Friday 25/10/2013 Issue 15002 الجمعة 20 ذو الحجة 1434 العدد
25-10-2013

وماذا بعد أن يسقط النظام؟

يظل التَّحدِّي الكبير الذي دائمًا ما يواجه السياسة الأمريكية متمثلاً في: ما الذي يأتي بعد تغيير النظام؟

قد يسقط نظامٌ تراه أمريكا نظامًا معاديًا لها لكن تبقى المعضلة التي تواجه سياستها الخارجيَّة تكمن في إحلال نظامٍ بديل يكون حليفًا لها خاضعًا لتوجهاتها ومستجيبًا لضغوطها.. ولأن الحربَ سجالٌ ما بين إغراء التقوقع على الخصوصية والاحتواء الذي بدأت أمريكا تنتهجه مع الأزمات في الوقت الحاضر وبالتالي انسياق إلى عالميَّة يحملها اللا وعي

بكلِّ العيوب والأخطار.. يستمر مخططو السياسة الخارجيَّة لأمريكا في دوامة التفكير والتخطيط واستشراف الأبعاد المستقبلية لكل ما قد يواجه مصالحها وأهدافها أو يُخِل بإستراتيجية مشروعات لها في أيّ منطقة من مناطق العالم.

وبالرغم مما تشهده السياسة الخارجيَّة لأمريكا من تراجع على المستوى الدولي.. وبالرغم مما تعانيه من وضعٍ اقتصاديٍّ متأزم.. إلا أنها لا زالت تسعى للحفاظ على موقعها في قمة الهرم الدولي كقوة عظمى وحيدة من خلال استثمار الفرص السانحة أو صنعها في سبيل تعزيز هيمنتها وسيطرتها على الساحة الدوليَّة لهذا تبنَّت صياغة عرضٍ سخيٍّ لرسائل ضمنية ظاهرُها براقٌ ومصنفٌ على شكل مبادراتٍ تحت مسميات مختلفة كالتحوّل الديمقراطي.. التغيير.. التعهد بإجراء إصلاحاتٍ داخليَّة.. فتح صناديق انتخابات إلى غير ذلك من مسميات لعمليات هي من اختصاص السياسة الداخليَّة لكل دولة، وكل دولة تسن الأنظمة والقوانين الملائمة لها دون أيّ تدخل خارجي.. أما بواطن هذه الرسائل فكان عين السخط.. هيمنة على جغرافية الدول.. سيطرة وتحكم على ثروات الأوطان عن طريق نشر الفوضى الخلاقة.. تأكيد الغلبة لها على كافة المستويات والأصعدة لاسيما الإستراتيجية العسكرية.

لقد أعطت أمريكا من خلال السياسة الازدواجية التي تنتهجها مع كثير من دول العالم أكثر من مثال على هذه الازدواجية.. فهي دعوة إلى الديمقراطية وفي ذات الوقت دعم للهيمنة.. وثمة تجربة تاريخية ضرب فيها النظام الأمريكي الديمقراطية في عقر دار دولة بعد أن زرعها هذا النظام بنفسه وذلك عندما هُدِّدت مصالحُه في تلك الدَّوْلة وربما أيْضًا غيرته على كنز مدفون.. لا يريد لشعب أو دولة أخرى التمتع به هي تجربة كان للخداع الأمريكي دورٌ بطوليٌّ فيها.. فبعد هزيمة اليابان في الحرب العالميَّة الثانية رسمت الأصابع الأمريكية الوجه الآخر لهذه الدَّوْلة ففي عام 1947 م أملت الإدارة الأمريكية في ذلك الوقت دستورًا تحت مسمى (دستور السَّلام) وبإشراف جنرال يدعى (آرثر) ومن خلال هذا الدستور تَمَّ منح جملة حقوقٍ لشعبٍ عاش قرونًا في ظلِّ نظام فاشي قصم ظهره.. فاستقبل الشعب الياباني هذا الدستور بفرحة وبهجة غامرة فقد كان بالنسبة لهم بمثابة تحوَّل ديمقراطيٍّ حُرِموا منه قرونًا طويلة.. لكن لم يكد الشعب الياباني يستشعرُ نسائم الحرية حتَّى أعادت أمريكا الكثير من السياسيين المحافظين الذين لعبوا دورًا كبيرًا في الحرب، كل ذلك لتبقى اليابان قاعدة عسكرية في مواجهة الكتلة الاشتراكية.. ومنذ ذلك الوقت ظلَّ الشعب الياباني يعيش تحت قبضة حكمِ نخبٍ خانعةٍ خاضعة للسيادة الأمريكية تحمي مصالحها بديمقراطية مزيفة إلى نهاية الثمانينيات.. وبنفس النمط لم تجد السياسة الأمريكية صعوبة في تغيير النظم التي احتفظت بذيولها في دول شرق أوروبا وآسيا بعد انهيار النظام الشيوعي، إِذْ لم تكن الثورات المخملية التي حدثت في الدول الشيوعية سابقًا إلا طريقًا معبدًا لتدخلات خارجية تراوحت ما بين الإغراء والابتزاز لدعم المعارضين وأضعاف حكومات تلك الدول تمهيدًا للتغيير المزيف الذي قادته دول غربية برئاسة أمريكيَّة.. هذه هي أمريكا فاتنة الدول والشعوب أمرها بات مفضوحًا ولا يمكن توريته.. وما الديمقراطية التي تتبجح بها دون خجل سوى ديمقراطية الزيف والخداع لأحكام قبضتها على العالم.

zakia-hj1@hotmail.com

Twitter @2zakia

مقالات أخرى للكاتب