Wednesday 25/12/2013 Issue 15063 الاربعاء 22 صفر 1435 العدد
25-12-2013

تحرير تعليم البنات من قبضة المتطرفات!

مشكلة التعليم “فكرية” بالمقام الأول، وعلى مدى عقود سابقة تسلم سدة هذا القطاع رجال من أهل الفكر والإصلاح، إلا أنه لم يكن من السهل عليهم غربلة هذا القطاع الذي تجذّر فيه الفساد الفكري، والذي كان نتيجته ما نراه اليوم من “سطحية” أتت بشكل بارز كأحد أهم مخرجات التعليم. لذا ولأكون أكثر صراحة فإن مشكلة القيادات التربوية السابقة التي تبوأت مقعد الوزارة هي عدم وجود شجاعة كافية لمواجهة المشكلة الحقيقية، وهدمها وإعادة بنائها على أرضية سليمة، فكانت محاولات البناء والإصلاح قائمة على نفس الجرح الغائر بلا تطهير ولا معالجة عميقة، وعلاج هذا القطاع ينبغي أن يهدف إلى التحفيز الاجتماعي والاقتصادي، وما ينطوي تحت هذا من مجموعة أفكار تنموية لأجل المستقبل، تبني الإنسان أولاً، فإن تحققت كافة أركان هذا البناء، فسيكون المُنتج هو البناء الوطني على أساس سليم.

إن خبر تعيين الأمير خالد الفيصل وزيرًا للتربية والتعليم، وقع على التيار المتطرف بمثابة الضربة القاصمة، لأنهم يدركون جيدًا أن هذا الرجل لا يُجامل فيما يجلب الضرر لهذا القطاع، ولن يُحابي أفكارهم المتطرفة وأنشطتهم الهدامة.. لن أقف عند هذه الفئة لأنها أقل من أن تكون همًا يسكننا، فالمستقبل أهم من الوقوف على أفكار دعاة الهدم. والمستقبل التعليمي يحتاج باختصار أجيالاً مثقفة بوعي عميق، تتخرج من الثانوية العامة بحصيلة تاريخية قادرة على معرفة الأبعاد التاريخية للدول والأفراد وربطها بالواقع والأحداث، أيضًا يحتاج النشء إلى الدراسة الفلسفية ومعرفة أبرز فلاسفة الدول العربية والغربية، وحضارات الأمم، فهي الداعم لرفع درجة الوعي، وصياغة الأفكار المجتمعية القادرة على حل المشكلات بعين فاحصة للسلوكيات الفردية والاجتماعية.

واللغة الإنجليزية الضعيفة لا بد من مراجعتها، فخريج الثانوية العامة لا يستطيع تكوين جملة، بينما في دول الجوار خريج الثانوية من مدرسة حكومية يتحدث الإنجليزية بطلاقة. أما تعليم البنات فهو بحاجة إلى خطة طوارئ عاجلة، شكلاً ومضمونًا، فمن حيث الشكل، فإن تسمية مدارس البنات بأرقام تشبه السجون والسجناء، لم يعد أمرًا مقبولاً، أيضًا إعادة النظر في المباني التي هي بعيدة كل البعد عن البيئة التعليمية ولا تشبه سوى القلاع المخيفة وبيوت الأشباح، كذلك تحرير تعليم البنات من سيطرة الصحويين، حيث أعتقد أن هذه الأفكار هي مسيطرة على تعليم البنات منذ أيام الصحوة ولم تجد خلال السنوات الماضية أي انتفاضة -جادة- تُطهرها، ولو نظرنا إلى الشكل فإن ممارسة الإيذاء النفسي تجاه الفتيات الصغيرات في مرحلة الابتدائية من خلال ارتدائهن عباءات طويلة وفضفاضة من الرأس إلى القدمين هو أمر يعتبر من أبرز أنواع العنف تجاه طفلة لم تصل إلى السن الذي أمر فيه الله -عز وجل- المرأة بارتداء الحجاب، فما بالك أن يكون بهذا الشكل الذي يعرقل حركة الأطفال وكم سمعنا عن حوادث دهس حصلت عند المدارس بسبب هذه العباءة التي لم تعرفها مدارسنا إلا بعد الغزو الفكري الصحوي؟!

أيضًا سيطرة الجماعات النسائية المتطرفة على النشاط اللا صفي، وهذا الأمر مسكوت عنه منذ سنوات ولم يجلب لنا إلا الويلات، فبناتنا بحاجة إلى أنشطة تحفز لديهن حب الحياة، ويتذوقن فيها جمالياتها، فبدلاً عن أنشطة الموت نريد أنشطة تبعث على الحب والتسامح. وفي سياق تعليم البنات لا بد من الإشارة إلى أهمية التركيز على تعليم ما قبل المرحلة الابتدائية، وجعله إلزاميًا لكونه هو بداية بناء لبنة الإنسان، وكذلك إيجاد دور حضانة في كل مدرسة وقطاع نسوي تعليمي، لتشعر المعلمة بالراحة في وضع طفلها بمكان آمن وقريب منها.

المطلوب من وزارة التربية والتعليم استراتيجيات جديدة تُركز على فكر الإنسان وتطويره، والتغلب على التحديات الوعرة من خلال تنفيذ برنامج إصلاحي شامل، يبدأ من الراحة النفسية للمعلمة والمعلم، وتحفيز المعطاء منهم ودعمه، والاستغناء بلا مداهنة عمن يحاول عرقلة هذه المسيرة!

www.salmogren.net

مقالات أخرى للكاتب