Wednesday 23/10/2013 Issue 15000 الاربعاء 18 ذو الحجة 1434 العدد

طالبوا بإعادة هيكلة القطاع العام ومحاسبة موظفيه وتقييم إنتاجيتهم لسد الفجوة مع القطاع الخاص .. اقتصاديون لـ«الجزيرة»:

تطور مستوى «الأجور» يلعب دوراً محورياً في تحديد القطاع الوظيفي المفضل

الجزيرة - نواف المتعب:

شكل التطور الذي طرأ على حجم ومستوى الأجور في القطاع الحكومي في المملكة منذ منتصف السبعينات الميلادية، منعطفا جوهريا انعكست آثاره على عزوف السعوديين عن العمل في القطاع الخاص طيلة الأربعين عاما الماضية، كما أوجد ثقافة «الوظيفة الحكومية.. أو لا»، في الوقت الذي أشار أحد كبار المقاولين والذي يملك شركة خاصة في تلك الفترة إلى أنه وبمراجعته لقوائم العاملين في الشركة في العام 1975 م وجد أن جميع الوظائف يشغلها السعوديون بنسبة 100 %، إلا أن هذه النسبة تحولت إلى 0 % في العام 1976 م، مع بدء الطفرة في أسعار النفط في تلك الفترة، حيث عزى السبب إلى الكم الهائل من الفرص الوظيفية المتوفرة في القطاع الحكومي والمزايا الأخرى المتعلقة بسلم الرواتب والإجازات وغيرها.

وأشار عدد من المختصين في حديثهم لـ «الجزيرة» إلى أسباب هذا التفاوت وتداعيات العزوف عن العمل في قطاع على حساب القطاع الآخر، حيث أوضح بندر الضبعان الكاتب والمستشار في إدارة الموارد البشرية أن فروقات العمل الحاصلة في القطاعين العام والخاص في المملكة تعود بالدرجة الأولى إلى الاختلاف في الضوابط القانونية التي تحكم القطاعين. فكل قطاع تحكمه أنظمة ولوائح تخص الخدمة والتقاعد شكلت ملامح هذا القطاع، وجاءت بعد ذلك الضوابط الإدارية والمالية والتنظيمية، فعززت من ذلك الاختلاف. وأضاف قائلاً : على المستوى القانوني، هناك نظامان للخدمة(تضبط حقوق وواجبات الموظف أثناء خدمته)، الأول نظام الخدمة المدنية الذي صدر في عهد الملك خالد - رحمه الله - بموجب المرسوم الملكي ذي الرقم (م/49)، وتاريخ 10 /7 /1397هـ، ويسري على «معظم» المدنيين من موظفي الحكومة وجهات عملهم. والنظام الآخر هو نظام العمل الذي صدر في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - رعاه الله - بموجب المرسوم الملكي ذي الرقم (م/51)، وتاريخ 23 /8 /1426هـ و يشمل موظفي القطاع الخاص، وبعض الجهات شبه الحكومية، أما أنظمة التقاعد فهي تحكم حقوق وواجبات الموظف بعد أن يترك العمل إما بالتقاعد أو العجز أو الوفاة.وكما هو الحال مع أنظمة الخدمة، لدينا في المملكة نظامان للتقاعد. الأول هو نظام التقاعد المدني الذي صدر في عهد الملك فيصل - رحمه الله - بموجب المرسوم الملكي ذي الرقم (م/41)، وتاريخ 29 /7 /1393هـ، ويسري على الموظفين الذين كانوا خاضعين لنظام الخدمة المدنية أثناء الخدمة. أما النظام الثاني فهو نظام التأمينات الاجتماعية الذي صدر في عهد الملك فهد - رحمه الله - بموجب المرسوم الملكي ذي الرقم (م/33)، وتاريخ 3 /9 /1421هـ، ويطبق على الموظفين الذين كانوا خاضعين لنظام العمل. واستطرد الضبعان قائلاً : ونضيف إلى ذلك الاختلاف القانوني، اختلافا إداريا حين نقول إن في السعودية وزارتين للخدمة (وزارة الخدمة المدنية ووزارة العمل)، ومؤسستين للتقاعد(المؤسسة العامة للتقاعد والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية)، وشركتين استثماريتين تتبعان لهما (شركة الاستثمارات الرائدة «رائد»وشركة حصانة الاستثمارية «حصانة»)، وثلاثة مؤسسات معنية بالتدريب (معهد الإدارة العامة المرتبط بوزير الخدمة المدنية،و»المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني» و»صندوق تنمية الموارد البرية» المرتبطان بوزير العمل)، أما الاختلاف المالي، فهو يظهر في صرف الرواتب من حيث اختلاف سلالم الرواتب بين القطاعين، حيث يظل القطاع الخاص أكثر مرونة في هيكلة الرواتب وصرف البدلات والمزايا.

