Friday 07/02/2014 Issue 15107 الجمعة 07 ربيع الثاني 1435 العدد
07-02-2014

هشام بن عروة

هشام بن عروة بن الزبير: خيار من خيار، فجدُّه الزبير من السابقين للإسلام وأحد العشرة المبشرين بالجنة، ووالده عروة من خيار التابعين، تربى في بيت خالته أم المؤمنين عائشة زوجة رسول الله، وهي من أفقه النساء في الإسلام، كان بيتها مدرسة يتعلم فيه النساء أمور دينهن، ومقصداً للرجال من الصحابة والتابعين، ليأخذوا عنها ما يتأسون به من سيرة رسول الله ومشاهداتها. قال عنه الذهبي: الإمام الثقة شيخ الإسلام، أبو المنذر القرشي الزبيري، وجدّته لأبيه أسماء بنت أبي بكر: أما أعمامه فهم عبد الله بن الزبير أول مولود في دار الهجرة، ومصعب بن الزبير المشهود بشجاعته وكرمه، فهو من بيت عز وشرف.

زوجته أسماء بنت عمه المنذر، أخذ العلم عن مشاهير التابعين ونبغ في سن مبكرة، وأخذ عنه: شعبه ومالك والثوري وخلق كثير، قال عنه ابن سعد في طبقاته: كان ثقة ثبتا كثير الحديث حجة، وقال وهيب: قدم علينا هشام بن عروة، فكان مثل الحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وقال الرازي: ثقة إمام في الحديث، وقال ابن المديني له نحو أربعمائة حديث، أما يحيى بن معين فقال: المشهور بنقد الرجال ونخلهم كما ينخل القمح حيث يعتد المحدثون بآرائه، وصوابها: فإنه يقول عن هشام بن عروة: ثقة، وقال يعقوب بن شيبه: هشام ثبت لم ينكر عليه إلا بعد ما صار إلى العراق، فإنه انبسط في الرواية، وأرسل عن أبيه أشياء مما كان سمعه من غير أبيه عن أبيه.

وكان علماء الإسلام: يهتمون برواة الحديث والأخذ عنهم، خوفاً من الزلل، فيحدث بذلك ضرر على المسلمين في أمور دينهم، ولذا كانوا يقدحون في الرجل، عندما يبدر لديهم عنه اختلاف في القول وتباين في دلالة العبارة، مثل ما قال: عبد الرحمن بن فراش في هشام، قال: بلغني أن مالكاً نقم على هشام بن عروة حديثه لأهل العراق، وكان لا يرضاه، ثم قال: قدم هشام الكوفة ثلاث مرات، فكانت واحدة من ذلك، يقول فيها، حدثني أبي قال: سمعت عائشة، والثانية يقول: أخبرني أبي عن عائشة، وقدم الثالثة فيقول: أبي عن عائشة يعني يرسل عن أبيه.

قال الذهبي في ميزانه: مدافعا عنه قلت: الرجل ثقة مطلقاً وحجة ولا عبرة لما قاله الحافظ أبو الحسن بن القطان من أنه هو وسهيل بن أبي صالح اختلطا وتغيرا، فإن الحافظ قد يتغير حفظه إذا كبر وتنقص حد ذهنه في شيبته، وما ثم أحد بمعصوم من السهو والنسيان، وما هذا التغير بضار أصلاً، وإنما الذي يضر الاختلاط.

وهشام لم يختلط قط، هذا أمر مقطوع به، وحديثه محتج به في الموطأ والصحاح والسنن فقول ابن القطان إنه اختلط، قول مرذول، فأرني إماماً من الكبار سلم من الخطأ والوهم.

ومن مكانته العلمية: كثرة تلاميذه الذين أخذوا عنه، إذ عد بعضهم منهم أكثر من 260 طالباً كلهم لهم قدم راسخة، في الحديث، ومكانة مرموقة في الفقه، أما الذهبي: فقد ذكر منهم ما يقرب من خمسمائة.

