Sunday 19/01/2014 Issue 15088 الأحد 18 ربيع الأول 1435 العدد
19-01-2014

التعليم والتسييس

نشر التعليم العام في أي موقع عادة يحمل معه التطوُّر.

ربما لو عرف المستعمرون أهمية ما سيحدث لاحقاً زمنياً في حقبة توحيد الجزيرة واكتشاف النفط وتصاعد أهميته وقوداً للناقلات البرية والبحرية والجوية ولتسيير المصانع في الدول الصناعية، بعد الانتقال من الفحم إلى النفط، لجاء تاريخ المنطقة مختلفاً.

للاستعمار ما له وما عليه. المستعمرون لم تجذبهم صحارى قلب الجزيرة، وغالباً الاستعمار يفرض الانفتاح، ويسرع التطوُّر. وقلب الجزيرة افتقد ذلك. وربما كانت منطقة الخليج حظيظة بأن خروج الانتداب البريطاني من المشيخات المتصالحة جاء بالتراضي والتفاهم واستفتاء أهلها المواطنين، وليس عبر ثورة دموية أو انقلاب كما حدث في العراق وإيران. بينما منطقة الحجاز عامة عرفت الانفتاح ثقافياً لوجود الحرمين فيها وتوافد الحجاج واستقرار بعضهم نهائياً قرب مكة، إضافة إلى وجود الموانئ البحرية على البحر الأحمر؛ ما جعل أهلها تجاراً يرحبون بجالبي البضائع وبالمشترين. أما السروات وتهامة فمنطقة عسرة التعامل إلا بين أهلها وقبائلها؛ إذ حمتها الجبال المرتفعة من أطماع الغرباء.

ومع هذا، فالسعودية، التي رحبت بكل من جاء من الجيرة العربية وغير العربية لاجئاً رفضته سلطات وطنه الأم لأسباب سياسية، لم تسلم بعد حين من تسييس هؤلاء، واستقطابهم لمتابعين محليين موالين، انجذبوا لأطروحات تتدثر بالدين وتستر طموحات سياسية مشبوهة ومرفوضة. والطبع يغلب التطبع المظهري، والأتباع عادة يزايدون ويغالون أكثر من معلميهم.

والتعليم، سواء في المدارس أو المساجد، هو البوابة الرئيسية لضمان التطوُّر المجتمعي والاقتصادي والتنموي، وهو أيضاً كعب أخيل وحصان طروادة الذي يتسلل منه المؤثرون على عقول وعواطف العامة. إصرار المؤسس على ضرورة التعليم ونشره للاستقرار والتحديث استغله كثغرة مَن حرَّفوا توجه التعليم عن هدف التحديث، إلى تهميش التطور، وتصعيد التسييس، عبر التركيز لاحقاً على الفروق العقدية والتفرقة المذهبية، والتكفير والإقصائية والتشكيك في شرعية الحكم.

خلال عقود قليلة من توحيد الجزيرة، واكتشاف النفط، وتدفق المرفوضين من أوطانهم العربية المجاورة، واستقطابهم لنشر التعليم، والتوجس من الثورات الدينية والتوجهات القومية والشيوعية والبعثية في الجوار، شوه الإطار التعليمي محلياً لينحرف دافعاً في اتجاه لم يحسب حساب نهاياته.

منذ الستينيات تجذرت بذور الصراع على الوجهة - بتأثير الدفع الخارجي والداخلي - وأمست غابة من أشواك التجهيل والتضليل تشوه ثمار التطور المطلوب.. إذ انحرف مسار مؤسسة التعليم من التركيز على المهارات المتنوعة المطلوبة للتنمية، ومنها المهارات التطبيقية، إلى التركيز على تلقين العلوم النظرية، والتفاصيل الإقصائية.

تسلل المناهج الخفية بهدف قولبة الكل بقالب واحد يمنع التنوع. ولدت حساسية وتعارضاً واضحاً مع المتقبلات الأصل لأهالي كل منطقة قبل تأسيس الدولة الحديثة.. وأنتجت كثيراً من الإرباك في مشاريع تطوير المجتمع لتبقى مختطفة ومختزلة حتى في مؤسسة التعليم، وهي أهم مؤسسات البناء.

قصرت نتائج التعليم عن أهدافه المعلنة حين اختصر التعليم في التلقين، ومع الزمن تصاعدت نسبة المحتوى الداعي إلى الغلو والإقصائية، ومن ثم تكثفت المساعي غير الرسمية، ونجحت في استقطاب كثير من النشء للمشاركة في «جهاد التدمير» بدلاً من «جهود البناء» و»وطنية الانتماء».

نتابع التأمل في مسيرة التعليم في حوار لاحق.

مقالات أخرى للكاتب