Saturday 08/03/2014 Issue 15136 السبت 07 جمادى الأول 1435 العدد
08-03-2014

عن المساحة الفكرية لمهرجان الجنادرية

مازلنا نتحدث عن المساحة الفكرية المتميزة المتعلقة بالإسلام السياسي التي تطرق إليها مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة في دورته الـ 29 وهو مهرجان كما قلنا فريد يعبر بجلاء عن إشراقة فكر وثقافة وحضارة تشع من قلب المملكة العربية السعودية إلى العالم،

كما تعكس تاريخ وتراث وثقافة الشعب السعودي العربي، وقلنا الأسبوع الماضي بان الله سبحانه وتعالى أراد للإسلام أن يكون دينا، وأراد به الناس أن يكون سياسة؛ والدين عام إنساني شامل، أما السياسة فهي قاصرة محدودة، قبلية محلية ومؤقتة. وقصر الدين على السياسة قصر له على نطاق ضيق وإقليم خاص وجماعة معينة ووقت بذاته. الدين يستشرف في الإنسان أرقى ما فيه وأسمى ما يمكن أن يصل إليه؛ والسياسة تستثير فيه أحط ما يمكن أن ينزل إليه وأدنى ما يمكن أن يهبط فيه، وممارسة السياسة باسم الدين أو مباشرة الدين بأسلوب السياسة يحوله إلى حروب لا تنتهي وتحزبات لا تتوقف وصراعات لا تخمد وأتون لا يهمد، فضلا عن أنها تحصر الغايات في المناصب وتخلط الأهداف بالمغانم وتفسد الضمائر بالعروض. لكل أولئك فإن تسييس الدين أو تديين السياسة لا يكون إلا عملا من أعمال الفجار الأشرار أو عملا من أعمال الجهال غير المبصرين، لأنه يضع الانتهازية عنوانا من الدين، ويقدم للظلم تبريرا من الآيات....

في مجال العلوم السياسية المقارنة، يمكن للحزب السياسي الفائز، والحاصل على الدرجة الأولى أن يسعد بثقة الناخبين الذين صوتوا له، وأن يسير الدولة باسم الشرعية الانتخابية التي حصل عليها ويزود النظام السياسي بعوامل الحيوية والتقدم، ويكون الولاء للوطن الأم، أما أن يعتبر الفائز في الانتخابات أن الدولة «غنيمة انتخابية» فذلك نوع من الطامة الكبرى المنذرة بالاستبداد والسلطوية العاتية، وهذا الذي كانت تتجه إليه مصر مثلاً.

اعتبار الدولة «غنيمة حربية» هو تغليط إيديولوجي للناخبين، الواعين أو الجاهلين لذلك، وإفساد للعملية السياسية وتزوير للتمثيل الاجتماعي، فيكون على الدولة ما بعد انهيار النظام السلطوي السائد أن تتحمل بذورا جديدة لنموها غير الطبيعي، يتغذى من حيث تتغذى السلطويات القديمة ولكن في صورة وألبسة جديدة.

وأظن أن الاعتقاد بأن الدولة «غنيمة حربية» متأصل عند بعض ممثلي الأحزاب الإسلامية في مصر. ولا ننسى هنا أن جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي حزب الحرية والعدالة امتنعا عن وضع دستور قبل إجراء الانتخابات التشريعية، عكس العديد من القوى الليبرالية والتقدمية والوطنية التي شددت على تشكيل لجنة لوضع مسودة الدستور في ظل حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ظانة أنها ستضمن نوعا من التوازن والتوافق على ثوابت الدولة في ظل انتقال ديمقراطي صعب المسار... الدستور المصري السابق كان قد سماه البعض بدستور الغلبة والآخر كان قد سماه بفتنة الدستور، مع العلم أن الدستور يجب أن يكون هو القانون الأسمى للبلد، وهو عقد ضمني للاقتناع المشترك بين جميع الساكنة وإلا إذا قدر الله صوت عليه في مجتمعات لم يتسرب إليها بعد الواجب الانتخابي المواطناتي والوعي السياسي الصحيح، فإنه سيبقى محطة للنزاع والشقاق وصداع الرأس لا ينتهي، فكيف يمكن بعد ذلك أن نتحدث عن القوانين التنظيمية والقوانين العادية وتسيير المؤسسات والدستور المصادق عليه محط نزاع دائم؟!!