وكان صدوقاً عفيف النفس، روى الزبير بن بكار عن عثمان بن عبد الرحمن قال: قال المنصور: الخليفة العباسي الثاني لهشام بن عروة: يا أبا المنذر تذكر يوم دخلت عليك: أنا واخوتي مع أبي وأنت تشرب سويقاً، بقصعة يراع؟ فلما خرجنا قال أبونا: اعرفوا لهذا الشيخ حقه، فإنه لا يزال في قومكم بقية ما بقي.

قال هشام: لا أذكر هذا يا أمير المؤمنين، قال الزبير بن بكار: أفليم هشام في هذا؟، فرد على من لامه: قائلاً: لم يعودني الله في الصدق إلا خيراً.

وروى عمر المقدمي عن هشام بن عروة: أنه دخل على المنصور العباسي، فقال: يا أمير المؤمنين أقض عني ديني؟ قال: كم دينك؟ قال: مائة ألف. قال المنصور في فقهك وفضلك تأخذ مائة ألف ليس عندك قضاؤها؟

قال يا أمير المؤمنين شب فتيان من فتياننا، فأحببت أن أبوئهم واتخذت لهم منازل وأولمت عنهم، خشيت أن ينتشر على من أمرهم ما اكره.

ففعلت ثقة بالله ثم بأمير المؤمنين، قال الراوي: فرد عليه مائة ألف استعظاماً لها، ثم قال: قد أمرنا لك بعشرة آلاف. فقال: يا أمير المؤمنين، فأعطني ما أعطيت، وأنت طيب النفس، بورك للمعطي والآخذ، قال أبو جعفر: فإني طيب النفس بها.

ومع أدبه وحسن تواضعه، وتأدبه بآداب الإسلام، وحرصه على أن يتخلق بأخلاق القرآن، فإنه قد روى ان هشاماً وهو ابن عروة قد دخل على المنصور، فسلم عليه ومد يده فأرادا أن يقبلها فمنعه المنصور من ذلك لأنه يرى له مكانة وحقاً رفعه الله إلى ذلك، بعلمه وحسن أدبه، وقال المنصور يا ابن عروة: إنا نكرمك عنها، وهذا من اهتمام المنصور وتقديره للعلماء، وحرصه على إنزال الناس منازلهم، حيث قال: يا ابن عروة: إنا نكرمك عنها يعني تقبيل اليد، ونكرمها عن غيرك.

كما أن من حسن الأدب، وجودة العبارة عند أبي جعفر المنصور وهو خليفة المسلمين ومع ما هو فيه ومع مكانة وعز فإنه لم ينس للعلماء مكانتهم: توقيراً لعلمهم واحتراماً لمكانتهم.

وعلق على هذا الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء عندما أورد ما حصل من المنصور مع هشام عندما أراد تقبيل يد المنصور، وتلطف المنصور في منعه، فقال الذهبي: قلت كان المنصور يرى له لشرفه وعلمه ولكونه من صفية أخت العباس جد المنصور، وصفية والدة الزبير بن العوام، وهي عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

فكانت قرابة هشام بن عروة إلى بيت النبوة، متعددة متعدد المداخل والموارد.

ومن اهتمام الذهبي بالدفاع عن العلماء، ذوي المكانة المرموقة، والعلم الغزير والنزاهة والصدق في حسن المأخذ وفي تبليغ ما أعطاهم الله من علم، فقد كان هشام هذا، من العلماء الذين دافع عنهم لفضله ورسوخ قدمه كما مر بنا، في رده الشبهة التي قيلت حول هشام المنسوبة إلى يعقوب بن شيبة في قوله: هشام ثبت لم ينكر عليه، إلا بعد مصيره إلى العراق، فإنه انبسط في الرواية، وأرسل عن أبيه.

