Wednesday 16/04/2014 Issue 15175 الاربعاء 16 جمادى الآخرة 1435 العدد
16-04-2014

أصبح الهلال طوقاً

سوف يجد القارئ في هذا المقال بعض الحنين إلى شيء من العروبة التي ألغت فاعليتها التوجهات القطرية منذ أمد طويل. هل توجد دولة مهمة في الواقع السياسي وذات حصانة ذاتية ليست قومية؟.. لا أعتقد.

الكتابة للتذكير بالانتماء للعروبة، كهوية جغرافية ولغوية وتاريخية وحضارية فيها مغامرة مستفزة للطرفين المتواجدين على الساحات السياسية في بلاد ما يسمى بالوطن العربي، وهما ذلك الطرف الليبرالي الذي يرى في الشعور القومي عرقية فاشية، وذلك الطرف العقائدي الذي ما زال يحلم بدولة الخلافة الكبرى، علاوة على حساسية الموضوع لكل الحكومات القطرية.

هنا يجب التذكير بأن كل من غزا واحتل واستعمر جزءاً من الأراضي العربية فعل فيها ما فعل تحت رايته القومية، سواء كان عثمانياً أو بريطانياً أو فرنسياً أو أمريكياً أو يهودياً، وكذلك الأمر للغازي الجديد تحت الراية الفارسية. الشعارات الدينية أو الديموقراطية والليبرالية كانت دائماً مجرد أصباغ تمويهية لأطماع اقتصادية قومية.

في تاريخ اليمن القديم، الذي تختلط فيه الحقيقة بالتزوير مثله مثل أي تاريخ شفوي، استعان أحد ملوك اليمن بالفرس لطرد الغزاة الأحباش، فكانت النتيجة التخلص من الأحباش مع وقوع اليمن تحت الوصاية الفارسية. لا يركز هذا التاريخ على أن غزو الأحباش بالأساس كان بتواطؤ مع بعض رؤساء القبائل اليمنية للاستقواء بالأحباش ضد القبائل اليمنية الأخرى.

هذا التاريخ (بنتائجه وليس بتفاصيله) ما زال يتكرر حتى الآن، في كل البلاد العربية، ولكن الحديث هنا عن اليمن. ذلك التحذير الشهير الصادر قبل سنوات قليلة من ملك الأردن ورئيس مصر السابق حسني مبارك من تكون هلال شيعي من إيران والعراق والشام لم يكن دقيقاً، لأنه لم يعبر عن حقيقة الهلال. لم يكن التحذير موفقاً في استعمال المفردات، ويعكس الهموم السياسية القطرية للأردن ومصر بمعزل عن الآخرين. الخطر من تكون هلال في العراق والشام متحالفاً مع إيران لم يكن شيعياً بالمفهوم الديني المذهبي، بل كان فارسياً بالمفهوم السياسي القومي. الشيعة العرب، أو العرب الشيعة الذين اصطفوا معه ليسوا في الواقع سوى بيادق على لعبة الشطرنج فوق أرض المنطقة العربية. المالكي والأسد ونصر الله لا يختلفون عن الحوثي وعلي عبدالله صالح وعلى سالم البيض في اليمن.

المهم الآن هو أن الهلال اتسع واستدار وأصبح طوقاً يمتد من طهران عبر بغداد ودمشق وبيروت وفلسطين وسيناء والسودان وإريتريا ليصل إلى اليمن بشماله وجنوبه.

ربما كانت الشقيقة عمان حلقة تلبس طاقية الإخفاء في هذا الطوق، أما قطر فعلمها عند ربي ثم عند الإدارة الأمريكية.

ما كان ينظر إليه قبل عشر سنوات على أنه مؤامرات طائشة ترتكبها إيران، لأنها تكلفها من الأموال والتخطيط والدعم اللوجستي ما لا طاقة لها به أصبح واقعاً فعلياً.

إيران مع ذلك الجزء من العرب الشيعة الموالي لها أصبحت تهديداً حقيقياً وخطيراً للأردن والسعودية والإمارات ومصر واليمن. أكملت إيران الطوق، بصبر وثبات وعزيمة تستثير الإعجاب، حول منطقة شاسعة لا يجمع بين سكانها سوى الدعاء على المنابر وادعاء الأحقية في تمثيل أهل السنة والجماعة.

أليس الأفضل تمثيل العرب جميعاً بسنتهم وشيعتهم وانصاراهم وكل أقلياتهم. وإلا لحقت بهم نفس تهمة الخيانة للمكون الجغرافي بتفاصيله كافة؟

إذاً إيران ومعها بعض العرب الشيعة أكملت الطوق حول العنق العربي، وأظن أن المسألة تتطلب تصرفين عاجلين. الأول الإسراع في محاولة نقض الطوق من أضعف حلقاته بسياسات عربية متضامنة وتدخلات محكمة وهادئة، على الطريقة الفارسية. الأمر الثاني أن يفكر المكون العربي الشيعي جدياً في نتائج التأييد للغزو الفارسي تذرعاً بالانتصار للمذهب على حساب الانتماء القومي. كل العرب الشيعة بدون استثناء، ما عدا المستغفلين مذهبياً من جهلة العوام، يعرفون أن الحكاية من أولها لآخرها ليست دينية ولا مذهبية، بل سياسية قومية هدفها استرجاع التاريخ الساساني القديم. هنا لابد من الاعتراف بأن محاولات التقرب من القوى الغربية وكسب رضاها يتساوى فيها الطرفان العربي والفارسي.

أعتقد أن المفاصلة قادمة، وسوف تكون مفروضة على المكون العربي بكامله، وما زال في الوقت متسعا للتخلي عن الخيانة العظمى.

أما تأجيل التصرف أملاً في انتفاضة الشعب الإيراني على حكومته، فذلك مجرد أضغاث أحلام. الإيرانيون يخططون فعلاً لتصفية ما يسمونه «الحساب القديم مع العرب»، والتحالف الغربي يتعاطف معهم، والمؤشرات واضحة.

- الرياض

مقالات أخرى للكاتب