بعد كل هذه الاختلافات القانونية والإدارية والمالية، نشأ لدينا قطاعان أحدهما يتسم بتوفير الأمان الوظيفي العالي والرضا الوظيفي المتدني للموظفين (القطاع العام)، والآخر يتسم بتوفير الرضا الوظيفي العالي والأمان الوظيفي المتدني للموظفين (القطاع الخاص)، والمحصلة أن القطاع العام يعاني موظفوه من تدني الإنتاجية، فيما القطاع الخاص يشهد حالة تنافسية شديدة لا مجال فيه للموظف المتهاون أو المقصر.

وشدد بندر الضبعان على أنه إذا ما أردنا ردم الفجوة بين طبيعة العمل وظروفه في القطاعين، فعلينا أن نعيد هيكلة القطاع العام، ليصبح أكثر تنافسية، ويصبح موظفوه أكثر قدرة على الأداء والإنتاجية (كما هو الحال في القطاع الخاص) وذلك من خلال تخليص القطاع العام من المركزية الإدارية والمالية، ويتم ذلك بعدد من المبادرات ومنها أن يكون لكل جهة حكومية لوائح إدارية ومالية مستقلة عن هيمنة وزارة الخدمة المدنية ووزارة المالية. والمبادرة الأخرى إعادة تحليل الوظائف ليس عن طريق وزارة الخدمة المدنية، وإنما عن طريق كل جهة حكومية وفق طبيعة عملها لإنتاج مخرجات منها، تصنيف الوظائف، ووضع أوصاف وظيفية، وتقييم الوظائف، وتحديد الاحتياجات التدريبية، وهذا سيمكننا من وضع الأهداف المطلوبة من كل موظف ووضع معايير الأداء الخاصة به، وبالتالي تسهل مكافأته عند التميز أو محاسبته عند التقصير. والمبادرة الثالثة إعادة هيكلة إدارة الأداء، إذ يجب تغيير طريقة تقييم الأداء نفسها، واستخدام طرق شاملة ومبتكرة في تقييم الموظفين الحكوميين مع تقييم أدائهم مرتين في العام من قبل الأطراف كافة ومن ضمنهم العملاء. المبادرة الأخرى إعادة تصميم سلالم الرواتب، بحيث تركز على الأداء والكفاءة وليس الأقدمية، إضافة إلى إعادة تدريب وتأهيل الموظفين الحكوميين وابتعاثهم للدراسة، لتوسيع معارفهم وتزويدهم بالمهارات مع التركيز على غرس قيم مهمة في نفوسهم، أبرزها: النزاهة، والجودة، وخدمة العملاء، والسلامة. والمبادرة الأخيرة ربط تجديد عقد الموظف الحكومي بتقييم الأداء، على أن يتم تعيين الموظفين الحكوميين على وظائف المرتبة الثالثة عشرة فما دون، بموجب عقود عمل قابلة للتجديد وليس قرارات تعيين، مع تخفيض صلاحية الفصل - إنهاء الخدمات - من مجلس الوزراء إلى الوزير المختص، بحيث يتاح للجهة الحكومية التخلص من الموظفين المتقاعسين وإحلالهم بالشباب المتميزين. وفي ختام حديثه أشار الضبعان إلى أن اختلاف بيئة العمل في القطاعين العام والخاص تعود بسبب وجود إرث تاريخي من الأنظمة واللوائح، وقد آن الأوان أن نحرر القطاع العام من أغلال البيروقراطية، ونجعله أقرب في ظروفه إلى القطاع الخاص، فالموظف هو مواطن له حقوق وواجبات لا يجوز أن تتغير من قطاع إلى آخر.

