Monday 27/01/2014 Issue 15096 الأثنين 26 ربيع الأول 1435 العدد
27-01-2014

التَّرجَمَةُ الميِّتةُ واستدراكٌ على مقارناتٍ سابقة ضمن كتابي عن (رباعيات الخيام): 3-10

قال أبو عبد الرحمن: الرباعية التي اخترتها للمقارنة، ولم أُبَيِّن أوجه اللقاء والاختلاف بين ترجماتها مضى منها ترجمة العُريِّض، وترجمة الصافي، وترجمة جميل الملائكة، وترجمة علي محمود طه.. وأضيف الآن ترجمة مصطفى وهبي التل ص 99، وقد أورد بعدها مباشرة النص الفارسي، وهذا نصها:

(لقد كان الليل والنهار قبل أن أكون أنا وأنت.

وإنَّ لدوران هذه العوالم غاية.

خفِّف الوطء فما يدرينا أن هذا التراب الذي ندوسه الآن.

ليس بتراب عينٍ ناعسة).

ويقابل ذلك النص الفارسي:

(پيش از من وتو ليل ونهارى بوده است

گـردنده فلـك براى کارى بوده است

زنهار قدم به خاك آهسته نهى

كآن مردمك چشم نگارى بوده است).

وهكذا ترجمة صالح الجعفري ص 96 و97 بنصيها العربي والفارسي..

قال:

ذراتُ تراب أرضنا قدْ كانتْ

أقمارَ وجوهٍ فاتناتٍ غيدِ

لا تقْسُ على غبارِ خدَّيك فذا

أصداغُ وخدُّ ذاتِ دَلٍّ روْدِ

ويقابل ذلك النص الفارسي:

هر ذره که در خاک زمينى بوده است

پيش از من وتو تاج ونگننى بوده است

گرد از رخ نازنين بآزرم فشان

کانهم رخ خوب نازنينى بوده است

ويشبه هذه الرباعية ترجمته الأخرى ص 162 و163:

ذراتُ ترابِ أرضِنا قدْ كانتْ

تاجاً لمليكٍ وغوالي دررِ

بالرفق أزلْ غبارَ خدَّيك فذا

ذرات خدودٍ ومحيَّا نضِـرِ

ويقابله النص الفارسي نفسه بلا اختلاف، وهو:

هر ذره که در خاک زمينى بوده است

پيش از من وتو تاج ونگينى بوده است

گرد از رخ نازنين بآ زرم فشان

کانهم رخ خوب نازنينى بوده است

ولا معنى لترجمة نصٍّ واحد مرتين إلا أحد احتمالين: إما أنه غفل عن حرفية النص الثاني الذي ترجمه أولاً؛ وذلك هو الأرجح، وإما أن يكون أقلقه اختلال موسيقى القافية في الترجمة الأولى بين (غِيدِ) بكسر الغين المعجمة، و(رَوْدِ) بفتح الراء المهملة، ولو طاوع الجمع بضم الراء لكانت الواو من الحروف الصوامت (أي المد، وتُسَمَّى الهوائية)؛ فتكونُ مناسبةً حرفَ المدِّ في (غِيْدِ).

والنص الفارسي الذي ترجمه أحمد الصافي النجفي بخلاف النص الذي أورده الجعفري، ونص النجفي مكتمل المعنى عن عموم ذرات الأرض، وكونها من وجوه تُشْبه الشموس ذات البهاء [وتعدُّد الشموس بتعدُّد الوجوه؛ لأن المُراعَى في التعدُّد المُشَبَّهُ لا المُشَبَّهُ به].. وهو يطلب جلاء الغُبار عن وجهه برفق؛ لأنه خدٌّ لكاعب حسناء؛ فترجمة الصافي النجفي مكتملةُ المعاني، جميلة الأداء؛ ولا غرابة في ذلك؛ فالصافي أديب شاعر فنان في اللغة العربية، مُـجيدٌ الفارسيةَ، ولا أستبعد أن يكون فنَّاناً في آدابها.. وأما ترجمة الدكتور جميل الملائكة فهي ناقصة مُختَلَّة؛ فتكون من قَبيل ما سيأتي عن استلهام مُجْمَل المعنى، وربما أنه استلهمه من ترجمة أو ترجمات، ولم يُترجم نصاً فارسياً مباشراً؛ فذكر الرفق بنفض الأردان بينما النص الخيامي عن الرفق بإزالة الغبار عن الخد، وزاد كلمة (صاح) وليست نصَّاً خيَّاميَّاً، ولم يذكر الخبر عن جميع ذرات الأرض، وذكر أن الغبار كان بالأمس وجه حسناء في مراح الشباب؛ وإنما ذكر الخيام أن الذرات نفسها لا غبارها كانت أوجهاً كالشموس ذات بهاء، واستغنى بعموم دلالة (كانت) عن خصوص دلالة (بالأمس) التي أقحمها جميل الملائكة، والغبار نفسه خد لكاعب حسناء بصيغة الخبر الآن، وعند جميل بصيغة الخبر عن الأمس، وأورد (وَجْهَ) بدلاً من (خَدِّ)، وجاء بمراح الشباب بدل الكاعب.. وعندي أن ترجمة الصافي في منتهى الروعة من جهة أنها ترجمة مباشرة وليست استلهاميَّةً، ثم هي مطابقةٌ المَعانيَ كلَّها بجمال أدبي.. وهكذا ترجمة على محمود طه - وهو فنان عربي رومانسـي رائد بلا ريب - ولكن نَصَّه الذي أوردتُه، وهو:

