Thursday 24/10/2013 Issue 15001 الخميس 19 ذو الحجة 1434 العدد
24-10-2013

الرحمة الرحمة يا جماعة ... احذروا أن تنكسر قلوبكم

هذا الصباح كان مختلفاً، فقد أيقظتني رائحة المطر، تلك الرائحة المحببة إلى نفسي.. نظرت إلى الساعة فإذا هي الخامسة صباحاً، الكل نائم فقد أتعبهم السهر، وتمزيق كل دقيقة من الإجازة باللهو والمرح... قفزت من سريري، ارتديت فستاناً أزرق، وحذاءً رياضياً، وتسللت من حجرتي في الفندق متوجهة إلى شاطئ البحر... وبالطبع لم أنس قلمي وأوراقي...

في طريقي كنت أتوقف للحظات لأستنشق الهواء المنعش البارد، وأسمح له بالتسلل إلى صدري وقلبي ونفسي، ليعيد لي صفائي ومرحي وحبي للحياة..كما وأن زخات المطر الخفيفة كانت تبلل شعري الأسود المخملي الطويل ليزيدني ذلك انتعاشاً ورضا...

وصلت إلى الشاطئ، واتخذت مكاناً لي على أحد المقاعد الخشبية المتناثرة هناك... وكان الهدوء يخيم على المكان إلا من صوت طيور النورس ترفرف فوق أمواج البحر، وصوت هدير تلك الأمواج... نظرت ملياً إلى البحر،وسرحت بأفكاري وتساؤلاتي التي في كثير من الأحيان لا أجد لها إجابات شافية... انتبهت من غيبتي مع أفكاري على صوت عربة يجرها حمار كانت تمر بقربي، فضحكت... ولا أدري ما الذي جعلني أتذكر تلك القصة المؤثرة التي قرأتها قبل ما يزيد عن عشر سنوات، وكنت وقتها حديثة التخرج، وأحرص على شراء الصحيفة يومياً لعلي أجد فيها إعلاناً عن وظيفة مناسبة، ولفتني عنوان القصة : الرجل الموجوع يجد ضالته لدى الحمار...

كان ملخص القصة،أن رجلاً فقد ابنه الصغير بعد تعرضه لحادث، حزن هذا الرجل حزناً بالغاً، انفطر قلبه وتألم... ومرّت الأيام وألمه يزداد، وحزنه يكبر، ويفتقد القدرة على الاحتمال... ولم يكن يجد متنفساً يعبر فيه عن حزنه إلا الحديث عن هذا الألم... يتحدث ويتحدث... وليس له حديث إلا هذا المصاب... فانفض الناس من حوله، وملوا منه... تركه أصدقاؤه وأقرباؤه، وحتى زوجته تركته وذهبت... وبقي وحيداً حزيناً ضعيفاً مكسور القلب... وفي يوم خرج من بيته هائماً على وجهه فقلب هذا الرجل المفجوع ما عاد قادراً على الاحتمال... ووجد حماراً ضالاً فجلس بقربه وأخذ يحدثه عن مصيبته في فقد ابنه وشعر ببعض الراحة والسلوى... والحمار ينصت... وعندما استيقظ أهل البلدة ظنوا أن الرجل الموجوع قد جُنّ... وفي الحقيقة أنه لم يجد ضالته إلا لدى الحمار...

من يوم قراءتي لتلك القصة، وأنا أحسن الاستماع رغم قلة كلامي، فلو أن هذا الرجل المسكين وجد قلباً صادقاً يستمع له، ويطبطب على جرحه وألمه، لما وصل إلى هذا الحال، ولما أُرغم على الحديث مع الحمار...

لا أعلم لماذا أصبحت قلوب البشر قاسية كالحجارة وأشدّ، لماذا ضاقت صدورهم، لماذا أصبحنا في عالم لا أحد يفكر فيه بالآخر ولا يهتم به، لا نعي ولا نهتز... لا نرق لآلام غيرنا ولا نسعى لإزالتها... تبلدت أحاسيسنا... جمدت عيوننا واستغلقت قلوبنا...

أين هي الرحمة ورقة القلب... أين هي العاطفة الحية النابضة بالحب والرأفة واللين... وهل يضمن أحدنا أن لا يتعرض لمثل موقف ذاك الرجل المفجوع... فكلنا عُرضة لنفس الموقف وغيره... فالرحمة الرحمة يا جماعة... واحذروا أن تنكسر قلوبكم في يوم من الأيام، ولا تجدون ضالتكم لدى أحد... فمن منا يعلم ما تجلبه الأقدار...

الرياض

مقالات أخرى للكاتب