Sunday 20/10/2013 Issue 14997 الأحد 15 ذو الحجة 1434 العدد
20-10-2013

.. أنفث بها روعي

من أكثر سمات الشخصية المكتسبة التي تبدو ملازمة لكثير من الناس -حيث تبدو ظاهرة في سلوكاتهم- سمة التهيب والخوف والتردد من الحديث أمام الآخرين، وهي سمة تتأكد وتبدو جلية عند جل العرب عامة، وعند جل السعوديين على وجه الخصوص، ومما لا ريب فيه أن التحلي بهذه السمة تؤثر على شخصية الإنسان وتفقده الكثير من الاحترام والتقدير والإعجاب، وتجعل المتحلي بها في وضع نفسي يبدو دائماً منكسراً قلقاً، يتهيب من مخالطة الآخرين ومن التواصل معهم، يرتبك عند الحديث، يتهيب ويخاف من الدعوة إلى اللقاءات العامة، يتردد كثيراً في التعبير عن آرائه، يتحدث لمماً وباختصار شديد لا يكاد يبين فيه عن موقف أو رأي بسبب سيطرة هذه السمة على تكوينه النفسي وعلاقاته الاجتماعية.

يروى أن وفداً من خراسان جاء إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه في الشام، فأمر معاوية أن يؤتى إليه بسحبان بن وائل، وهو خطيب مشهور، فصيح بليغ من بلغاء العرب، فلما حضر سحبان أمره معاوية أن يتكلم أمام الوفد، قال سحبان أنظروا لي بعصا تقوم من أودي، وفي رواية أخرى (أنفث بها روعي)، فقالوا له: وما تصنع بها وأنت في حضرة أمير المؤمنين؟، قال: وما كان يصنع موسى بعصاه وهو يخاطب ربه والعصا في يده؟ ضحك معاوية وقال: هاتوا له بعصا، ثم قام وتكلم من صلاة الظهر إلى أن قامت صلاة العصر ما تنحنح وما سعل ولا توقف، ولا ابتدأ في معنى وخرج منه وقد بقي عليه شيء.

من أشد المواقف الحياتية التي تعد بمثابة اختبار عملي حقيقي يكشف عن معدن الإنسان وجوهره، ومدى جرأته وقدرته على الإبانة والإفصاح، ومواصلة الإلقاء بطلاقة وثقة واقتدار، من أشد تلك المواقف وأصعبها، أن يطلب من الإنسان فجأة إلقاء خطاب أمام جمهور من الناس، دون سابق تنسيق أو تفاهم أو تحضير، تخيل نفسك مدعواً إلى مناسبة احتفالية، وأنت جالس مسترخ بين الحاضرين، وفجأة يطلب منك منظم الاحتفال أن تلقي كلمة في المناسبة، موقف يفشل الكثير من الرجال في مواجهته وتجاوزه، بل قد يترتب على من يخوض فيه عقدة نفسية تبدو في صور انسحابية عديدة من الحياة الاجتماعية يتعذر التغلب عليها.

ولحالة التهيب والخوف هذه جملة من الأعراض الفسيولوجية، تتمثل في ازدياد ضربات القلب، تعرق اليدين، جفاف الحلق، اضطراب التنفس، وكلها أعراض لها تأثير مباشر على القول المكتوب، ومن باب أولى أن يكون تأثيرها أشد على القول المرتجل.

أعود إلى عصا سحبان بن وائل وأثرها النفسي، سحبان خطيب مفوه، لا يخاف ولا يهاب، ومع ذلك شعر بهيبة موقف الوقفة أمام وفد خراسان، لهذا استنجد بالعصا، وهذا يعني أن للعصا تأثير على الموقف، قد يبدو هذا محض خيال، أو استنتاج غير صحيح، لكن واقع الخبرة البشرية أثبت أن لطلب العصا أو غيرها أثر نفسي جلي يساعد على تجاوز هيبة المواقف العامة والخوف من مواجهتها، فيا ترى ما الأثر الذي تتركه العصا بحيث تعيد التوازن النفسي والهدوء للمتحدث أمام الآخرين؟

إن السبب الرئيس لتوتر المتحدث وشعوره بالهيبة يكمن في كونه يركز انتباهه على الحاضرين، لكنه عندما يشغل نفسه بعصا أو خلافها فإنه بهذا يصرف نظره عن الحاضرين، ويسلي نفسه ويلهيها بالعصا، هذا فضلاً عن أن ضغطه على العصا يساعده على تفريغ الشحنات الانفعالية التي ينشأ عنها التوتر والارتباك.

ومما يعد ذو صلة أنه يسن لخطيب الجمعة أن يستخدم العصا أثناء إلقاء الخطبة لكونها مما يساعد على التغلب على حالة التوتر والارتباك التي قد تصيب الخطيب وهو يواجه المصلين.

abalmoaili@gmail.com

 
مقالات أخرى للكاتب