اَلْيدُ البيضاءُ من كلِّ الغصونْ

زهرةٌ تَنْدَى ونَوْرٌ يُشرِقُ

والثرى من نَفَسِ الرُّوحِ الحنونْ

مهجةٌ تهفو وقلبٌ يخفقُ

ليس ترجمة لرباعية مُعَيَّنة من نص فارسي مباشر، وإنما هو استلهام مُجْمَلٌ من عدد من الرباعيات لا يُعَبِّر عن حقيقة تخيُّلات الخيام، وإنما قَرَّبه من ترجمة الصافي اجتزاؤه مجمل المعنى في البيت الثاني باستلهامٍ يبعد عن مراد الخيام بخطوات كثيرة.. ثم إن هذا العندليب الرومانسي العربي الرائد عَثَر هذه المرة؛ فلم يبهرنا باستلهامٍ إجماليٍّ جميل.. وهكذا ترجمة إبراهيم العُريِّض، فهي استلهامية مُجْمَلة.. إلا أنها استلهامية بَغِيضة إذْ قلبت معنى التخيُّلِ الخيامي، ولم يكن أداءُ العريض ذا بهرٍ جمالي؛ فكلمة (صدقتك) من كيس العُريِّض وليس فيها تحفة فكرية أو جمالية، وقد أضمر من غير سابِق ذِكْرٍ ما أظهره الخيام في (ذراتها).. و(حيرة الشمس في ذاتها) جملة لا وجود لها في النصِّ الخيامي، بل هي تبديل للصورة الجميلة بخلاف المعنى الذي جاء به العريض بديلاً، وتلك الصورة هي قول الخيام (أوجهاً كالشموس ذات بهاء)، ثم إن (ذات) من المُوَلَّد الدخيل على أنها بمعنى (نفس الشيئ)، وليس لها أي وجهٍ صحيح من لغة العرب؛ ولهذا كنتُ أُعيد تصحيح ما كنتُ كتبته سابقاً من استعمال (ذات) بمعنى (نفس) اتِّباعاً للخطإ الشائع قبل أن أمتحن هذا المَعْنى بخبرة لغوية، وقول العريض:

فلا تجل عن خدِّ حسناء ذرَّاً

أَمَا هو خدُّ نظيراتها

لا يلتقي مع صورة الخيام الجميلةِ ألبتة، وهي:

أجلُ عن وجهك الغبار برفقٍ

فهو خَدٌّ لكاعبٍ حسناءِ

فذرُّ العريِّض مُبْهم، وهو عند الخيام غبار من ذرات الأرض، ولم يَنْهَ الخيامُ عن جَلاء الذَّر من خدِّ حسناء؛ وإنما أوصى المُخاطَب أن يجلوَ الغبار برفق من خده هو لا من خدِّ الحسناء، والاستفهام بجملة (أما هو خد نظيراتها ؟) من كيس العريض؛ إذن فقد عجن العريض رباعِيَّة الخيام بأخلاط عجيبة غريبة؛ فلم يُبْقِ لنا من الخيام شيئاً، ولا عُذْرَ للعريض في هذا العبث، لأن رباعيات العريض تحمِل عنوان الترجمة لرباعيات الخيام.. ولا عذر له لو كان مُـجَرَّدَ مُسْتَلْهِم؛ لأنه لم يستلهم في هذه الرباعية من الخيام شيئاً.. وعلي محمود طه معذور من جهة أنه لم يَدَّعِ أنه مترجم، بل صرَّح بأنه مُسْتلْهم، وإنما المؤاخذة في هذه الرباعية ما أسلفته ولا سيما استلهامُ مجملِ الصورة الذي يكون بلا تبديل.. وترجمة الصافي نموذج مثالي للترجمة الأمينة المستوعِبةِ كلَّ جزئيات الصورة بأداء جميل؛ وإنما كان عنده شيئ من عجزِ القادرين على التمام؛ وذلك أنه لم يذكر ولو شطراً على البحر الفارسي مفصولةً نِسَبَه اللَّحنية، مرموزاً لأنغامها ونبْرها عوضاً عَمَّا لا يقدر عليه إلا (النوتة).. وأما ترجمة مصطفى التل النثرية فبمقابلتي صور كلماتها الفارسية بالنص الفارسي عند الصافي وجدت تقارباً كثيراً بين النصين، واختلافاً يسيراً جداً؛ وبما أن الصافي أمكن في اللغة الفارسية، وبما أنه شاعر فنان: فالاختلاف اجتهاد في إحلال بعض المفردات الفارسية باجتهاد منه على الاحتمال الضعيف، والأرجح أنه ترجمة لرباعية مُشابهة فيها ذكر الليل والنهار والدوران، وباقي النص لغته عامة مُغايرة ليس فيها الصورة الكلية.. ثمَّ تبيَّن لي الآن أننا خلطنا بين رباعيَّتين كما سيأتي تفصيله إن شاء الله .. والرباعيات المنسوبة إلى الخيام كثيرة جداً، والمحقَّقُ منها قليل، وفي المحقَّق تكرار وتشابه، ولعله أنْ تتاح لي فرصةُ المُقارنةِ بين رباعيات الخيام الأخرى المخالفِ رسمُها في النصِّ الفارسي النصَّ الفارسيَّ الذي ترجمه الصافي.

قال أبو عبد الرحمن: وأما غفلة الصالحين فهي إقحامي مع الأستاذ عبد الله الماجد ترجمة أحمد رامي لرباعية أخرى في الرباعية السابقة، وهذا نصُّ ترجمته:

وكم توالَى الليلُ بعد النهارْ

وطال بالأنجم هذا المدارْ

فامشِ الُهوينَى إن هذا الثرى

من أعينٍ ساحرةِ الاحورار

وقد وردت هذه الرباعية المُترجمة عن الفارسية مباشرة برباعيات الخيام لأحمد رامي ص 24، ولم يُذكر عن هُوِيَّة الطبع والنشر سوى جملة (من الشـرق والغرب)، ومصادره ص 67 - 70 ثرية، وانظر الطبعة التي نشـرتها مكتبة غريب ص 34، وانظر رباعيات الخيام للدكتور عبد الحفيظ ص 124 - 153 عن معاناة رامي ترجمة الرباعيات منذ عام 1923م، ومنهجه في الترجمة، وما وُجِّه إليه من نقد.. وأهمُّ ما في هذا النقد إهمالُه الوزن الفارسي الذي نُظمت عليه الرباعيات.. قال الدكتور عبد الحفيظ ص 151: «وقد أخذ المازني على رامي أيضاً أنه لم يتقيَّد بالبحر الذي أجرى فيه الخيام هذه الرباعيات.. وقد ردَّ رامي على ذلك، وعلل عدم تقيُّدِه بالبحر الذي أجرى فيه الخيام الرباعيات بأنه بحر معدوم في العربية، واحتج بأن المترجمين قبله لم يأخذوا على أنفسهم أن ينزلوا على حكم البحر الذي ترجموه للشعراء، وكان مما قاله رامي في رده: (أما مقارنة حضـرة الكاتب ترجمة (فتزجرالد) أو بالأحرى ترجمته له بترجمتي فشيئ لا أرضاه بعد أن أوضح للمتأدبين أن (فتزجرالد) كان يترجم الرباعية إلى نثر، ثم يحيل هذا النثر شعراً ينظر فيه على أذواق القارئين وتمشِّـي المعاني مع اللغة الإنكليزية، وبعد أن قال ناشر ترجمته في نسخة (توخنز): (إنه أباح لنفسه حرية شديدة في عدم التقيد بالأصل).. وقد أضاف رامي قائلاً: ولئن راق للمازني (فتزجرالد) نقلاً عن الفارسية فلن يروقنا ما ترجم هو نفسه من الرباعيات الإنكليزية، ولن يعطينا صورة عن الخيام الذي شُوِّهت رباعيته في ترجمتين متتابعتين «.