قال الذهبي: على ذلك في حديث العراقيين عن هشام: تحتمل كما وقع في حديثهم عن معمر.

وكان من مرويات هشام عن أبيه عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب الحلوى والعسل.. أخرجه البخاري في الأشربة، أخرجه مسلم في الطلاق. وقد تخلق بأخلاق أبيه وأخذ من صفاته في الورع والصبر والتحمل، يروى عن عروة بن الزبير انه قد مر بمواقف فصبر فيها وتحمل من ذلك: وعروة هذا والده:

وذلك أنه تحمل مصرع ابنه محمد عندما ذهب إلى الشام، وأكرمه الوليد بن عبد الملك الخليفة، فقد ذهب يوماً إلى إسطبل الخيل، وبينما هو يتفرج، والتعرف على أصولها، إذ رأى ابنه محمداً يمشي بينها وينظر إلى هاته وتلك، فرفسته فرس منها وضربته على هامة رأسه، فخر صريعاً أمام والده، فاحتمل ذلك وصبر.

ثم تحركت الأكلة بقدمه وازداد ألمها فأمر له الوليد بالأطباء وقالوا له لابد من قطعها من الكعب، قبل أن تسري في باقي جسمه فامتنع، وبعد أيام زاد الألم وارتفع فقال الأطباء لابد من قطعها قبل أن تسري في الجسم كله حيث تتسع يوماً بعد يوم وقطعها مع الركبة فوافق على قطعها مع الركبة وقالوا له: نسقيك المرقد وهو المخدر أو البنج فرفض، فقالوا إذاً نربطك بالحبال فلم يوافق.

فامتنع عن كل ذلك وقال: أصلي وأمدها لكم، وافعلوا بها ما تريدون.. فكبر في صلاته، فقطعت وهو ساجد خاشع في صلاته ولم يحس بهم. وقال للوليد لقد لقينا في سفرنا نصبا، وهو الذي قال له عبد الملك بن مروان، عندما وفد عليه في الشام.

ذلك الأب، هو الذي قال له يوماً الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان يذكره بشيء يسرك، أتذكر يا عروة عندما كنا نحن الأربعة، نطلب العلم في حرم مكة: عبد الله بن الزبير أخوك ومصعب بن الزبير أخوك، وأنت وعبد الملك بن مروان وأنا، وكنا في ليلة مقمرة، في حجر إسماعيل، فقال أخوك والله ليتمنى كل واحد منا الأمنية التي يريد.

فبدأ أخوك عبد الله بن الزبير ثم أخوك مصعب فقال: عبد الله أتمنى أن أحكم الحجاز وبلاد العرب والعراق، فيدعا لي على منبر الحرمين: مكة والمدينة، وقال مصعب أتمنى أن أحكم العراقين، وما يسقيه النهران: دجلة والفرات وأن أتزوج عقيلتي قريش وهما: عائشة بن طلحة وسكينة بنت الحسين، فقلت أنا يا عبد الملك بن مروان: أتمنى أن أحكم ما هو معروف من الدنيا ذلك الحين ثم سكت القوم، فقلنا لك يا عروة تمن ولم يبق إلا أمنيتك؟ فلم تجب ثم زدنا عليك الحاحاً بالتمني. فقلت: أما أنا فأتمنى أن يوفقني الله لأخذ قسط وافر من هذا العلم، وأن يعينني الله على تبليغه ونشره.. ولا أريد شيئاً من دنياكم، مع حسن الختام والجنة.

فقال عبد الملك لقد تحققت الأماني، ونرجو أن نجتمع في الجنة.

كانت وفاة هشام بن عروة - رحمه الله - عند جماعة من أهل العلم في عام 146هـ وسيرته تحدث مجموعة من العلماء فيها وهي سيرة محمودة، وقد قيل عنه - رحمه الله - أنه روى أكثر من ألف حديث، والله أعلم.

mshuwaier@hotmail.com

مقالات أخرى للكاتب