وللذاكرة أنقل هنا بعضاً مما شاب من بنود الدستور المصري في عهد الرئيس مرسي لتمثل ذلك: «ورغم الجدل والانسحابات لم تتخل الجمعية التأسيسية عن مهمتها التي استغرقت ستة أشهر، إلا أن الجلسة الختامية لهذه الجمعية كرست كلمة «السلق»، بحسب معارضي الدستور في وصف طريقة صنعه وكتابة مواده الـ236.. يقول الدكتور جابر: «ما حدث في الجمعية التأسيسية ليس له مثيل، فأعضاء التأسيسية قاموا بنحر نصوص الدستور، فوضع حزب الأغلبية (الحرية والعدالة) مواد خاصة دون مناقشة أي من القوى السياسية الأخرى حتى لا يشاركه في الدستور ويكون ملكا له». ويتابع نصار: «جماعة الإخوان المسلمين تريد فرض هذا المشروع على الدولة المصرية، ولعل الطريقة المشؤومة التي تم بها التصويت على هذا المشروع في آخر جلسة توضح ذلك، حيث أضيفت نصوص للمشروع لم تكن الجمعية التأسيسية على علم بها، ولم تتم مناقشاتها في الجلسات الداخلية واللجان الداخلية للجمعية التأسيسية للدستور، وهناك مواد أضيفت لها فقرات». وبدا واضحا في الجلسة الختامية للدستور، التي انعقدت يوم الخميس 29 نوفمبر /تشرين الثاني، وانتهت صباح اليوم التالي (الجمعة 30 نوفمبر)، مستغرقة بذلك 19 ساعة متواصلة، أن الجمعية التأسيسية في سباق مع الزمن، حيث أصر المستشار الغرياني رئيس الجمعية على الانتهاء من إقرار هذا الدستور في هذا اليوم وعدم تأخيره لحظة أخرى، رغم انسحاب معظم ممثلي القوى المدنية من الجمعية بالإضافة إلى ممثلي الكنيسة المصرية اعتراضاً منهم على مشروع الدستور، ورغم مد رئيس الجمهورية محمد مرسي الجمعية أعمالها لشهرين إضافيين، من أجل إحداث التوافق بين القوى السياسية حوله. وجاء إسراع الجمعية التأسيسية في إقرار المسودة النهائية، معبرا عن صراع بين الرئيس محمد مرسي وجماعته وبين القضاء، وعلى رأسه المحكمة الدستورية العليا، الذي طالما وصفت من جانب عدد من قيادات من جماعة الإخوان المسلمين بأنها «مسيسة» مبعدين تحفظات على أحكامها. وقد زادت حدة هذا الصراع في يوم 22 نوفمبر بإعلان دستوري أصدره الرئيس المصري محصنا من رقابة القضاء على القرارات الرئاسية والجمعية التأسيسية ومجلس الشورى، حيث كان متوقعاً أن تصدر المحكمة الدستورية العليا حكما بحل الجمعية التأسيسية للدستور، بسبب عدم دستورية تشكيلها وفقا لمقيمي الدعوة، فقرر الرئيس سد هذا الباب على المعارضين والقضاء معا.

وطبقا للمادة 60 من الإعلان الدستوري الصادر في نهاية مارس (آذار) العام الماضي، يشكل أعضاء مجلسي الشعب والشورى المنتخبون (البرلمان) الجمعية التأسيسية للدستور، من أجل إعداد مشروع الدستور الجديد للبلاد، في موعد غايته 6 أشهر من تاريخ تشكيلها، على أن يعرض المشروع خلال 15 يوما من إعداده للاستفتاء الشعبي. وشكل البرلمان (المنحل) في 13 يونيو (حزيران) الماضي الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور، من 100 عضو معظمهم ينتمون إلى «التيار الإسلامي»، وهي الجمعية الثانية من نوعها، بعد حل الأولى في أبريل (نيسان) الماضي بحكم قضائي بسبب وجود أعضاء برلمانيين بها. ومنذ تشكيل هذه الجمعية فقد واجهت انتقادات كثيرة من القوى الليبرالية بسبب ما اعتبروه سيطرة للإسلاميين عليها، بالإضافة إلى دعاوى قانونية ببطلانها، حيث يقول قانونيون إن أسباب حل الجمعية الأولى تنطبق على الثانية، بسبب وجود أعضاء برلمانيين بها أيضا (قبل حل مجلس الشعب) وإن كان بنسبة أقل. ويقول الدكتور سمير مرقس مساعد الرئيس المصري لشؤون التحول الديمقراطي (المستقيل): «تشكيل الجمعية غير متوازن ولا يعبر عن التنوع الحقيقي في المجتمع المصري»، مؤكدا أن «دستور مصر لا يستحق أن يكون بهذا الشكل، الذي أعد به والذي شابه التسرع والعجلة غير المفهومة»، وقال إنه يفضل أن يسميه «دستور الغلبة».

ويرى مراقبون أنه كان يمكن على الجمعية أن تستغل المدة التي منحها لها الإعلان الدستوري الأخير، قبل إلغائه، وتمد أعمالها لمدة شهرين، لكن وكأن رئيس الجمعية التأسيسية ومن معه من ممثلي التيار الإسلامي، بعد انسحاب هذه القوى، فضلوا الإسراع وتمرير الدستور في غياب أي معارضة.....». وهذا الكلام غني عن التفصيل.

مقالات أخرى للكاتب