قال أبو عبد الرحمن: الأبلغ أن تكون الرباعيات على وزنها الفارسي؛ لتكون الترجمة إضافة إلى التراث العربي من جهة الوزن، ولا يُسوِّغ إهماله أن هذا الوزن غير موجود في العربية؛ لأن الأوزان العربية مأثورٌ تاريخيٌّ لأمة معيَّنة، وقوالب الألحان أعمُّ في التراث الإنساني، ولأن القصد من الترجمة نقلُ مأثور غيرنا؛ وإنما يسوغ استبدال الوزن حينما تكون الترجمة انتقائية تستلهم عموم المعنى، وتضيف إليه حسب الذائقة العربية؛ فيكون المترجم شريكَ الشاعر في الأداء الفني.. والعرب بحاجة إلى إثراء قوالب ألحانهم (الأوزان)، وإلى التفنُّن في الأنغام والنبر، وضبط مسافات الألحان والأنغام زماناً وموقعها مكاناً، ووضع رموز على النبر مع بيان إيضاحي، وهذا مهمة ضرورية للمترجم بصفته مُـحَقِّق مخطوطات؛ فإذا راق للأديب العربي الترجمة إلى قالب لحن على ذوق بني قومه فلا بد أن يستعين بذي خبرة يورد شطراً أو بيتاً بالصفة التي أسلفْتُها مِـمَّا لا يستطيع إدراكه إلا قارئُ النوتة.. والنص الفارسي لترجمة رامي جاء بهذه الصيغة عند الدكتور عبد الحفيظ ص 144 /حاشية:

پيش از من وتو ليل ونهاري بوده است

گردنده فلك نيز بكارى بوده است

برجاكه قدم نهى تو بر روي زمين

آن مردمك چشم نگارى بوده است

أورد هذا النصَّ الفارسيَّ من كتاب (رباعيات حكيم خيام نيسابوري) لمحمد علي فروغي والدكتور قاسم غني طبع طهران عام 1321هـ، وقد تكلم عبد الحفيظ عن هذا الكتاب ص 48، ورجعتُ أيضاً إلى كلامه عن نسخة كمبردج التي أطال عبد الحفيظ الحديث عنها ص 49 - 52.. ثم قال عبد الحفيظ ص 144 - ويظهر لي أن الترجمة من عَمَلِ فروغي وزميله -:

قبلي وقبلك كان ليل ونهار

والفلك الدوار أيضاً كان في دوار

فحيثما تضع القدم على سطح الأرض

هناك إنسان عين لمعشوقة نوار

ترجمها رامي بقوله:

وكم توالى الليل بعد النهار

وطال بالأنجم هذا المدار

فامش الهوينى إن هذا الثرى

من أعين ساحرة الاحورار

وعلى الرغم من شاعرية ترجمة رامي للرباعيات فإنه يبقى للرباعيات الفارسية بلاغتها وروحها؛ فنجد فيها التقرير الهادئ والتشويق؛ فتبدأ بالظرف مبهماً، ثم يُكمل العبارة بقوله: (كان ليل ونهار).. والخيام يبدأ بنفسه في قوله (قبلي وقبلك)؛ فيُخضع نفسَه للحكم؛ ليحمل السامع على تصديقه.. والشاعر في الرباعية الفارسية لم يأمرنا بتخفيف الوطء، وإنما عرض لنا القضية وترك القارئ يختار.. والثرى عند الخيام (إنسان عين معشوقة حسناء)، وعند رامي (من أعين ساحرة الاحورار)، وإنسان العين مثل سويداء القلب؛ فتصوير الخيام أعمق وأقوى «.. وقال الدكتور عبد الحفيظ ص 304 - 306 ذاكراً النص الفارسي وترجمتَه، مُعلِّقاً على ترجمة رامي، ذاكراً على التوالي ترجمة النجفي والزهاوي وأبو شادي والصراف والحيدري وعبد الحق فاضل والطرازي، وأورد النص الفارسي هكذا:

پيش از من وتو ليل ونهارى بودست

گردنده فلك نيز بكارى بود است

زينهارى قدم بخاك آهسته نهى

كأن مردُمَكْ چشم نگارى بود است

وهذا النص الفارسي عن فروغي وعن نسخة فارسية نشـرها الباحث الألماني فريد ريخ روزن عام 1304هـ، وتحدث عنها عبد الحفيظ ص 46 - 48، والترجمات العربية كما يلي: قال النجفي:

