Thursday 24/10/2013 Issue 15001 الخميس 19 ذو الحجة 1434 العدد
24-10-2013

الموقف السعودي .. بالأمس دعوة واليوم اعتذار!

المتمعن في الواقع العربي اليوم يجد أنه في أسوأ حالاته، فعلاوة على العجز السياسي والتشرذم الشعبي والانقسام الرسمي، يعيش العرب ثورات شعبية في بعض بلدانهم بلا راية محددة أو أهدافاً واضحة، ما يجعل تلك الثورات طريقاً سهلاً لتنفيذ مشروع غربي جديد يُعيد الذاكرة العربية حول (سايكس بيكو) القديم، فضلاً عن مشاريع أخرى تتربص بدول العرب وتنهش بجسد الأمة، كالمشروع الصفوي الذي ابتلع العراق، والمشروع الصهيوني الذي ابتلع فلسطين. والآن يتنازعان حول سوريا برعاية أميركية، وربما يتفقان.

لهذا كان الموقف السعودي الذي اتخذته حكومة المملكة بالاعتذار عن عضوية (مقعد غير دائم) في مجلس الأمن لمدة سنتين، موقفاً مشرفاً في طبيعته ومختلفاً في توقيته ومؤثراً في أبعاده، لكونه جاء والأمة العربية في أدنى درجات انحطاطها، وأصعب حالات ضعفها، ما يجعلها تستشعر الأمل وتعيد حساباتها، وتؤمن أنه لا غنى لها عن الدول الكبرى كالمملكة في استعادة موقعها والنهوض من جديد. خاصة ً أن تاريخ المملكة يشهد لها بالمواقف التاريخية التي تأتي في اللحظات الحاسمة للأمة، كموقفها التاريخي بتأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي، وحرب العاشر من رمضان عام 1973م، وتحرير الكويت عام 91م وغيرها.

إن الموقف السعودي الكبير وضع العالم أمام حقيقة مؤلمة طالما تحاشى مواجهتها، حقيقة أقرب للفضيحة التي يعيشها مجلس الأمن في الوقت الراهن، تتمثل في عجزه الواضح عن حل القضايا العالمية وتحمل مسؤولياته الإنسانية، خصوصاً ما يتعلق بالعرب والمسلمين وقضاياهم المصيرية، سواءً قضيتهم المركزية فلسطين المحتلة التي ذبحها الفيتو الأميركي والأوروبي طيلة 65 عاماً، أو قضيتهم الملتهبة سوريا الجريحة، حيث يواجه شعبها آلة القتل الأسدي المدعومة من إيران وروسيا والصين. بينما لم يستطع هذا المجلس أن يوقف هذه الألة الدموية، فضلاً عن أن يسقط نظام الأسد الوحشي ويستبدله بنظام ديمقراطي يحقق لهذا الشعب الكريم الكرامة والحرية والعدالة.

كما أن هذا الموقف الذي يعكس عمق الرؤية السعودية لخلل فادح في أهم منظمة عالمية، هو في ذاته رسالة لفت انتباه وخطاب إعذار لكل أحرار العالم وشرفاء الشعوب، بألا يفوتوا هذه الفرصة التاريخية بالمطالبة الجادة بإصلاح هيئة الأمم المتحدة وكل المجالس والمنظمات والهيئات المنضوية تحتها، وهي ذات الدعوة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين -يحفظه الله- قبل عامين لإصلاح هذه المنظمة العالمية. ما يعني أن اعتذار المملكة عن مقعدها في مجلس الأمن ليس من قبيل التظاهر السياسي أو الاستهلاك الإعلامي الذي تجيد ممارسته بعض الدول، إنما هو في سياق سياسة واعية ورغبة صادقة تريد الخير والسلام والاستقرار للعالم، فقد طالبت بالأمس بهذا الإصلاح، واليوم تؤكد على مطالبتها بهذا الاعتذار المدوي. وكأنها تقول برسالة واضحة المعاني جلية المباني، لن أشارك في مجلس لا ينقذ الشعوب ولا يحمي الدول، رغم أن الدول الكبرى هي صاحبة المقاعد الدائمة فيه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أي أنه مجلس لم يعد يخدم مصالح الشعوب ومبادئ الحضارة وقيم الإنسانية، إنما مجلس مُسيس لصالح الدول الكبرى على حساب حقوق الشعوب ومصائر الدول الأخرى. قد يرى البعض أن انخراط المملكة في مجلس الأمن وعدم اعتذارها عن عضويته ربما كان أكثر وقعاً وأبلغ تأثيراً في القضايا بالمشهد العالمي، وهذا قد يبدو منطقياً وصائباً لو كان هناك دول ستعمل مع المملكة داخل المجلس لتبني مواقف ثابتة واتخاذ قرارات حازمة من قضايا العرب تحديداً، أما والحال كذلك فإن اعتذار المملكة أفضل من قبول عضوية المجلس، فقد ظهر أمام العالم كرسالة قوية وموقف شجاع، ما قد يشجع الدول الأخرى على تبني النهج السعودي في المستقبل، بمعنى يكفي المملكة أنها هي من علق الجرس ولأول مرة في تاريخ المنظمة كما اعتقد، ويكفيها أنها حققت موقفها بانسجام مع مبادئها التي عبّر عنها بيانها الذي أصدرته وزارة حارجيتها فصار حديث كل العالم.

alkanaan555@gmail.com

تويتر @moh_alkanaan

مقالات أخرى للكاتب