Monday 28/10/2013 Issue 15005 الأثنين 23 ذو الحجة 1434 العدد
28-10-2013

الريادة السعودية في رفض دور شاهد الزور 2-2

الرجوع إلى الحلقة السابقة من هذا المقال (الأربعاء 18-12-1434 هـ) قد يخدم الفكرة المراد توضيحها فيه.

كتب الكثير في الداخل والخارج حول استغناء السعودية عن مقعدها كعضو غير دائم في مجلس الأمن المحدد بسنتين. أغلب التحليلات وربما كلها تحاول إيجاد جواب عن السؤال بهذه الصيغة: السياسة السعودية المعروفة بالعمل الصامت خلف الكواليس، مالذي أصابها فجأة وحملها على هذه الاستدارة الدراماتيكية حيال علاقاتها بالولايات المتحدة الأمريكية وبمجلس الأمن وبالأمم المتحدة برمتها؟.

أرى أن السؤال بهذه الطريقة معكوس، لأنه يريد البحث عن السبب في رؤوس الساسة السعوديين، بينما تفترض الحيادية في التحليل أن يكون السؤال بهذه الطريقة: ما الذي أصاب السياسة الأمريكية فجأةً وحملها على هذه الاستدارة الدراماتيكية نحو إيران وروسيا والإيديولوجيات العقائدية المتصالحة معها، مديرة ظهرها لعلاقاتها المتصالحة القديمة، ليس مع السعودية فقط، بل ومع منطقة الخليج عموما ومع مصر وتركيا.

هل السبب إستراتيجي يتحسب للمستقبل غير البعيد تجاه الصين وهي العملاق القادم؟. أم هو استجابة مؤقتة لمصالح آنية، أم تصرف غير مفهوم داخل إطار سياسي أمريكي يبدو عليه الوهن في الوقت الحاضر؟.

كمحاولة للاجتهاد في الإجابة على هذا السؤال، لابد من العودة إلى التاريخ، وبالخصوص تاريخ الحضارات المتشابهة ذات الأصول المشتركة، ومالذي يحدث لها عند الإحساس بالخطر المشترك لدى مكوناتها الأصلية من منافس جديد يعجز كل طرف على حدة التصدي له وضمان السلامة؟.

العودة عند الحاجة إلى المنابع الأولى للحضارة المشتركة ظاهرة تتكرركثيرا عبر التاريخ. عند الشعور بخطر مشترك يبحث المتشابهون عن التكتل، رغم مرورهم عبر فترات طويلة من تاريخهم بمراحل عداء متبادل. الاتحاد الأوروبي هو تكتل من هذا النوع لمقاومة الانهيار الاقتصادي أمام آسيا وأمريكا. كذلك التسارع من قبل الأجزاء البيضاء في مكونات الاتحاد السوفييتي المنهار، نحو أوروبا وأمريكا مثال آخر على محاولة العودة إلى المشترك الحضاري القديم. بسبب استشعار الخطر المقبل خلال عقد أو عقدين، وهو ما يمثله العملاق الصيني القادم اقتصاديا وعسكريا عليهم، دخلت روسيا وأمريكا وأوروبا في مرحلة الحاجة المشتركة لبعضها. خلال العقدين القادمين لن تصمد روسيا أو أوروبا أو أمريكا، كل واحدة على حدة، أمام الصين. أصبحوا يدركون مدى حاجتهم للعودة إلى جذورهم الحضارية المشتركة للتكتل والاستقواء.

لكن ماذا عن إيران؟. إيران دولة إسلامية بالاسم، لكنها فارسية الطموح القومي والأصول الحضارية. القسم الفارسي منها (البارس) يعتقد أنه حتى وإن كان مسلماً، إلا أنه أرقى عرقا وحضارة من العرب والترك، ويرى أن الحضارات الجرمانية الآرية أقرب إلى أصوله وطموحاته. التكتل الروسي الأمريكي الأوروبي القادم يحتاج إلى دولة إيرانية بهذا التوجه، لضبط الأمور بمشاركة إسرائيل للمنطقة الواقعة بين سفوح زاغروس الغربية والأبيض المتوسط، ومن ضمنها العراق وسوريا وفلسطين والأردن والخليج العربي وأجزاء من السعودية. واقع الحال يقول: إن الدولة الفارسية تتلهف للانضمام لهذا التكتل، بل هي تتوسله وتغازل من أجله منذ سنين طويلة.

الوضع مختلف بالنسبة للأتراك. تركيا، بالرغم من عضويتها في حلف الأطلسي، إلا أنها ليست جزءا ً عضوياً في المكون الحضاري الأوروبي المشترك وطارئة عليه، وكان يتم صدها باستمرار من الأوروبيين عن الانضمام إلى تكتل الاتحاد الأوروبي. تركيا، أصولا، أقرب إلى امتدادها العرقي اللغوي الشاسع المتصل إلى أقصى الحدود الشرقية الجنوبية لروسيا، وهي حضاريا دولة إسلامية سنية. لا أعتقد أنه يغيب عن الساسة الأتراك احتمال حصرهم يوما ما بين التكتل الروسي الأوروبي من الشمال والتكتل الفارسي الإسرائيلي من الجنوب وعزلهم عن السنة العرب.

تركيا أيضا دولة ناشطة ومنافسة وطموحة، اقتصاديا وسياسيا، ولهذه الأسباب تعتبر غير مريحة للتكتل الكبير الجديد، ولن تصبح عضوا مكملا له.

السياسة السعودية الحالية دقت الجرس ووضعت أول علامة في خارطة طريق نحو تكتل عربي تركي متكامل، أصبحت تفرضه الظروف المستجدة والقادمة، على العرب والأتراك طي ملفات حساسياتهم ومظالمهم وعداواتهم القديمة، مثلما يفعل التكتل الحضاري الآخر، والبدء بكتابة تاريخ مشترك جديد.

في احتمالات المستقبل يقبع الكثير من نبوءة صامويل هنتنجتون عن صراع الحضارات، والظاهر أيضا أنه لم يكن يتكلم من فراغ.

- الرياض

مقالات أخرى للكاتب