Sunday 27/10/2013 Issue 15004 الأحد 22 ذو الحجة 1434 العدد
27-10-2013

التوافق في تونس

حملت الأنباء المتواترة من تونس أنباءً طيبةً تشير إلى أن التونسيين في طريقهم إلى التوافق وإنقاذ البلاد من المصير المرعب الذي كانت تتجه إليه، إِذْ مهّدت الوثيقة التي تعهد فيها رئيس الحكومة علي العريض باستقالة حكومته الطريق أمام انطلاق الحوار الوطني بين المعارضة والترويكا الحاكمة.

تعهد السيد علي العريض بالاستقالة في غضون ثلاثة أسابيع وإتاحة الفرصة للأحزاب والشخصيات التونسية وأعضاء المجلس الوطني للعودة إلى جلسات الحوار الوطني لإنجاز الاستحقاقات المطلوبة التي باتت ضرورية لاستكمال إنهاء خريطة الطريق، التي تُعدُّ حجر الزاوية لكل الأطراف خاصة الأحزاب الثلاثة المكوّنة للترويكا وأحزاب المعارضة معًا، وما يتبقى من هذه الخريطة التي يفترض أن ينجزها المتحاورون، هي الانتهاء من الصياغة والمصادقة على الدستور الجديد والقانون الانتخابي وانتخاب الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

وتنص خريطة الطريق المقترحة من المنظمات الراعية للحوار على القبول بتشكيل حكومة كفاءات ترأسها شخصيَّة وطنيَّة مستقلة، لا يترشح أعضاؤها للانتخابات المقبلة لتحل محل الحكومة الحالية وتكون لها الصلاحيات الكاملة لإدارة البلاد.

خريطة الطريق التي وضعتها «الرباعية» بعد لقاءات مكثفة بالأحزاب التونسية، التي وصلت إلى 21 حزبًا، وهذه الرباعية مكوّنة من اتحاد الشغل للعمال «نقابات العمل» واتحاد الأعراف «رجال الأعمال» وعمادة المحامين ورابطة حقوق الإِنسان.

تعهّد السيد علي العريض إعادة النوَّاب المنسحبين إلى المجلس الوطني، الذي استأنف جلساته للانتهاء من الصياغة النهائية للدستور والتصديق عليه، ثمَّ تشكيل اللجنة العليا للانتخابات بعد أن يقرّ قانون الانتخابات، واستئناف المجلس الوطني لجلساته وشيوع ثقافة التوافق التي أعادت التونسيين إلى طريق التسوية رغم وجود اختلافات، بل وحتى شكوك من عدم التزام السيد علي العريض بوثيقة الاستقالة، إِذْ لم ينجز المجلس الوطني إنهاء الدستور ويصادق عليه في ثلاثة أسابيع، ويَتمُّ الانتهاء أيْضًا من قانون الانتخابات وتشكيل اللجنة العليا للانتخابات، كما أن هناك شكوكًا من الأحزاب من وجود تفاهمات غير معلنة بين حزب النهضة الإسلامي وحزب نداء تونس الذي يرأسه قائد السبسي، الذي يعتبره التونسيين وريثًا لحزب التجمع الدستوري الذي كان يرأسه الرئيس السابق زين العابدين بن علي، ولكن كل هذه المخاوف والتخوفات والشكوك يحاول التونسيون تجاوزها لقطع الطريق على الجماعات الإرهابيَّة التي تحاول فرض سطوتها على المجتمع التونسي خاصة بعد أن تفاقم الوضع الأمني واتساع التظاهرات المناهضة للحكومة وتنفيذ عدد من الاعتداءات على رجال الحرس الوطني، التي كان آخرها مقتل عدد منهم في ولاية سيدي بوزيد، واقتحام عدد من مقرات حزب النهضة وحرقها في ولايات مُتعدِّدة في تونس.

أمام هذه الأخطار لا مجال أمام الأحزاب والشخصيات السياسيَّة التونسية إلا انتهاج الحكمة والسير على طريق التوافق من خلال التعاون ,الأكثرية السياسيَّة مع الأقلية دون فرض أيّ رأي وموقف من كلا الطرفين لوضع صياغة توافقية تكفل انسياب الديمقراطية وتداول السلطة.

تونس إن هي أنجزت هذه المسيرة التوافقية واستطاعت الأحزاب السياسيَّة والشخصيات إنجاز خريطة الطريق وتجاوز العراقيل التي تفتعلها الأحزاب الصَّغيرة لتحقيق مصالح حزبية ضيقة على حساب الوطن، يكون التونسيون قد أنجزوا اختراقًا حضاريًا آخر يكون نموذجًا يحتذى به للدول التي تعثرت انتفاضاتها بعد أن حاول البعض سرقة ثوراتها التي تحوّلت إلى فوضى حول الربيع المنتظر إلى خريف لا تزال أوراقه تتساقط.

jaser@al-jazirah.com.sa

مقالات أخرى للكاتب