Monday 16/12/2013 Issue 15054 الأثنين 13 صفر 1435 العدد
16-12-2013

لم ينقطع الحديث عن الشعر النبطي -3-

كان مما أشرت إليه في الحلقتين السابقتين وهج الشعر المنظوم بالنبطي على حساب الشعر المكتوب بالفصحى، وجعل المكانة الأولى للغة الإنجليزية. وفي هذه الحلقة، التي هي الختام، يتواصل الحديث.

في جميع بلدان العالم يحتاج العامل الوافد للعمل فيها إلى معرفة لغتها، ويضطر إلى استعمالها.

بل إنّ أكثر هذه البلدان يحتاج الذاهب لزيارتها؛ إنجازاً لمَهمَّة، أو سياحة، إلى التَّحدُّث بلغتها. وندر أن يوجد بين مواطنيها من يُحدِّث زائرها بغير لغته الوطنية إلاّ إذا رأى استحالة معرفة هذا الزائر بها. أما أن يكون المواطن - كما هو واقع في دول مجلس التعاون الخليجي - هو المحتاج إلى معرفة اللغة الأجنبية في بلده، وهو المضطر إلى استعمالها في تعامله مع الأجانب العاملين فيها، فأمر غريب كل الغرابة، مؤسف أشدَّ الأسف.

على أنّ الأَدهى والأَمرَّ من كل ما سبق أنّ اللغة الإنجليزية بدأت تَحلُّ محلَّ اللغة العربية في التدريس. فمن الجامعات في دول مجلس التعاون ما غُيِّر التدريس فيها من اللغة العربية إلى الإنجليزية في مختلف كلياتها؛ مثل جامعة الإمارات في العين. وفي المملكة العربية السعودية سُمِح للمدارس الخاصة أن يكون التدريس بغير العربية وإن كان الملتحقون بها عرباً؛ سعوديين وغير سعوديين. وطبيعة الأوضاع تجعل الإنجليزية هي اللغة المرادة. بل لقد نشأت جمعيات شبابية تنادي بأن تكون اللغة اليومية هي الإنجليزية.

أمِن الممكن علاج ذلك الوضع الغريب المؤسف؟

نعم. من الممكن ذلك متى سُلِكت الطرق الصحيحة للوصول إلى الهدف المنشود. ليس من اليسير تغيير النظرة الاجتماعية بين عَشيِّة وضحاها. فالإعجاب بالإنجليزية مأساة اجتماعية موجودة عند عامة الشعب كما هي موجودة عند عدد من القادة. بل إنّ من رجال التعليم الكبار من هو معجب بها إعجاباً يُستَغرب ويُستَنكر من مثله. وإذا كان المستعمر لبعض البلدان العربية سابقاً هو الذي كان يسعى إلى تعليم لغته في مدارس البلدان التي استعمرها، أو يجعلها لغة التدريس، كي ينشر ثقافته فإنّ من المواطنين - والمسؤولين عن مسيرة التعليم بالذات - من يسعون إلى تعليم اللغة الأجنبية في المدارس الوطنية من المراحل الأولى في سُلَّم التعليم، ومنهم من تَحمَّس لجعل التعليم بالإنجليزية في الجامعات والتعليم العام. ولذلك فإنّ الأمر يحتاج إلى جهود جَبَّارة واعية من جميع المخلصين لتصحيح المسيرة والوصول إلى موقف يجعل للغة العربية مكانتها اللائقة بها؛ إعزازاً وإجلالاً يَتمثَّلان في تفضيل استخدامها في كل مجالات الحياة، ويظهر الإعجاب والتشجيع لمن يجيدونها من الشباب بالذات. وموقف مثل هذا لا يعني أنّ تَعلُّم الإنجليزية لمن يحتاج إلى معرفتها أمر غير مهم. لكن يجب أن توضع الأمور في مواضعها الصحيحة المناسبة.

أما بالنسبة لاشتراط معرفة اللغة الإنجليزية للحصول على وظيفة في الشركات والمؤسسات غير الحكومية فَيتطلَّب حلُّها - إضافة إلى الجهود المتواصلة الجادة لإقناع المسؤولين فيها بعدم اشتراط ذلك - موقفاً حكوميّاً حازماً يمنع وجوده. فالقرارات التي أصدرتها بعض الحكومات لتعزيز مكانة اللغة العربية في المجالات المختلفة؛ ومن بينها التعاملات التجارية، غير كافية ما لم تُتَّخذ إجراءات حازمة لتنفيذها. وفي مؤتمر القمة العربية الذي عُقِد في الرياض اتَّفق المؤتمرون على دعم اللغة العربية والمراد - بطبيعة الحال - اللغة العربية الفصحى. لكن إذا كانت تَوجُّهات الحكومات ذاتها تبنِّي اللغات الأجنبية فالكارثة أَعظم وأَطمَّ. وهي بذلك تسهم إسهاماً واضحاً في تنفيذ الجانب الثقافي من أمركة منطقتنا العربية؛ سواء أدركت أبعاد ما تقوم به أو لم تدركها.

