Friday 14/03/2014 Issue 15142 الجمعة 13 جمادى الأول 1435 العدد
14-03-2014

نماذج القدوة عند معلم اليوم

يمثّل أسلوب القدوة أهم أساليب التربية؛ لأنه جامع لتلك الأساليب التربوية، لذا من الضروري بمكان أن يكون الإنسان محل المسؤولية قدوة حسنة أمام أجيال البراعم والنشء والشباب؛ لأنه كلما التزم المربون بسمات القدوة الحسنة كلما جاء تأثيرهم أقوى وأسرع وأدوم،

لذا فالمقتدي لا يتشبه أو يقلد إلا بمن أحبه وأعجب به وأكبره في سنه. وللقدوة أهمية على الفرد والمجتمع، فهي تعطي المقتدين شواهد حية ومطبقة وذلك للتأسي كحاجة الفرد للتشبه والتقليد وهي بهذا تتفق مع فطرة الفرد، وتسهم في تشكيل شخصيته، وتقدم دروساً علمية عن شرائع الإسلام كما نزلت، ووسيلة للتقويم لتعديل سلوك الفرد.

والقدوة لها نماذج عديدة وتتوزع إلى مجموعتين: المجموعة الأولى وتسمى بأنماط القدوة وفق الهدف وتتضمن القدوة الحسنة والقدوة السيئة، والمجموعة الثانية وتسمى بأنماط القدوة وفق المجال وتتضمن عدة مجالات الديني والأسري والمدرسي والإعلامي والسياسي وهكذا. ويمكن أن تتوافر أنماط المجموعة الأولى في كل مجال من مجالات المجموعة الثانية.

وعلى الرغم من هذه الأهمية للقدوة إلا أنه يوجد من ينكرها ويدعو إلى تجاهلها زعماً منه بأن القدوة خدعة وأنها مسألة رجعية مضللة، وأن مجالها أخلاقي ولا علاقة لها بالسلوك العلمي والعملي والحياتي، وهذا بزعمه إنما يدعو إلى التمرد على القدوة والتي يمكن أن تكون في شخص الأب والأم والمعلم والأخطر من ذلك التمرد على الاقتداء بالرسل والأنبياء وهذه لاشك أنها دعوة للتحلل من القيم الإنسانية عامة والإسلامية خاصة.

وتسهم عوامل كثيرة في صياغة أنماط القدوة أمام الأجيال الحاضرة منها: ميل بعض الأجيال إلى الاقتداء واحترامه لشخص المقتدى به ، ومنها وجاهته العلمية والوظيفية والاجتماعية وعامل العمر، ومنها التشابه أو التقارب في الخلفية الاجتماعية والثقافية ونوع الجنس بين المقتدي والمقتدى به، وتحديات العولمة الثقافية التي قد تؤثر على نظرة بعض هذه الأجيال إلى الشخصية محل الاقتداء.

لقد حظيت القدوة باهتمام الباحثين على مختلف المستويات العربية والأجنبية والمراحل الدراسية ومجالاتها، وتعد مرحلة الطفولة ما قبل المدرسة من المراحل العمرية التي تناولها الباحثون بصورة ثرية؛ لأن ما يتلقاه الطفل في هذه المرحلة يبقى على مر سنوات العمر.

إذ توصلت دراسات إلى أن شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم من أفضل نماذج القدوة على مر الزمن، تليها شخصيات الصحابة رضوان الله عليهم، فشخصية الأب والأم والمعلم.

هذا جزء من الإطار الفكري لأسلوب القدوة، وهو لا يحض بالاهتمام اللازم في برامج إعداد المعلم في كليات التربية في مختلف أصقاع الدنيا ليس لقلة الإنتاج العلمي في هذا الموضوع، وإنما لقلة اهتمام كليات التربية بمتابعة هذا الإنتاج والاستفادة منه، وهي مصدر إنتاجه، وبالتالي تخرًج فيها معلمون ومعلمات تنقص بعضهم الآداب والمهارات للمعلم القدوة، ويصدر عنه تصرفات لا تليق بمربٍ مسئول عن صناعة أجيال المستقبل.

ليس هذا تجني على أحد فقد نشرت صحيفة سبق الإلكترونية يوم 16ربيع الثاني1435هـ في الساعة 4:02 خبراً بأن معلم التربية البدنية في مدرسة ابتدائية وهو على وشك التقاعد بمحافظة الطائف ردد هتاف لفريق النصر وهو فريقه المفضل(متصدر لا تكلمني)في الطابور الصباحي وأمر الطلاب يرددوا عليه المقولة نفسها مبرراً تصرفه بأنه أراد الترفيه.

