Wednesday 09/04/2014 Issue 15168 الاربعاء 09 جمادى الآخرة 1435 العدد
09-04-2014

الكتابة على مشراق النساء هل تعرفون قامة من نخيل الحسااااا ويبرين من عيون الماء

لا أعلم كم منا يستطيع أن يعرفها إذا لمح سهيل في الأسحار أو إذا رأى أكف الصبار تكفكف صهيب الصيف بثمارها الشوكية الضاربة في سريالية اللون والشكل والمذاق. غير أن هذا لن يغير من الحقيقة الساطعة لتلك الصبية المشتقة من عسيب النخيل ومن جبل عسيب،

من صمان النفود وتباريح البحر. كأن الفنان التشكيلي أحمد السبت كان يرصد جمالها في كل نساء الأحساء حين رسم لوحته الرائعة «امرأة في الطريق» التي كبرتها عشرات المرات وحفرتها على زجاج معشق عنوانا لبيتي. وكأن شعراء الأحساء المعاصرين أحمد الملا وصالح الحربي وشبابها المبدع على أكثر من صعيد كعبدالله العياف وعبدالله الفوز وعبدالرحمن السليمان كانوا يعصرون رحيقا من عزلة الملكات على حد تعبير الشاعر قاسم حداد مثلما تفعل تلك البنت عندما توغل في صومعة العلم.

لا أعرف كم منا تابع حرفها منذ أن كانت طالبة مدرسة ولكنها تلك المرأة التي تركت بصماتها على الدفاتر والمحابر ولوحة مفاتيح المحمول لعدة أجيال جامعية.

لا أدري كم منا يعرف تلك الفتاة التي تجمع في عودها النحيل ووجدانها الغزير عدة ثقافات من الشرق والغرب فتحفظ الفية بن مالك ويتيمة مالك بن الريب والمعلقات ورثائيات الخنساء وعيون شعر الشريف الرضي وبن أبي تمام والبحتري وفارس المحبسين والمتنبي وبن زيدون وولادة مثلما تحاور نظريات النقد الأدبي والنسوي الحديثة من كيت ميليت، إلين شوولتز، فرجينيا وولف، سوزان جوبارإلى لوسي إيرجاري، جوليا كرستيفا، هيلين سيكسو وحتى إدوارد سعيد.

إنها تلك السيدة التي أضافت لحرف الدال ياء وميم بعده في واحدة من عشرات الكلمات المحملة بوحم الماء وطلقه في خصوبة السدر والثيل والنخل وكل خضرة الواحات المارقة على قسوة الصحراء. إنها تلك البنت التي سبقت حرف الدال بثلاث حروف سين وعين وألف وأخرجت من تواريخ السبات سعاد، كما أخرجت على تاريخ استبعاد النساء سعاد. وهذا ليس إلا واحد من أفعال البحث الدؤوب التي استثمرت فيها سعاد المانع حرف الدال بعد أن عادت من سنوات الدراسة بأمريكا تحمل درجة الدكتوراه. وهي في ذلك قد استخدمت حرف الدال بشكل سوي وليس لمجرد سطوة الألقاب قبل ذلك حين كانت الدرجة العلمية مجرد مستحيل رابع في أحلام الصحو أو أحلام المنام لبنات الجزيرة العربية اللواتي لم تفتح لهن المدرسة الابتدائية أبوابها إلا مع بداية الستينات الميلادية.

هناك نوع من النساء ممن سيرتهن الذاتية مجدولة بتواريخ التحولات في الأوطان فلا يمكن الحديث عن ملامح من شخصياتهن ولا عن مسيرتهن اليومية البسيطة دون الخوض في «سيرة دولة ومجتمع» بتعبير أ. عبدالعزيز خضر. ويخيل لي، من خلال معرفة زمالة تحت نفس السقف وصداقة عميقة تربطني بسعاد المانع في الشظف الطويل والرفاه المسترق بما يشارف على ثلاثة عقود منذ جئت جامعة الملك سعود معيدة مفعمة بالحماس في الثمانينات وعرفتها محاضرة فتية تحضر للدكتوراه إلى اليوم، بأن سعاد من ذلك النوع من العالمات. فحسب علمي أن ليس تعليمها النظامي المدرسي وحسب رافق الجدل حول بداية تعليم البنات بالمملكة بل أيضا أن تعليمها الجامعي كان فيه مصادمات الريادات مثل المظاهرة الأولى للمطالبة بقيادة السيارات. ولعل البطلة كانت من أوائل من دخلن جامعة الملك سعود ومهدن لتأسيس مركز الدراسات الجامعية للبنات كما أنها كانت من الكوكبة الأولى لجامعة الملك سعود كدكتورة خيرية السقاف ود. إبتسام صادق ود. آمنة عقاد، ود. فاطمة الخريجي ود. مي العيسى وشاهة مرزوق ممن تصدرن مسيرة السعوديات الجامعيات.

يبقى ما يبدو أنني ضننت به من بداية هذا المقال إلى الآن وهو تلك العلاقة الشخصية الوشيجة التي جمعتني على أكثر من صعيد بسعاد المانع فقد كانت شريكتي في الكثير من ملح الأحلام وجروحها خاصة إبان إبعادي عن العمل بالجامعة. كما كانت شريكتي في شموع التنوير التي حاولنا أن نخاطر بإضاءاتها في الجامعة وخارج أسوارها. هذا غير ما تقاسمناه من مشترك قراءات لا تحصى، وصداقات مع نساء الوطن وعبر العالم العربي إلى أبعد القارات في مشاريع ثقافية مختلفة كالملتقى الأحدي وكمشاركاتنا على اختلاف تخصصاتنا في العديد من المؤتمرات والفعاليات الثقافية من الشارقة إلى القاهرة بما تخللها من مشترك صدقات غالية، من الشاعرة سعدية مفرح وصالحة غباش إلى سيدة الصمت والكلام د. سلمى خضرا الجيوسي، عدا عن ذلك المكنون الغالي من التقدير المتبادل بينها وبين أمي الشريفة نورة الهاشمي رحمها الرحمن. فأي كتابة تفي طلعة شمس تلك السيدة على نهارات البلاد.

- هذه كلمة كنت قد كتبتها للأستاذة الدكتورة سعاد المانع في ضمير لأقدمها لها كشهادة شفيفة ليلة تكريمها بنادي الرياض الأدبي لولا أن الظرف لم يسعفني ذلك المساء فقررت نشرها هنا من باب تأدية أمانة الوفاء.

Fowziyaat@hotmail.com

Twitter: F@abukhalid

مقالات أخرى للكاتب