Monday 14/04/2014 Issue 15173 الأثنين 14 جمادى الآخرة 1435 العدد
14-04-2014

كشف المخفي في حشود تويتر!

لتويتر حالياً حساسية بالمشهد السياسي الإقليمي والعالمي، تكشفها عناوين صحف من نوع: «تويتر طريق القاعدة إلى جيوب السعوديين وشبابهم»؛ «أمريكا تعترف بأنها أسست تويتر في كوبا لزعزعة استقرارها»؛ «تويتر يسبب طرد رئيسة تحرير روسية بعد نشر حوار مع قومي أوكراني»..

وإذا كان تويتر محجوباً بدولة عظمى كالصين، فإن دولاً ديمقراطية حجبته مؤقتًا كالهند وكوريا الجنوبية، ومؤخراً حجبته الحكومة التركية لولا اعتراض المحكمة الدستورية.. هذا المغرد «الفتَّان الفلتان» صار ممنوعاً من حكومات عديدة فضلاً عن بعض مثقفين يطالبون بحجبه أو تقييده في قفص كببغاء يردّد ما يقوله صاحبه.. فكيف تسنى لتويتر هذا التأثير الهائل رغم أن مستخدميه يشكلون 18 % فقط من مستخدمي الإنترنت بالعالم، وهم أقل كثيراً من مستخدمي الفيسبوك؟

يقال: إن الفيسبوك لأناس يعرفون بعضهم، إنما تويتر لأناس يريدون أن يعرفوا بعضهم.. يقال أيضاً: إن الفيسبوك مكان يتسع للأفكار الناضجة، بينما تويتر لأفكار سريعة غير ناضجة تلهث للحصول على أتباع.. يقول جوناثان زيتراين (أستاذ الإنترنت بجامعة هارفرد): «الصفات التي تجعل تويتر يبدو تافهاً وغير ناضج هي ما تجعله قوياً جداً.» فما هي تركيبة تويتر التي جعلته قوياً؟

الناس عادة يتكتلون في مجموعات وحشود، وتويتر أظهر أنه أكثر المواقع إغراء لتكتل الحشود.. فكيف يمكن تصور مسار الحشود في تويتر؟ تخيَّل أنك تشاهد من ارتفاع عشرة آلاف قدم صور توجهات حشود تويتر؟ ثمة طريقة مشابهة لالتقاط صور جوية فوق الحشود بالأماكن العامة كالمسيرات والاحتجاجات، حسبما ذكرته دراسة جديدة وفريدة من مركز بيو للأبحاث بعنوان «رسم خرائط شبكات تويتر: من حشود الاستقطاب إلى عنقود الجماعة».

هذه الدراسة أنتجت صوراً لحشود تويتر تكشف مناظرها المخفية مثل خرائط مسارات خطوط الطيران الجوية. الطريقة تمت بوضع كل شخص يساهم بمحادثة تويتر في نقطة معينة ثم تتبع مسار كل تغريدة بخط لتتكون مجموعة هائلة من النقاط على شكل حشود وشبكة خطوط للعلاقات بين المشاركين بالمحادثة، وفي الأخير تشكّلت خرائط واضحة المعالم. تقدم هذه الدراسة طريقة مبتكرة لتحليل البيانات عبر فحص التغريدات لآلاف من شبكات تويتر على مئات المواضيع لعدة سنوات؛ مع تحليل حجم ومحتوى وتركيب كل شبكة، وعناوين المواقع، ومصادر المعلومات، ونوعية المتواجدين وموضوعاتهم..

أظهرت النتائج حشوداً متنوعة لكل منها صفات خاصة من التغريدات وردود المستخدمين وتراسل بعضهم البعض، والمواضيع والمعلومات والمصادر التي تجذبهم ويتبادلونها، وأنواع الناس والمؤسسات التي تقود الحشود. واكتشفت الدراسة ستة نماذج للتخاطب مختلفة من الحشود. كل نموذج يظهر بالخريطة على شكل حشد هيكلي، وهي: الهيكل المنقسم ويأخذ شكل الحشد الاستقطابي، الهيكل الموحد (الحشد الضيق)، الهيكل المتشظي (مجموعات العلامة التجارية)، العنقودي (مجموعات الجماعة)، المحوري الداخلي (شبكة البث)، والمحوري الخارجي (شبكة الدعم). كل هيكل يحكي قصة طبيعة المحادثة ونمط اختيار الأفراد للردود وإعادة التغريد ومحتواها.

