Saturday 04/01/2014 Issue 15073 السبت 03 ربيع الأول 1435 العدد
04-01-2014

الوطن أولاً..!

الوطن أولاً؛ لأنه مظلة الجميع، وخيمة الجميع، وحضن الجميع؛ الوطن من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه هو خيمتنا وأمننا الذي ننعم به، هو بيتنا الكبير الذي نفئ إليه، هو شجرتنا الوارفة التي تحنو علينا بظلها وثمرها وماء الحياة المتدفق في جذورها وأغصانها!

الوطن أولاً؛ لأننا بلا وطن سنكون بلا ملجأ ولا مأوى ولا ظل ولا دفء أمن ولا ماء حياة ولا انتماء ولا جذور ولا أغصان!

الوطن أولاً؛ بلا عصبيات ولا قبليات ولا طوائف؛ لأنها جاهلية منتنة كما حذر منها رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.

الوطن أولاً؛ لأننا بلا وطن موحد وقوي متين البنيان سنكون غرباء غريبين لا على الغير؛ لا بل على الأقربين المقربين أيضاً!

ونحن بلا وطن موحد قوي متين البنيان؛ سندخل لا في حرب مع الآخرين؛ بل مع أنفسنا، مع أنفسنا نحن، فكم ستتواجه قبائل، كل قبيلة تدعي أنها ذات المحتد الأصيل والتاريخ المشرف العظيم والمجد المؤثل، ثم ستنقسم القبيلة على نفسها؛ فيدعي كل فخذ أنه الأكثر أصالة والأولى باعتلاء قمة المجد والشرف والبطولة!

ونحن بلا وطن موحد قوي متين البنيان؛ سندخل في حروب وصراعات دينية ومذهبية بين جماعات وطوائف وأحزاب وتيارات؛ كل تيار ونحلة وملة يدعي أنه الأزكى والأتقى والأنقى والأقرب إلى الله؛ فيتقرب بخصومه إلى الله ويدعي أن ما يقترفه جهاد يدخله الجنة مع الحور العين، فلا يعرف مع اضطرام نار الفتنة - أعاذنا الله منها - الصالح من الطالح ولا التقي من الفاجر ولا المجاهد من المجرم ولا العميل الخسيس من الوطني الصادق!

وفي هذا الوقت الصعب؛ في هذا الوقت الذي تتفكك فيه أوطان وتتمزق وتتشقق، وينفصل كل جزء منها عن الآخر أو يدعو إلى ذلك ويعمل من أجله ثم يدخل هذا الجزء المنفصل أو ذاك في حرب مع فصائله وطوائفه وقبائله؛ يدخل في حرب مع نفسه!

الوطن أولاً؛ في هذا الوقت الصعب؛ في هذا الوقت الذي تتفكك فيه أوطان وتتمزق فيه بلدان وتتشقق فيه جغرافيا وتتشاق فيه شعوب إلى قبائل وطوائف وأقاليم ينفصل بعضها عن بعضها أو يدعو إلى ذلك ويعمل من أجله ثم يدخل هذا الجزء المنفصل أو ذاك في حرب مع فصائله وطوائفه وقبائله؛ يدخل في حرب مع نفسه!

في هذا الوقت العربي الصعب؛ وقت انهيار أو يقظة الأحلام العربية بعد طول يأس، لم نعد نعلم أهي يقظة أم هي حالات انتحار مدفوعة التدبير والثمن؛ في وقت الربيع الذي لم يورق أبداً؛ بل غدا خريفاً أصفر ساحقاً ماحقاً، ليس صلة بلون الربيع ولا نكهته؛ بل بلون الدم ورائحة البارود؛ في هذا الوقت المتفجر الصاخب الغاضب الناقم المشرد نقول: الوطن أولاً!

ها هي البقاع تتحول إلى رقاع!

وها هي المدن تحترق!

وها هي الشعوب تفترق!

بلدان كانت آمنة مستقرة تحولت بعل الربيع الحارق المارق المدبر إلى أشلاء؛ تحولت إلى ركام، تنازعت وأصبح الإقليم يواجه الإقليم والمدينة تحارب المدينة والقبيلة أو التيار تتنازع مع القبيلة أو التيار؛ من تونس إلى مصر إلى ليبيا إلى السودان إلى اليمن إلى سوريا إلى العراق وأخيراً إلى لبنان!

أمامنا ربيع بنكهة الدم والبارود والخراب والتشتت والآلام والبؤس والمجاعة؛ فهل ثمة نداء يمكن أن نطلقه في هذا الوقت العصيب سوى أن نقول: الوطن أولاً!

الوطن أولاً قبل العصبيات والقبليات والمناطقيات والأنساب والأحساب والمذهبيات والتحزبات!

ومع كل ما يحدث من آلام وبؤس هذا الربيع الحارق المارق الآن من الغباء أن نجد بيننا في المملكة العربية السعودية من يرفع صوت القبيلة أو الطائفة أو المذهب أو الإقليم عالياً فوق صوت الوطن الواحد القوي المتين البنيان!

moh.alowain@gmail.com

mALowein@

مقالات أخرى للكاتب