذ كنت صغيراً دفعتني إلى رؤية هذه البلاد قراءة الوالد سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام، كيف كان يصعد إلى جبل النور وإلى غار حراء ليتعبّد أياماً وليالي وحده، وكيف اختفى في الغار في جبل ثور حين أراد الكفار قتله وكيف ذهب إلى مكة والمدينة، وكنت أقول لا يكفي الذهاب إلى الحج أو العمرة بل ينبغي أن أبقى في ربوع تلك البلاد سنة أو سنتين لأزور تلك الأماكن وأبدأ أسير في الطرق التي سار فيها الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن أصلي حيث صلى في غار حراء، وأن أنام حيث نام في غار ثور وأن أرى مكان موقعة بدر وأحد، وأن اعتمر وأن أحج، والحمد لله تحققت تلك الأمنيات، وبعد أن حقق الله أمنيته في الحج وزيارة البقاع الطاهرة المقدسة، حيث كانت مجالاً خصباً يغذي الأرواح وتشبع العواطف والوجدان، وما كانت تحفل به هذه الربوع من المطارحات العلمية واللغوية والأدبية والشرعية.

ثم تحدث بعد ذلك عن أهم انطباعاته وذكرياته في مكة والمدينة من خلال المشاهد والرحلة التي قام بها إلى مكة والمدينة ومختلف ربوع البلاد.

ومن تلك الانطباعات يقول، وجدت كثرة المشروعات الإنشائية، ولا يكاد الإنسان يسير مسافة من الشرق إلى الغرب إلا ويجد مشروعات عمرانية أو إصلاحات في داخل المدن وخارجها.

ومنها أيضاً: سرعة التغير في المظاهر العمرانية، ففي خلال عشر سنوات لاحظت تطورات عمرانية، من فتح الطرق وتجميل جوانبها بالأشجار والأزهار، وبناء الجسور والعمارات ذات الهندسة المختلفة الأشكال والأنماط فما وجدت في أي بلد أقمت فيه هذه السرعة العمرانية كما وجدتها في المملكة.

ومنها أيضاً: أنني اقتنعت تماماً بأن المشاهدة غير السماع، فليس الذي يشاهد كالذي يسمع، لاحظت ذلك عندما صعدت إلى جبل النور لرؤية غار حراء، وإلى جبل ثور لأرى غار ثور، فكنت أظن أن الجبلين قريبان إلى مكة، وأن ارتفاعهما قليل، ولكن لما استغرق الصعود والنزول إلى كل جبل ما يقرب من ثلاث ساعات، مع خطورة الصعود والنزول لوجد الصخور العالية ووعورة الطرق والشعور بالتعب الشديد، وبخاصة عند الصعود، عندئذ أدركت حقيقة هذين الجبلين وموقعهما من مكة، وعجبت كيف كان يصعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى غار حراء ويقيم فيه أياماً وحده، ويتعبدّ في الليالي المظلمة، وقد يظن الإنسان أن هذا الغار كبير يرتاح فيه الداخل إليه، ولكن عندما يراه ويدخله لا يستطيع أن يقوم فيه بدون انحناء وطوله وعرضه يشبه القبر أو بقدر القبر، وإذا تعثّر عند الدخول إليه أو الخروج منه، فإنه يقع من أعلى ارتفاعه، ويبلغ حوالي مائة متر فوق الصخور، حيث يتمزّق عليها جسمه، وإذا دخل إليه نهاراً فإنه لا يستطيع الخروج منه ليلاً.

وكذلك غار ثور، فكم تعبنا عند الصعود إليه ونحن في وسط النهار، فكيف صعد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم ليلاً، وكم كان الصعود والنزول والإقامة فيه صعبة، إلى جانب خطر الموت لأن الأعداء يتعقّبونه، وكم يتصور الإنسان عداوة قريش حيث صعدوا فوق الجبل العالي بحثاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ظناً بوجوده هناك، لقد قلت عندما صعدت وقد استغرق مني الصعود ساعتين، وعانيت من الإرهاق الشديد، لو أنني أعلم أن عدوّي هناك لما تحمّلت مشقات هذا الصعود والنزول في أشد أيام الحرارة وفي وقت الظهر بالذات.

وكذلك في سفري في أحد أيام رمضان من مكة إلى المدينة ورأيت المسافة بين بدر والمدينة، فقلت: لا يمكن أن أسير في رمضان هذه المسيرة سيراً على الأقدام، فتصورت عندئذ مدى ما عاناه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وهم يسيرون من المدينة إلى بدر في رمضان، ثم إنهم كانوا يتحملون مشقة السفر مع القلق من المصير النهائي للمعركة، ثم فكرت كذلك في مسافة السفر في غزوة العسرة، والمشقة التي يلاقيها المسافر، إننا نحن نجد صعوبات جمة في قطع تلك المسافة الشاسعة بالسيارات. ويتحدث صاحب الرحلة قائلاً: وهكذا عشت في المملكة بعض سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، لا بالسماع والقراءة، وإنما بشيء من المعايشة.