ينحصر الهيكل الأول في المواضيع السياسية، بينما الثاني يرتبط بالموضوعات المهنية والمؤتمرات وجماعات الهواية، والثالث يتركز على المنتجات المعروفة والخدمات والمواد الشعبية مثل المشاهير، والرابع يتركز على المواضيع الشعبية، في حين أن الخامس يرتبط بالأخبار العاجلة والصادمة ومخرجات وسائل الإعلام المعروفة، أما الأخير فيتناول التعامل مع شكاوى العملاء لقطاع الأعمال. وما يعنينا هنا هو النوع الأول رغم أنه رُصد في دراسات سابقة على عكس الهياكل الأخرى التي اكتشفتها هذه الدراسة.

ما كشفت عنه الدراسة الحالية أنه إذا كان الموضوع سياسياً، فمن الشائع أن يأخذ شكل حشدين قطبيين منفصلين بشكل واضح، ليشكلا مجموعتي مناقشة لا تتفاعلان مع بعضهما ولا ترتبطان إلا عبر اتصال ضعيف جداً رغم أنهما تتناولان نفس الموضوع. المشاركون في كل مجموعة منفصلون عن المجموعة الأخرى ويجلبون عادة مجموعات مختلفة جداً من عناوين المواقع، ويستخدمون هاشتاقات وكلمات متمايزة عن بعضهما، ويعتمدون على مصادر معلومات مختلفة عن بعضهما.

وفي أغلب الأحيان تم تشخيصهما كجماعات ليبرالية وأخرى محافظة .. الناس بالكتل التي حددت بأنها ليبرالية تستخدم مواقع الإخبار الأساسية المعروفة، في حين من حددوا بأنهم محافظين يستخدمون وصلات على المواقع الإخبارية المحافظة ومصادر التعليق. تقول الدراسة: «حشود الاستقطاب على تويتر لا يتناقشون. إنهم يتجاهلون بعضهم البعض..»

وكشفت الدراسة أن داخل مركز كل حشد يوجد قادة للمناقشة، هم أناس مشاهير يتم الرد عليها ونقل تغريداتها على نطاق واسع. إما أهم المؤثرين في شبكات تويتر فأطلق عليهم «المحاور» و«الجسور» يحتلون مواقع استراتيجية بتلك الشبكات. المحاور هم أولئك الذين يرتبطون ويستقبلون وصلات أكثر بكثير من معظم مستخدمي تويتر الآخرين؛ وتحددهم خرائط الشبكة في مركز حشدهم، فهم بارزون لأن أتباعهم يعيدون تغريداتهم ويكررون ما يكتبونه. أما الجسور فهم الذين لديهم صلات تعبر حدود المجموعات، ويؤدون دوراً مهماً في تمرير المعلومات من مجموعة إلى أخرى، ونشاطهم مؤثر لإحداث رسالة تكون لها شعبية واسعة بالنت.

ماذا يعني كل ذلك؟ نحن أمام ظاهرة عالمية توضح الطبيعة البشرية التي يكشفها تويتر على نحو قاس عبر المحادثات السياسية وما لها من أثر أبعد مدى خارج تويتر: إنه الحشد الاستقطابي بين مجموعتين من الناس داخل كل حالة سياسية، هما غالباً منفصلتان رغم أنهما تتحدثان بنفس الموضوع ولكن بطرق فهم مختلفة ومصادر معلومات مختلفة، ورسائلهما توجه لذات المجموعة دون توجيهها للمجموعة الأخرى إلا عبر فئة محايدة خارجة عنهما أو فئة ضئيلة من معتدلي كل مجموعة، لكن لا يلتفت لاعتدالها إلا قلَّة من المشاركين.. فالحالة الراهنة استقطابية شرسة!

المحادثات الاستقطابية بتويتر تؤججها أسماء لامعة ونجوم سياسية ودينية ركزت جهدها الإنترنتي في تويتر بعبارات مختصرة فاقعة وجذابة تدغدغ المشاعر، مع ميل كثير من الناشطين السياسيين لفرز أنفسهم في معسكرات حزبية تتعدى حدود الدول التي ينتمون إليها مما يثير اتهامات بالعمالة أو الخيانة من كل فريق تجاه الفريق الآخر.. كل ذلك يفتح شهية الإعلامي ليتناول تويتر كمنصَّة انطلاق يومية للأخبار المثيرة، وليصبح أقرب للضجيج الإعلامي منه للحراك الاجتماعي والثقافي.. ومن هنا صار لتويتر تأثيراً على الواقع السياسي العالمي هذه الأيام التي تشهد توترات محتقنة لا تقبل الحياد!

alhebib@yahoo.com

مقالات أخرى للكاتب