Saturday 16/11/2013 Issue 15024 السبت 12 محرم 1435 العدد
16-11-2013

مذكرات احتجاج

صنف من البشر، وهم قلة بطبيعة الحال، وفي تناقص مستمر نشأوا وتربوا على عشق اللجج والخصومة، وإثارة المشاكل والقلاقل داخل البيئات البدائية الصغيرة.هذا الصنف لا يهدأ له بال ولا يقر له قرار إلا بمعايشة أجواء الخلافات والنزاعات في كل محافظة، وفي كل قرية، وفي كل مركز.في كل مدينة من مدننا المتناثرة نماذج من هذا اللون. بعضهم يعتقد فيها شيئا من الوجاهة، وضربا من ضروب الزعامة، ووسيلة من وسائل لفت الأنظار، لتحقيق مصالح معينة.يدعون الوطنية، والسعي وراء المصالح العامة أحيانا.هذه الفئة قد يكون من ورائهم فئات أخرى (خلايا نائمة) ذكية كل الذكاء، لبقة كل اللباقة في ظاهرها، لكن همها وشغلها الشاغل التحريش بين العباد، ترفع مذكرات الاحتجاج الجماعية في جلائل الأمور وصغائرها، على مواقع الحدائق، وعلى مرافق الأجهزة الحكومية، وعلى الأسواق، وعلى مرافق الخدمات العامة، على مسميات المدن والقرى، على موارد ومراعي الماشية، على مدافن الموتى، على الطرق المزمع شقها، على لوحات الطرق. على مآذن المساجد، ومكبرات الصوت فيها.

- قبل ثلاثة عقود، أو أكثر كانت شؤون المدينة واحتياجاتها تدار بتلك الطريقة العشوائية، كان وجود تلك الفئة ضرورة ملحة، بهم وعلى أيديهم نالت مدنهم نصيبها من الخدمات، وسبقت نظائرها بالفعل كان لهم شرف التضحية، بالوقت، والجهد، والمال، وكان لهم شرف السبق، وحق الذكر والشكر، حيث كانوا يحدوهم الصدق والإخلاص والرجولة في كل خطوة يخطونها، وقد اختصروا على بعض المسؤولين الكثير من الإجراءات، باستجلابهم بعض الإحصائيات، والدقة في تصوير المشكلات، بل ويشكلون أحيانا ضغطا على المسؤول في حال تساهله وتقصيره، أو تلكؤه عن عمل ما. لم يكن هناك إعلام فاعل وسريع، لتصل المطالب والشكاوى والاحتياجات. فئة كانوا بالفعل يستحقون من يخلد أسماءهم في مدنهم بأي وسيلة، لا أن ينسف تاريخهم، أو يقابل صنيعهم في بعض الحالات بالجحود والنكران:

تعبتَ إذا استنظرت خيرا من الورى

ومستقطر السلوى من الصاب يتعبُ

- اليوم، نضجت مؤسسات الدولة، وأقرت أنظمة ولوائح، وخطط وبرامج استراتيجية مدروسة، قصيرة، أ وطويلة الأجل. هذه الخطط، تعتمد لغة الأرقام، وتراعي الشمولية، وتحقق التنمية المتوازنة بين كافة مناطق المملكة العربية السعودية، من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، أصبح هناك نوع من الشفافية والوضوح أكثر من السابق، أصبح المجال مفتوحا للنقاش، والأخذ والرد، والمساءلة والمحاسبة، فتقلصت إثر ذلك حدود الذاتية في اتخاذ القرار.

- تلاشى الاستنجاد بابن البلدة البار من المسؤولين، وتلاشى الاستنجاد بالوجهاء والأعيان إلا ما كان من إسهاماتهم الخاصة، لم يكن لإعداد الولائم، ونحر البهائم، وطرح المعاطف، وتقبيل اليد، والأنف، والرأس وغير ذلك من العادات الاجتماعية ذلك الدور المأمول في تحقيق الغايات والأهداف. كان لهذا الأسلوب التقليدي القديم ضريبته في بعض الأحيان على خزينة الدولة، حيث أنشأت بعض المرافق في مراكز وقرى شبه مهجورة، أو غير مهيأة للنمو، بل إن بعض تلك المرافق أصبحت تشكل تهديدا أمنيا على القاطنين من حولها، تعمر بالجان، بعد أن تعطلت منافعها، ونحن في هذا المجتمع تقل فيه درجة المحاسبية لمن كان سببا في مثل هذا الهدر.

- من الصعب أن نقول: إن تلك الظواهر والشخصيات انتهت من على الوجود، فلا يزال من نشأ وترعرع على تلك الطرائق يسير حتى ولو كان لوحده، يسبح عكس التيار المتحضر، تجده لسذاجته، وقصر نظره للحياة والأمور يؤلف الشكاوى الكيدية، ويؤلب غيره، ويصم بعض أفراد المدينة والعشيرة بالتخاذل، والتكاسل والأنانية، واختفاء مظاهر الرجولة، والمواربة، والمجاملة. لا يزال هذا النمط من حياته أحاديثه التي يعدها فاكهة مجلسه على مرارتها لبعض الحاضرين، ومن الطرائف أن بعضهم ألصقت به بعض الألقاب التي توحي بسلوكه في مجتمعه الصغير. هدى الله من بقي، وشفى من لازم المستشفيات والمصحات بسبب ذلك، وفك الله قيد من قبع بالسجون بسبب كلمة نابية، ورحم الله من طواه الردى، ووافاه الأجل.

dr_alawees@hotmail.com

مقالات أخرى للكاتب