Thursday 07/11/2013 Issue 15015 الخميس 03 محرم 1435 العدد
07-11-2013

علاماتٌ لا تُمحى ..

)) حين بلغ الإنسانُ القمر تعاظمت موضةٌ كتابيةٌ تعيبُ من يُشبِّهُ الجميلة بأتربته وحجارته، واستدعت أذهانُ المتلقين صورةَ الحبيبة أرضًا جرداءَ تطؤُها أقدامٌ قاسيةٌ ومركبةٌ بلا روح، ومضى المتندرون زمنًا في تقبيح الحسن ثم عدنا للصورة الشاعريةِ الجميلةِ ونسينا شكلَ القمرِ الحقيقيَّ؛ فصار الأهمُّ الصورةَ المتخيلةَ ولا بقاءَ لمعلومةٍ محدودةٍ أمام أخيلةٍ ممدودة.

)) القضيةُ لا توازنُ بين الحقيقة والخيال بل بين الصورةِ النمطيةِ والأخرى الواقعيةِ حين تصطرعان على الصمود فينتصر التنميط الذهني بالرغم من محاولات نفيه، وتأتي الأسبقيةُ الزمنيةُ عاملًا فاعلًا في التأثير المعرفيِّ والوجدانيِّ والسلوكيِّ لاتخاذِ مواقف معويةٍ أو ضديةٍ من معلومةٍ وصورةٍ وموقف.

)) كذا تتوازى ألسنتُنا وأقلامنا مع السائد ليبدوَ الجديدُ هامشًا لا يُحتفلُ به ما لم تُحِلْه الصناعةُ الإعلاميةُ إلى متنٍ يعيد برمجةَ العقل الجمعيِّ بما يؤطرُ الصورةَ الطارئة، وهو ما يأخذ زمنًا قد يطول، ولعل العقود الثلاثة الماضية قد أنتجت مستنسخاتٍ متواليةً تبدلت فيها بعضُ المفاهيم كالجهاد والإرهاب والصحوة والتنوير كما تنقلت الرموزُ بين مقدس ومدنس وتحركت الأرقامُ بين مليونيةٍ وصِّفرية وتمددت سلبيةُ الجماهير من قضايا مصيرية وكانت فلسطين يومًا قمرَ العاشقِ والمكلومِ والحالمِ والمقاوم فصارت طيفًا عابرًا في نصٍ شعري وتفاعلاتٍ شعورية.

)) مشكلةُ الصورةِ النمطية توالي صعوبات تبديلها وانتفاءُ العدل في معاييرها واتكاؤُها على الترديد والوقوفُ في محطات الجمود واضطرارُ من يُطلّون من الضفة المقابلة إلى استعارة بعض أجزاء الصورة كي تبقى لهم مصداقيةٌ مبتسرة، وحين حاول أحدهم إصلاح العلاقة بين الأعمش وزوجه ابتدأ بما تهيأَ له عدمُ إمكانِ محوِه فلم يلجأ لتبريرِ أو إخفاءِ “عمشِ عينيه ودقةِ ساقيه وضعفِ ركبتيه وجمودِ كفيه” وهو ما دعاه إلى إضافة لقطةٍ متندرةٍ بعيوبٍ ربما لم تُلحظ فيه من قبل وهي الكيفيةُ التي تجعل من يسعى لتبديل علامةٍ ثابتةٍ محتاجًا لتكرار بعض ملامحها في طريقه للدفاع عنها، وهذا خلل منهجي أدى إلى فشل وساطة الفقيه بين الأعمش وامرأته وتداعي الوسطيَّة “بمعنى العدل” في الانطباعات الذهنية الغالية والقالية.

)) وتجيءُ المشكلة أكثر تجسدًا حين تتحد الصورة بالمعلومة التأريخية المتجذرة فيعيا الباحثون المحققون في تبديلها مهما وعَوا وسعَوا، وأقرب مثالٍ ما تختزنه ذاكرتنا العامة حول الوزير بهاء الدين قراقوش المقرب من صلاح الدين الأيوبي؛ فبكمِّ الافتراءات المتجنية بقيت صورته المتسلطةُ الهزلية وخفتتْ حقيقتُه الجهاديةُ الإنجازية، وبإزائها المسخُ الذي ظهر به الخليفة العظيم سليمان القانوني في مسلسل حريم السلطان، وكذا ما أُلحق بقصةِ خالد بن الوليد ومالك بن نويرة، ويزيد بن معاوية واستباحة المدينة، وضرب الحجاج للكعبة، وهارون الرشيد مع البرامكة وسواها.

)) من شَوهُوا الأمس هم الذين يشوهون اليوم ومن عاثُوا في المصطلح قبلًا يعيثون فيه بعدًا، وحين يُكتب التأريخُ المعاصرُ فلن يعدمَ كسابقه صورًا زائفةً لا تجدُ من يصححُها.

)) الصورة وشم.

ibrturkia@gmail.com

t :@abohtoon

مقالات أخرى للكاتب