Saturday 29/03/2014 Issue 15157 السبت 28 جمادى الأول 1435 العدد
29-03-2014

الكل لديه ضغوط؟!

(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ) (4) سورة البلد. آية قرآنية لها مدلولاتها العظيمة، تدل على أن الإنسان خُلق في هذه الحياة ليواجه مشكلات لا بد منها في حياته، التي لن تكون دروبا مفروشة بالرمل والورد باستمرار، خاصة في عصرنا الحالي عصر السرعة الذي جعل من الإنسان كائنا يلهث طوال الوقت خلف أهدافه وأحلامه، ويسابق الزمن لكي يثبت قدرته ويحقق متعته، مما يجعله أكثر عرضة للتوتر والاضطراب النفسي والجسدي، بسبب تلك الضغوط التي يواجهها! فالكل منا بلاشك قد عاش أو ما زال يعيش تلك الضغوط باختلاف المستويات الاجتماعية والمادية، من البيت، للمدرسة، للعمل، وجميع أبطالها أشخاص مختلفون في مستوى قدرتهم على تحمل الضغوط أو العكس! فالله سبحانه وتعالى لم يخلقنا سواء، بل جعلنا مختلفين في رغباتنا وقدراتنا وأهدافنا وأساليبنا في مواجهة أي ضغوط تواجهنا في حياتنا منذ صغرنا حتى يتقدم بنا العمر! فالمعايير تختلف من شخص إلى آخر ومن أسرة إلى أخرى ومن بيئة لأخرى! وهذا ما يواجهنا فعلا كمثال في معالجة «قضايا العنف الأسري» حيث نواجه حالات من النساء لديهن قدرة على تحمل أزواج عدوانيين ومهملين لحقوقهن وسلبيين لسنوات طويلة، لكن في المقابل هناك سيدات لا يستطعن تحمل أي مبادرة للتضحية للبقاء على علاقتهن الزوجية، أو على أسرهن مقابل التنازل عن حقوقهن الخاصة في المطالبة أو المال أو استكمال دراستهن أو البقاء في عملهن! هذه النماذج المختلفة في تحمل أو عدم تحمل الضغوط النفسية التي لا تتساوى في الأثر والتأثر والثمن سواء كان نفسيا أو ماديا أو أُسريا يشير إلى أهمية التوازن في حياتنا لمواجهة ما نطالب به ونسعى لتحقيقه من أجل راحتنا النفسية والجسدية، وبين ما يطالب به ويتوقعه الآخرون منا باختلاف درجة قرابتهم ومكانتهم في حياتنا! وذلك لكي لا نعاني من مرحلة الاحتراق النفسي التي من أهم مؤشراتها (فقدان الرؤيا، التي تفقدك القدرة على ترتيب الأولويات في حياتك، فترى كل شيء مهما وواجب عليك تنفيذه، ولا بد عليك من مباشرته والانتهاء منه، وهكذا تدخل في دوامة المهام)، أو العيش حسب قاعدة «يجب وينبغي» والسعي إلى إرضاء الذات أو الآخرين دون الاستمتاع بالحياة! وذلك بهدف الوصول إلى مرحلة الصلابة النفسية التي تحتاج إلى درجة عالية من الالتزام بما نقوم به، ودرجة من التحدي لمواجهة ما يعترينا من ضغوط، ودرجة من التحكم في شئوننا الوظيفية والحياتية! فذه الصلابة كفيلة بحماية الشخصيات المتعرضة للعنف مستقبلا لو رغبت في تغيير نمط حياتها السوداوي، وكفيلة بمساعدة من لا عائلة له لو سعى لكي يعيش حياته، مستغلا ما وهبه الله من نعمّ كثيرة بدلا من التعلق بمعاناة من أبي ومن أمي ولماذا أنا بدون عائلة قبلية!

وهذه الصلابة كفيلة بإرشاد كثير من الشخصيات التي لا تستقل بقراراتها بعيدا عن تدخلات الكثير من المقربين لها في حياتها، التي قد تقودها للدمار النفسي! ولكن لو اقتنع الكثير بأن الضغوط الحياتية بأنواعها رسالة إلهية لاختبار قدرة الإنسان على التحمل والحمد والتفكر في شئون الحياة، والجزاء الحسن من رب العالمين لعاشوا مساحة من الاستقرار بدلا من الاحتراق النفسي، ولقول رسولنا الكريم أعظم رسالة في ذلك: «ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهمّ يهمه إلا كفر الله به من سيئاته».

moudyahrani@ تويتر

مقالات أخرى للكاتب