كَانَ يَبْدُو قَبْلِي وَقَبْلَكَ صُبْحٌ

وَدُجىً وَالسَّمَا تَدُورُ لأَمْرِ

طَأْ بِرِفْقٍ هَذَا التُّرَابَ فَقِدْمَاً

كَانَ إنسان عَيْنِ ظَبْيٍ أَغَرِّ

والذي ورد في الطبعة (وقبلك صنج) بالنون والجيم، ولا معنى لها.. وقال الزهاوي نثراً:

كان قبلي وقبلك ليل ونهار، وكان الفلك يجري إلى غاية، خفف الوطء على الأرض فقد كان ما تطؤه إنسان عين حسناء.

وقال أبو شادي:

كان قبلي وقبلك الليل والنور

(م) والفلك كان في الجري مرمى

خفف الوطأ إنَّ ما أنت تمشي

فوقه كان عينَ حسناءَ قِدْما

وقال الصراف:

كان قبلي وقبلك ليل ونهار، وكان الفلك يدور لأجل غاية، احذر وخفف الوطء على التراب؛ فإنه كان حدقة عين الحبيب !.

وقال الحيدري:

كان من قبلنا وقبلك ليل

ونهار والفلك دار لِشَأْنِ

فَطَأ التربَ مشفقاً فقديماً

كان إنسان عينِ ظبيٍ أغنِّ

وقال عبد الحق فاضل:

كان من قبلي وقبلك ليل ونهارْ

ونجوم زاهرات في السموات تدار

فاعتبر وامش على الأرض رويداً حين تمشي

إنما موطئ نعليك لَعَيْنٌ أو عِذار

وقال الطرازي:

كان قبلي وقبلك ليل ونهار، وكان الفلك دائر لأجل غاية.

احذر وضع قدمك على التراب برفق؛ فلعله كان مقلة عين الحبيب

وعلَّق الدكتور عبد الحفيظ بقوله: «تُبيِّن الرباعية أن الإنسان في الكون لا قيمة له؛ فالكون موجود قبله ويستمر بعده، أما هو فيموت ويتحوَّل إلى ذرات تراب يدوسها من يأتي بعده من الناس، وهكذا.. وكأن الخيام أراد أن يكسـر شموخ الإنسان وكبرياءه؛ ولكي يستثير عاطفة الإنسان وفكره في مصيره: جعل كل ذرة من ذرات التراب إنسان عين لمحبوبة حسناء، واختار إنسان العين من الفتاة ليكون الأثر أشد وقعاً؛ فهو سر جمال العين وإبصارها.. وجاءت ترجمة الزهاوي النثرية وترجمة الصراف حرفية، ولكنهما تصرفا في التعبير عن الأمر بوضع القدم برفق على التراب فقالا (خفف الوطء)، وهو تصـرُّف جميل لم يُغيِّر المعنى، بل أضفى عليه شاعرية، ولكن الزهاوي - في صياغته الشعرية - أغفل هذا الأمر، وأتى بالحرف (رب)؛ فأفاد التقليل بعد أن كان الحكم عاماً في الرباعية الفارسية، وأضعف الصورة مرة أخرى حينما اكتفى بالعين دون إنسان العين، أما أبو شادي فصاغ الرباعية صياغة شعرية جميلة وأمينة في الوقت نفسه، وجاءت ترجمة النجفي والحيدري وعبد الحق فاضل أمينة، ولكن النجفي والحيدري عبَّرا عن نَهِي [الأفصح النهي] التي بمعنى: (ضع) بكلمة (طأ)، وهي توحي بالمهانة والاحتقار، وعبر عبد الحق فاضل عن ذلك بقوله (امش)، وأضاف من عنده الأمر بالاعتبار، وهو مفهوم من مدلول الرباعية.. وترجمة رامي جميلة وأمينة؛ فقد أكسبها شاعرية ورقة باختيار ألفاظها؛ فعبر عن استمرار دوران الحياة بـ (كم) الخبرية، وكذلك الفعل (توالى) الذي يدل على الاستمرار وعدم الانقطاع، وشخَّص الأنجم فجعلها تُـحِسُّ بطول دورانها كأنها تمل منه.. وإذا كان الخيام يطلب أن نضع القدم على التراب برفق؛ فإن رامي كان أكثر رفقاً فقال: (فامش الهوينى)، وهي صورة فيها رفق وبطء في السير ويُسـر وانكسار. وهو متأثر في ذلك بالصورة القرآنية لعباد الرحمن في قوله تعالى: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) سورة الفرقان (بل هو آتٍ بالمُرادف لكلمة الخيام).