من جهته أشار الاقتصادي خالد البواردي إلى أنه في فترة السبعينات كان السعودي يعمل في أي وظيفة شريفة تضمن له لقمة عيشه مهما كانت متواضعة، ولكن بعد أن توسعت الدولة في التوظيف أصبحت الوظيفة الحكومية هي الخيار الأول لمعظم الناس ومع زيادة الدخل وزيادة إنفاق الدولة و الانتدابات وزيادة الرواتب خرج جيل جديد مرفّه يستعيب الوظائف اليدوية وكثير من الوظائف الأخرى. وأضاف بأنه ورغم ارتفاع رواتب القطاع الخاص مقارنة بالحكومي في الوظائف المتوسطة والعليا إلا أن الناس ما زالو يفضلون الوظيفة الحكومية وذلك لأن المنافسة بين الوظيفة الحكومية وبين وظيفة القطاع الخاص منافسة غير عادلة، فالقطاع الخاص يطلب إنتاجية وعمل لا يقل عن 7 ساعات في اليوم أما الحكومية فيكفي ساعة عمل واحدة أو أقل، مع إمكانية الخروج من الدوام والغياب. إضافة إلى أن الوظيفة الحكومية تعتبر آمنة لأنه مهما أهمل الشخص فيها لا يمكن فصله بعكس وظيفة القطاع الخاص. وقال البواردي: لن يقبل الناس بالوظيفة في القطاع الخاص إلا عندما تكون المنافسة عادلة بين الوظيفتين ومستوى الإنتاجية والدخل متقارب، ولكن للأسف وبدل أن تقوم وزارة العمل بمحاولة زيادة إنتاجية موظف الحكومة أصبحت تحاول أن تقلل من ساعات العمل في القطاع الخاص.

بدوره لفت الاقتصادي علي الجحلي إلى أن الاعتقاد السائد برفض الشباب العمل في القطاع الخاص هو اعتقاد خاطئ فالقطاع الخاص العادل في الأجور الذي يمكن أن يوفر للموظف فرص الترقية و يقدم له البدائل المناسبة و يرسم له المسار الوظيفي المبني على مهاراته و تدريبه و أدائه في مكان العمل، جاذب أكثر من الدولة في كثير من الأحيان، وفقا للمزايا التي يتوقعها الشاب وهي ما يحدد مدى انجذابه لهذه الوظائف. وشدد الجحلي على أن بعض الشركات العائلية في بلادنا و بعض الشركات المساهمة العامة تهتم بالربحية والربحية فقط ولا يهمها مستقبل الموظف أو مستقبل الاقتصاد الوطني و إنما الأرباح للمساهمين أو الملاك. وأضاف علي الجحلي إن الشاب لا يجد مراده في وظيفة الدولة ، برغم أنها مريحة و غير مطالبة له بالإنجاز والالتزام ، و لكن مادام الوضع هكذا و الدخل الذي يحصل عليه موظف القطاع الخاص أقل من موظف الدولة ، دون أن يكون هناك ارتباط بين مستقبله ومستقبل الشركة أو اهتمام من قبل الشركة بمشاكله ، فسيستمر الوضع على ما هو عليه بل و سيفضل المواطن البطالة على أن يعمل في وظيفة لا تعطيه أبسط حقوقه. وقال الجحلي : لن أتحدث عن وظائف الأمن أو وظائف الشركات الجائرة أو شركات التوظيف الوهمي مقابل ألف أو ألف و خمسمائة ريال ، لأنها ترتكب جرائم في حق المواطن . أقول إن على الدولة أن تربط الرواتب في القطاع الخاص من خلال إقرار الحد الأدنى للأجور الذي يجب ألا يقل عن 40 ريالاً في الساعة « و هو أقل من الحد الأدنى للأجور في أستراليا و لكمسبورج و فرنسا أيرلندا و بلجيكا « .

كما يجب أن تلزم الشركات بسلالم وظيفية و إعلان خطط تمكين و تحفيز المواطنين أو تمنعها من الحصول على قروض الدولة و التسهيلات التي تقدمها لأن الدولة تمثل المواطنين فكيف تدعم الدولة من يعادون المواطن و يحرمونه مــن الفرص ويفضلون الوافد عليه.

موضوعات أخرى