Monday 14/10/2013 Issue 14991 الأثنين 09 ذو الحجة 1434 العدد
14-10-2013

استهلاك التقنيات

النفقات التي تُصرف على التقنيات، والأموال التي تُهال على متعلقات الهواتف ووسائل التواصل وأقنية المعلومات، والحواسيب الذكية وغير الذاكية، وكل ما يروج للتقنية ومعطياتها، لا شك أنها هائلة ورقم مخيف؛ لتعجب من أمر هذا الشره والنهم في اقتناء أي شيء يتعلق بمثل هذه التقنيات.

فالإحصاءات والمراجعات تشير دوماً إلى أن بلادنا تُعد حالة استثنائية في نهم الاستهلاك والتهافت برغبته الغريبة على اقتناء أي جديد من هذه المستلزمات الكمالية حتى وإن كانت غير مجدية أو مشابهة لما سبقها من صناعات أو ابتكارات أو (موديلات).. وهذه الأخيرة هي التي نُعنى بها كثيراً، وتضاعف من هوس المشترين والمتسوقين، وهؤلاء ـ بالمناسبة ـ من صغار السن، ومن لا دخل لهم، أي أن هذه الأموال التي تراق على هذه المنتجات تؤخذ من جيوب الآباء والأمهات، وتغذى بها هذه الأسواق النهمة والمتعطشة للثراء والكسب المتجاوز حدود المعقول!

بل الأعجب من هذا وذاك أن حجم ما يُنفق على شراء الأجهزة الإلكترونية والكماليات والمستلزمات الأخرى لا يتماشى مع حجم الدخل الثابت للفرد، حتى وإن ارتفعت أسعار هذه الأجهزة وتجاوزت حدود المعقول. وقد ثبت أن الشباب على وجه التحديد ينفقون كل ما يدخرونه من مال على الأجهزة والتقنيات الحديثة، بل يلجؤون أحياناً إلى الاقتراض ممن حولهم من أهل وأصحاب لتغطية عجزهم المالي والتظاهر بأنهم قادرون على شراء ما يرغبون بأي حال من الأحوال!

وحينما نضع علامة تعجب في نهاية المقاربة السابقة ندرك حقيقة أن عجلة أو شاشة الدعاية والإعلان نجحت فعلاً في تطوير سُبل الاستهلاك، حتى أنها جعلت ما هو كمالي أو هامشي يوازي ما هو ضروري؛ لتختلط الأمور، ويصبح المستهلك هو الضحية الوحيدة لهجمات ماديات التقنية وتدفقها غير المحدود.

أما عن السؤال الحيوي والمهم فإنه يتمحور حول العلاقة بين هذه الأدوات والتقنيات ومفاصل العمل الاجتماعي؟ وهل هو ـ فعلاً ـ حياة أفضل للفرد والأسرة والمجتمع؟.. فالإجابات قد تبشر بقليل من ذلك، أو تأتي على استحياء؛ لأن حجم التواصل المعنوي الإيجابي قليل جداً، وإن ظهر بمظهر التقارب فهو لا يؤدي الرسالة الاجتماعية والأسرية بالشكل المطلوب؛ لأن التعاطي مع المعلومات غالباً ما يكون بصيغ العموميات أو التسلية وإزجاء الوقت مع عدم الخوض في أي تفاصيل جادة، بغية التماشي مع مفهوم التسلية أو “الوناسة” والخوض في مجالات بسيطة وهوامش هشة لا فائدة منها.

واللافت حقاً في أمر هذه التقنيات أن أي مشروع لتصنيعها أو توفيرها غالباً ما يتعثر ويسقط، فيما تنجح هذه التقنيات والقشور والكماليات “الإكسسوارات” حينما تكون من قِبل شركات كبيرة وعملاقة؛ ما يعزز فرضية النهم، والاستحواذ على كل تفاصيل اللعبة المادية.. فالإبداع الفردي في مجال تصنيع وتقنية هذه الأجهزة، أو المشاركة فيها، محدودان أو نادران؛ لأن المبتكرين لا يجدون فرصتهم في بناء مشاريع صغيرة أو متوسطة، إنما يكونون عرضة للاستحواذ والهيمنة من قِبل الشركات الكبيرة؛ ليتحول المبتكر أو المبدع في مثل هذه الحالات إلى مجرد وكيل بسيط لتوزيع وبيع ما تنتجه مثل هذه الشركات العملاقة.

hrbda2000@hotmail.com

 
مقالات أخرى للكاتب