Monday 14/04/2014 Issue 15173 الأثنين 14 جمادى الآخرة 1435 العدد
14-04-2014

مرة أخرى: مالم تنصب المشانق في الميادين

في الأسابيع الثلاثة الأخيرة فقط حصلت ثلاثة حوادث مروعة في مدينة الرياض بسبب المخدرات. صدم سائق سيارة على الدائري الشرقي عربة أخرى تحمل عائلة بكاملها، فمات شخصان وجرح الباقون، أما الصادم فهرب. تم القبض عليه لاحقاً وكان تحت تأثير المخدرات واعترف بأنه صدم سيارة العائلة عمداً؛ لأنها لم تفسح له الطريق للاستمرار في سرعته المجنونة.

الحادث الآخر كان طعن العامل الهندي عشرات المرات من قبل مدمن مخدرات في حي السويدي. الحادث الثالث حصل يوم الجمعة الماضي فوق كبري عتيقة، حين سقطت سيارة عائلية من فوق الجسر إلى الوادي فمات جميع من فيها. بعد القبض على المتسبب في الحادث القاتل اتضح أنه كان تحت تأثير المخدرات ويقود سيارته بهمجية، فصدم عربة كانت خلف سيارة العائلة المنكوبة، وهذه اصطدمت بتلك. الصادم الأول والمصدوم الصادم الثاني هربا من مكان الحادث كأن شيئاً لم يحصل، أما العائلة فانتقلت إلى الدار الآخرة.

سبق أن كتبت في هذه الزاوية يوم الأربعاء الموافق 30 ربيع الأول 1433 هـ مقالاً عن اكتشاف الكثيرات من العرائس الجديدات إدمان أزواجهن منذ الأيام الأولى بعد الدخلة، مما يؤدي إلى ارتفاع هائل في نسب الطلاق في السنة الأولى من الزواج، أو أن تتعرض الزوجة إلى عذاب مستمر لا يعلمه إلا الله، وأحياناً للقتل.

موضوع اليوم له علاقة بالقتل في الشوارع بسبب المخدرات، بعد أن فاضت مشكلاتها من البيوت إلى الأحياء والطرق وأماكن التبضع. بشاعة الوضع جعلتني أنبش عن مقالي القديم لنشره مرة أخرى:

إدخال المشانق في هذا العنوان مجازي، لأن الشرع الإسلامي لا يستعمل الشنق في إنزال العقوبات. مع ذلك لا أخفي رغبتي في أن يرى الناس أثناء مرورهم على الميادين العامة تجار ومروجي المخدرات يتدلون من أعناقهم لإظهار الوضوح في التبليغ العام عن جدية الموضوع.

يزعجني ويحزنني أن تمر على العيادات الطبية بشكل متكرر مريضات في مقتبل العمر يعانين أشد المعاناة الجسدية والنفسية، لأنهن طلقن بعد زواج قصير لم يستمر أحياناً سوى بضعة أيام أو أسابيع. السبب الأكثر تكرراً هو اكتشاف العروس إدمان زوجها على المخدرات. السؤال الافتراضي عن إمكانية التعرف على شخصية المدمن قبل الزواج يكون جوابه دائماً بالنفي.

طالب القرب يتقدم دائماً لأهل البنت بمظهر التقي النقي وبكامل المواصفات الاجتماعية المطلوبة. الناس ليس لهم في الحكم على الأشخاص إلا الظاهر، والتحري أصبح لا يفيد لأن المجتمع صار لا يعرف بعضه بعضاً ومستعمل المخدرات ماهر جداً في تقمص ثياب الفضيلة حتى تقع الفريسة في قبضته.

تعودت أن يتخاطب معي آباء الفتيات المطلقات بالطريقة التالية: يا دكتور والله لو عرفته قبل اكتشاف الحقيقة لأقسمت أنه سيكون الزوج المثالي لأي فتاة. هدوء وسكينة ومظهر لائق وأسرة محترمة، لكن الظاهر أن أهله لم يكونوا يعرفون شيئاً عن شخصيته الخفية.

في بعض هذه الحالات يتم الطلاق بهدوء وبالتفاهم المستور بين الطرفين ثم يمضي كل واحد في سبيله، إلا أن الفتاة تكون قد انشطرت نفسياً وتشوهت اجتماعياً وصارت حظوظها المستقبلية في مهب الريح.

في حالات أخرى لا تنتهي الأمور بهذه الطريقة، بل تمر بتعقيدات تحطم أعصاب الفتاة وأسرتها بالكامل. أحياناً لا يمكن الإفصاح عن حالة الزوج المدمن ولا يمكن إثباتها بالدليل القاطع أمام القضاء، وأحياناً يتم السكوت والتستر لأسباب اجتماعية، فيحصل الطلاق مشروطاً باسترجاع المدمن كامل المهر وكل ما يكون قد دفعه للبنت وأهلها بعد أن دخل بها، مع الجهل التام المسبق بأنه ساقط مخدرات.

للأسف ليست حالات الطلاق المبكر هي كل أنواع المعاناة التي تمر بها أغلب النساء لنفس الأسباب.

هناك حالات كثيرة من جرائم التعذيب والتعدي على الحرمات وانتهاك الطفولة من قبل أزواج سقطوا في براثن المخدرات فتبقى جرائمهم من أسرار البيوت، أو يتم التغاضي عنها لأسباب اجتماعية ضاغطة، وقد تنتهي بجرائم قتل بشعة. مثل هذه الكوارث الاجتماعية صارت تتكرر عندنا وأصبحت من أحاديث المجالس والصحافة والفضائيات.

انتشار هذه الظواهر الحقيرة في مجتمع كان يوصف قبل عقود قليلة بالبراءة الفطرية، لم يعد يثير التعجب عندما نستحضر الأخبار المتلاحقة عن مضبوطات المخدرات التي تسجلها وزارة الداخلية. أرقام الضبطيات وصلت إلى ملايين الأقراص وعشرات الأطنان من العجائن والمضغوطات والمساحيق المخدرة.

عندما يتحدث الناس في الموضوع يعبرون عن خشيتهم من أن ما يتم ضبطه مجرد كسر جزئي من كميات هائلة تستهدف تدمير المجتمع السعودي بكامله. المخدرات تأتينا من منافذنا البرية في الشمال والجنوب ومن منافذنا البحرية في الشرق والغرب وأحياناً من السماء، والمتاجرون والمروجون يتحدر أغلبهم من دول عربية وإسلامية.

افتتاح عشرات ومئات المستشفيات والمصحات للتعامل مع ضحايا المخدرات لن يفيد، بل هو استنزاف آخر لطاقاتنا المالية والطبية والاجتماعية. الحل يكمن في أجهزة أشد كفاءة للضبط والمكافحة وفي محاكم جزائية مستعجلة وفي نصب المشانق في الميادين.

- الرياض

مقالات أخرى للكاتب