ثم ذكر أهم الفوائد التي جناها من هذه الرحلة:

أولى هذه الفوائد، أداء فريضة الحج، ومشاهدة الأماكن المقدسة كما كنت أحلم بها من أيام الصبا.

وثانيتهما: التقائي بمجموعة كبيرة من الأساتذة من البلاد المختلفة ووقوفي على آرائهم وأعمالهم وإنتاجهم، لأن هذا الجمع الغفير من الأساتذة، من البلاد المختلفة لا يتوافر وجوده في كثير من البلاد. ولهذا كنت أقول للطلاب أحياناً - أثناء إلقاء المحاضرات - إنكم تجنون ثمار البلاد الأخرى من الناحية المادية والمعنوية والعلمية، وكنت أفهم قوله تعالى: {... أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (57) سورة القصص، فكلمة ثمرات كل شيء لا تقتصر هنا على ثمرات الأشجار فقط، وإنما تشمل ثمرات العلوم والعقول من الأجهزة والآلات، لأن كل شيء نكرة والنكرة تفيد العموم.

ولهذا فإننا نرى في هذه البلاد من أنواع الثمار وأشكالها وهي تجبى من البلاد الكثيرة، ما لا يوجد مثل هذا التنوع من الثمار في الصيف والشتاء في أي بلد آخر من البلاد التي عشت فيها وسألت عنها.

كذلك إنتاج العلماء من البلاد المختلفة وهي نعمة تجبى إلى هذه البلاد، ويتمكن أهلها من الاستفادة منها، فلولا هذه المكيفات والثلاجات والسيارات والطائرات وغيرها، لم يكن بالإمكان العيش فيها كما نعيش الآن.

وكذلك كل أستاذ ثمرة بلده، وتنوع الأساتذة يفيد تنوع الآراء والأفكار والحلول للمسائل العلمية والمشكلات الاجتماعية، ويصبح طلاب العلم كالنحل، يأخذون من كل شجرة ومن كل ثمرة رحيقاً مفيداً، يمكن أن يعملوا منها عسلاً شهياً في المستقبل إذا استغلوا هذه الفرصة.

ومن تلك الفوائد التي جنيتها، التمكن من طباعة أعمالي العلمية على نفقتي الخاصة أو على نفقة بعض المؤسسات، وإخراجها بالصورة التي أريد، وأن أوزع منها مجموعات كبيرة هدايا.

وأشعر الآن وكأنني أملك بستاناً وفيه من ثمرات الأشجار، وأقدم منها إلى كل زائر وطالب، كما كنت أحلم بهذا وأنا صغير.

ومنها أيضاً حصولي هنا على التكريم والتقدير حيث يعلن عن إنتاجي في الإذاعة والصحف، وألقي محاضرات يعلن عنها في الإذاعة أحياناً، ثم يطلب مني إلقاء محاضرات عامة في المناسبات. ثم نيل جائزة الملك فيصل العالمية، التي اعتبرها أكبر تكريم وتقدير وتشجيع من قِبل المسئولين الكبار في المملكة. ولهذا فقد عبّرت عن تقديري وامتناني أثناء إلقاء كلمتي بمناسبة توزيع الجائزة.

وهكذا تحدث عن رحلته إلى الحج والأماكن المقدسة التي يحمل لها في نفسه ذكريات لا تمحى، وهذا ما أراد تصويره في هذه الرحلة، حيث خصص إجازاته وهو يعمل حالياً مدرساً للتربية الإسلامية في إحدى الجامعات السعودية، بزيارة معالم المملكة وجامعاتها ومكتباتها ومدارسها ومؤسساتها التعليمية بصفة عامة، وشخصياتها العلمية البارزة، وفي نهاية المطاف فإنّ هذه الرحلة احتوت على تصوير وشوق العلماء لهذه الأرض الطيبة والأماكن المقدسة، زادها الله شرفاً وتعظيماً.

وهكذا صوّر بكامل أحاسيسه وانفعالاته رحلته للحج، وجسّد عبر هذه الرحلة المعاني العظيمة لرحلة الحج، والذي فرضه الله تعالى على عباده لتبادل المنافع وللذِّكر والشكر، ولأخذ العبرة والمثل ولعقد المؤتمرات الإسلامية التي تنهض بالإسلام، وترفع شأن المسلمين في شتى بقاع الأرض، فاللقاء في هذه الرحاب الطاهرة مجال عظيم وميدان كبير يتبارى فيه العلماء والأدباء والخطباء والرّحّالة فيما يعود بالنفع والفائدة، ولقد عظّم الإسلام شأن الحج وثبّت أركانه، وبيّن الرسول عليه الصلاة والسلام للناس مناسكهم ووضّح لهم ما ينفعهم في دينهم ودنياهم وآخرتهم.

عضو الجمعية العلمية السعودية للغة العربية

 
مقالات أخرى للكاتب