قال أبو عبد الرحمن: وأضيف إلى ذلك ما تصفحته من ترجمة صالح الجعفري/ الانتشار العربي عام 2007م الذي نشـر النص الفارسي يقابله ترجمته هو للنص إلى العربية؛ فقد وجدت نصين متقاربين: الأول ص 150، وهذا نصه:

لا يقصدُ هذا الفلكُ الدوَّارُ

في دورته غيرَ فنائي وفناكْ

جالِسْ زهرَ الروضِ فما أقربَ أنْ

يحيا بغدٍ على ترابي وثراكْ

وأثبت النص الفارسي هكذا:

إين چرخ فلك بهر هلاك من وتو

قصدى دارد بجان پاك من وتو

بر سبزه نشين بيا كه بس دير نماند

تا سبزه برون دمد زخاك من وتو

والنص الثاني ص 176:

اهنأْ فستبقى زُمرُ الأفلاكِ

تجري بقرانها مدَى الأزمانِ

آجرُّ ثراك في غدٍ موضوعٌ

في حائطِ إيوانِ جليسٍ ثاني

وهذا هو النص الفارسي:

خوش باش كه دهر بيكران خواهد بود

بر چرخ قران آختران خواهد بود

خشتي كه زقالب تو خواهند زدن

ايوان وسراي دگران خواهد بود

قال أبو عبد الرحمن: وأستدرك أيضاً ترجمة مصطفى وهبي التل ص 99 / الطبعة الأولى عام 1410هـ.. قال:

لقد كان الليل والنهار قبل أن أكون أنا وأنت، وإن لدوران هذه العوالم غاية.

خفف الوطء، فما يدرينا أن هذا التراب الذي ندوسه الآن، ليس بتراب عينٍ ناعسة.

وذكر قبلها ترجمة أخرى هي:

إن هذا الليل وهذا النهار كانا قبل أن نكون نحن

وإن لدوران هذه العوالم غاية وقصداً.

خفِّف الوطء فمن أدراك أن التراب الذي تطأه قدماك

ليس بسحيق عينٍ ناعسة ؟!.

وبعدهما النص الفارسي للترجمتين:

پيش از من وتو ليل ونهارى بوده است

گردنده فلك براى کارى بوده است

زنهار قدم به خاك آهسته نهى

كآن مردمك چشم نگارى بوده است.

وترجمة الصافي التي أوردها الدكتور عبد الحفيظ موجودة في ترجمته الرباعيات ص 133 / الطبعة الخامسة عام 1998م / دار طلاس بدمشق، ولكنها ترجمةُ رباعيةٍ أخرى، والرباعية المقصودة هنا هي ما ورد ص 136.. قال:

كلُّ عشبٍ يبدو بضفَّةِ نَهْرِ

قدْ نَما مِنْ شِفاهِ ظَبْي أغرِّ

لا تطأْ وَيْحَكَ النَّباتَ احتقاراً

فهو نامٍ مِن مُزْهِرِ الخدِّ نَضْرٍ

وانظر أيضاً طبعة مؤسسة البلاغ عام 1411هـ ص 102 برقم 126 وص 104 برقم 133، وميزة هذه الطبعة أن النص الفارسي إزاء كل رباعية، وهذا هو النص العربي:

كَانَ يَبْدُو قَبْلِي وَقَبْلَكَ صُبْحٌ

وَدُجىً وَالسَّمَا تَدُورُ لأَمْرِ

طَأْ بِرِفْقٍ هَذَا التُّرَابَ فَقِدْمَا

كَانَ إنسان عَيْنِ ظَبْيٍ أَغَرِّ

ونصها الفارسي:

پيش از من وتو ليل ونهاري بوده است

گردنده فلك زبهر کاري بوده است

زنهار قدم بخاك اهسته نهى

كه اين مردمك چشم نگارى بوده است

وأما رباعية الزهاوي الأولى السابقة فنصها الفارسي:

هر سبزه که بر کنار جوئي رسته است

گوئى ز لب فرشته خوئي رسته است

پا بر سر هر سبزه بخاري ننهي

کين سبزه زخاک لاله روئى رسته است

وإلى لقاء إن شاء الله مع مزيد من التحقيق عن هاتين الرباعيتين، والله المستعان، وعليه الاتكال.

- عفا الله عنه -

مقالات أخرى للكاتب