Friday 15/11/2013 Issue 15023 الجمعة 11 محرم 1435 العدد
15-11-2013

لا أحدَ يملكُ حقيقة مطلقة .. بالحوار رأيي صوابٌ يحتملُ الخطأ ورأيك خطأ يحتملُ الصواب

الحوار فنٌ من فنون التخاطب.. والتخاطب مع الآخرين ليس مجرد كلمات عابرة نتفوه بها.. بل هي تبادل لأفكارٍ خاضعة للعقل والمنطق قابلة للنقاش والجدل بأساليب وأشكال مختلفة ومتنوعة هدفها التأثير وكسب الثقة.. أو دحض معتقدات وآراء خاطئة أو إزالة بواعث نفور وكراهية وإيجاد أرضية مشتركة للتقارب،

ومنذ البدء كان الحوار بين قابيل وهابيل اللذين قرَّبا قرباناً فتُقبِل من أحدهما ولم يُتقبل من الآخر ليكون هابيل صاحب الحوار العقلي الهادئ ويكون قابيل صاحب الحوار الغريزي العنيف. دخلت لفظة الحوار قاموس الحياة المعاصرة لتتحول إلى مصطلحٍ ثقافيٍ وسياسيٍ واجتماعي.. بل ومصطلح إستراتيجي في أكثر الأحيان متجاوزة في ذلك المعنى اللغوي والفلسفي منذ أن أطلقها أفلاطون في محاوراته التي أجراها على لسان أستاذه ومعلمه سقراط في بداية الحضارة اليونانية. فإذا كان سقراط الفيلسوف الباحث عن الحقيقة قد سلك طريق التأمل.. ثم السؤال والحوار فأفضى ذلك إلى أن يتجرع السم محكوماً عليه بالإعدام بتهمة السب والتشكيك في المعتقدات والقوانين، فإن ما نشهده من حوارات مختلفة في العصر الحديث ويراد منها الحل لخلافاتٍ سياسية أو احتقانات اجتماعية نجدها تأخذ مسار الاتجاه المعاكس تماماً.. فتستعصي الحلول وتتعرى شخصيات المتحاورين والنهاية تفكك في بنية المجتمعات.. وانهيار في النظم السياسية ونشوب حروب سياسية وثقافية ومعارك كلامية قد تُفجِر صراعات دامية تزعزع الأمن والاستقرار وتدمر فرص السلام بين الدول والشعوب. في عالمنا العربي تتعثر لغة الحوار نظراً لغياب ثقافة الحوار التي تعتمد على روح وأخلاقيات جوهر الحوار والتسليم باختلاف وجهات النظر والاعتراف بأن لا أحداً يملك الحقيقة المطلقة.. وعندما تتعثر لغة الحوار تتحول جدلية الحوار إلى منهج للالتفاف والهروب ويغلب الربح والخسارة على مفهوم الحوار.. وتكاد تكون البرامج الحوارية المنتشرة في الفضائيات نموذجاً من عدة نماذج تتوارى خلفها نرجسية المتحاورين فما أن يحتدم النقاش ويبلغ الحوار ذروة سخونته يخرج الحوار من دائرة الأدبيات الأخلاقية وتحيد الأطراف المتحاورة عن خطوط الالتزام بقواعد وأساسيات لا يسمح بالخروج عليها.. كتبادل الاتهامات بالانحراف أو الخيانة.. تجريح الآخر والطعن في السلوكيات، وقد يصل الأمر إلى العراك بالأيدي والكراسي.. هذه صورة من صور الحوار العربي المجدب العقيم الذي يتحول فجأة إلى أداة من أدوات الصراع عوضاً عن أن يكون هدفاً لكشف الحقائق.. أو بلوغ نقاط التوافق أو القبول بالخلاف والاختلاف بنفس راضية تبني حوارها على مبدأ رأي صواب يحتمل الخطأ ورأيك خطأ يحتمل الصواب عالمنا العربي لا تنقصه لغة الحوار بل ينقصه روح الحوار بالمعنى الإيجابي حتى لا يتعثر ويتعطل ثم يفشل.. ينقصهوار المصارحة والمكاشفة واحترام الخلاف والاختلاف بعيداً عن النرجسية والمكابرة وروح التعصب والاستقطاب والتطرف.. فهل يمكن للعرب في ظل سيادة غوغائية حوار ونقاش يغلب عليه الصراخ وتبادل الاتهامات أن يقف نداً في حوار حضاري.. سياسياً وثقافياً واجتماعياً على مستوى العالم؟

zakia-hj1@hotmail.com

Twitter @2zakia

مقالات أخرى للكاتب