وهناك مسألة جديرة بالإشارة قبل إنهاء هذا الكلام؛ وهي الشعور السائد لدى كثير من الشباب بأنَّ قواعد اللغة العربية صعبة. وذلك بناءً على ما هو موجود في الكتب المدرسية. وهذا مما جعلها مادة ثقيلة على النفوس. ومن يتأمَّل ما في هذه الكتب يجد أنّ ذلك الشعور له وجاهة. فالمؤلِّفون حشروا تفصيلات لا داعي لها، ولم يوردوا من النصوص ما هو جميل جَذَّاب.

ومن ذلك - مثلاً - أنّ الخطأ المحتمل أن يحدث في نصب الاسم الذي موقعه حال، هو الحال المفردة؛ مثل جاء التلميذ إلى المدرسة ماشياً. لكن أقحم في القاعدة: أن تكون الحال مفردة أو جملة فعليَّةً أو اسميَّة أو شبه جملة. ومن المعلوم أنّ من كوَّن الجملة إن أخطأ بالجملة الفعلية؛ مثل جاء التلميذ يحمل كُتبَه فهو لم يعرف إعراب الفعل وفاعله، أو أخطأ بالجملة الاسميَّة؛ مثل دخل الأستاذ إلى الفصل والطلاب جالسون فهو لم يعرف إعراب المبتدأ والخبر. ولذلك فالأفضل أن يكتفى بتعليم الحال المفردة؛ وبخاصة في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة.

ومن المؤلم والمؤسف أنّ وزارة التربية والتعليم قرَّرت أخيراً كتباً في المرحلة الابتدائية غاية في السوء. ومن أَدلَّة سوئها أنها جعلت الأسئلة التي ترد بعد نهاية الدروس لا تبدأ بجمل تفيد السؤال؛ بل تستعمل الفعل المضارع، فيقال: “أَرسمُ خريطةَ المملكة” بدلاً من ارْسم خريطة المملكة. ولو استُخدم فعل الأمر كما يستعمل في كل لغة لكسب التلميذ معرفة ضمير المخاطب؛ مفرداً ومثنى وجمعاً مُذكَّراً ومؤنَّثاً. لكن باستعمال المضارع حُرِم من معرفة قواعد مُهمَّة. ومن المؤلم أنّ وزارة التربية والتعليم في المملكة العربية السعودية و وزارة التربية والتعليم في مملكة البحرين قد تبنَّيتا برنامجاً مستورداً من أمريكا، لكن من يقارن الكتب المقرَّرة في كُلٍّ منهما يجد أنّ كتب البحرين أَقلُّ سوءاً من كتب وطننا العزيز.

ومن المؤلم والمؤسف ما يقع من أخطاء لغوية يرتكبها المذيعون. ومن ذلك أنّ النادر منهم يُعبِّر عن وجود إنسان في مُعيَّن بقوله: “في أثناء تواجده في ذلك المكان”. وهذا كان ممن له الفضل في إيضاحه مراراً وتكراراً الشيخ علي الطنطاوي، رحمه الله تعالى، وأوضح أنّ كلمة توجد من الوَجْد، لا من الوجود. ومن ذلك التعبير عن “ومن ثَمَّ” بفتح الثاء؛ وهو الصحيح، بالقول “ومن ثُمَّ” بضم الثاء؛ وهو خطأ. وغير ذلك كثير. ومن ذلك أنّ مدير جامعة في دولة من دول مجلس التعاون افتتح في مؤتمر بكلية الآداب بجامعته، فكانت كلمته باللهجة العامية.

لا أدري إلى أين نحن مسوقون بالنسبة للغة العربية، التي ندَّعي دائماً أننا حماتها.

حَقَّق الله للغة العربية، التي أَنزل بها وحيه الكريم على سَيِّد خلقه العربي الأمين، كل ما يَتمنَّاه المخلصون لعروبتهم ودينهم من إعزاز وإجلال، وحَمَى كيانها من كل ما يحيط بها من مخاطر.

مقالات أخرى للكاتب