وجاء رد وزارة التربية والتعليم على أن الوزارة تناط بها أدوار تربوية من أهمها نشر ثقافة التسامح، ونبذ التعصب، وتحقيق المواطنة الصالحة، وتعزيز قيمنا الإسلامية، وهويتنا الوطنية، وهذا الرد كاف وشاف.

لم يكن هذا الرد مانعاً لحدوث حالات مشابهة أو قريبة فقد حدثت حالة أخرى أشد من سابقتها إذ نشرت صحيفة تواصل الإلكترونية يوم28ربيع الثاني1435هـ في الساعة 8:29 خبراً بأن معلماً يدرب طلابه على (رقصة البطريق) داخل الفصل على الرغم من أن هذا الرقصة تأخذ شكل الصليب وتطبق دلالاته.

لو كان رد وزارة التربية والتعليم صارماً مع من يسيء لهذه المهنة والتي تعد من أشرف المهن الإنسانية ما تكررت هذه الحالات، إذ لا ينتظر المجتمع من معلم يمارسه هواياته ورغباته داخل المدرسة والفصل والتي هي أماكن للتربية قبل التعليم.

نعتب على المجتمع إذا قصر في تقديره لمهنة التدريس، ونلومه إذا قلل من احترامه للمعلم، وانتقص من هيبته. وإذا أوجد المنصفون للمعلم عذراً في قسوته مع بعض الطلاب بسبب حرصه على تقويم سلوكهم أو بسبب شعوره بمكانته في المجتمع، فإنه لن يجد منصفاً واحداً يرضى بهذه الأفعال داخل المدرسة.

ما قيمة الأداء المتقن للمعلم إذا لم يصاحبه حسن الخلق في الفكر والمنطق والفعل؟ وما تأثير بعض العقوبات مثل النقل التدريبي للمعلم إلى مدرسة أخرى ولفت النظر إذا لم تردعه عن سلوكه المشين.

أجزم أن هذين المعلمين لا يقبلان ممارسة سلوك خاطئ أمام أفراد أسرهما مهما كانت درجة بساطته؛ لأنهما يحرصان على أن يكونا قدوتين صالحتين في البيت حيث الحشمة والوقار والمحاسبة أولاً بأول على الغريب من التصرفات.

ليس عيباً أن يكون لهذين المعلمين نموذج رياضي يتمثل في لاعب مشهور أو نادٍ مشهور فهذا حق مشروع لهما، أو شعار رياضي معين، لكن المرفوض أن تكون المدرسة مكان لممارسة ميولهما، وإجبار الطلاب على فعل رغباتهما، وإذا كان تصرف المعلم الأول مقبولاً إلى حد ما، فإن تصرف المعلم الثاني مرفوض تماماً؛ لأنه يتصادم مع تعاليم ديننا السمحة.

إن هذه الحال تتطلب ثلاث خطوات: الخطوة الأولى أن لا تكون كليات التربية لمن لم يجد له قبولاً في كليات الجامعة، بمعنى الحاجة إلى إعادة تقنين شروط القبول في كليات التربية؛ لأنه من مشاهدات عمرها يزيد عن15سنة أن من يدرس فيها لا يصلحون للعمل في التدريس، والخطوة الثانية مراجعة برنامج إعداد المعلم في الكليات ذاتها؛ لأنه ومن واقع خبرة أنها تزخر مقررات قد لا تفيد المعلم على حساب مقررات مهمة بالنسبة للمعلم الجيد، والخطوة الثالثة أن تسن وزارة التربية والتعليم قوانين للعمل في مهنة التدريس فلا تكون هذه المهنة لمن لم يجد له عملاً في مكان آخر.

الأمر يتطلب حزماً لا يقبل اللين؛ لأن هاتين الحالتين مؤشر خطير على حاضر التربية ومستقبلها، فالانحراف الفكري لا يكون في التعصب الديني فحسب من جهة، ومن جهة أخرى إذا أردنا اللحاق ببعض الدول المتقدمة كاليابان أو ألمانيا أو أمريكا أو كندا في نظمها التربوية.

هذان المعلمان ليسا بحاجة إلى من يقدم لهما التوجيه الهادئ والسري بقدر حاجتهما إلى جعلهما عبرة لمن لديه انحراف فكري أو مسلكي.

malnooh@ksu.edu.sa

كلية التربية - جامعة الملك سعود

مقالات أخرى للكاتب