Thursday 24/04/2014 Issue 15183 الخميس 24 جمادى الآخرة 1435 العدد
24-04-2014

هكذا علمتنا التجارب..

خاض المجتمع السعودي مراحل مختلفة في التنمية في جميع القطاعات، بعضها كان مثالاًِ للنجاح النموذجي، كذلك كان الفشل مصير بعض أوجه الخدمات الأساسية، ولعلني من الفئة التي كانت شاهداً على كثير من المتغيرات التنموية في الأوساط المحلية، وبما أن التجارب خير مدرسة في فلسفة العمل، سأحاول تقديم بعض الدروس المستفادة حسب تجربتي كشاهد على بعض الممارسات الإدارية.

علمتنا التجارب الإدارية أن فن الإدارة ومهارات القيادة حجر الزاوية في أي قصة نجاح، ولن نحتاج إلى أن نسوق الأمثلة من التاريخ البشري، فقصص النجاح الإداري تحكيها الإنجازات العظام في دول العالم، كذلك ترويها بعض قصص النجاح الإداري المحلية، ولم تصل دول العالم الأول إلى تلك المكانة إلا من خلال النماذج الفعالة في فنون الإدارة القيادية، والتي كان لديها رؤية نافذة لمختلف المشكلات، وتملك القدرة على التواصل مع المستفيدين من أجل الوصول إلى الأهداف.

علمتنا التجارب أن الشخص المؤهل إدارياً ليس على وجه الضرورة هو ذلك المتخصص في جزئية متناهية في الصغر، وليس الأكاديمي الذي يجري الأبحاث الدقيقة في مخبره، ولكن تلك الشخصية التي تتقن فنون القيادة، وتملك حس التواصل، وتستطيع رؤية وتمييز الخطوط العريضة في الصورة الكلية، وفي نفس الوقت ترى التفاصيل فيها بوضوح تام.

علمتنا التجارب أن بعض الإداريين في العصر الحاضر لا يستطع التفريق بين زمن «البرقية»، وبين عصر وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، والتي نصبت لكل شخص محطة إذاعية وقناة تلفزيونية ومركز إرسالية عاجلة، وأن يبرق لأعلى سلطة، وهو في منزله، بينما سعادته يعتقد أنه لا زال يعيش في زمن آخر، وأن بناء مزيد من الحواجز البيروقراطية قد تحميه من المحاسبة البشرية.

علمتنا التجارب أن المحسوبية داء منتشر في المجتمع لدرجة غير مسبوقة، وأن بعض الإداريين يعتقد أن توظيف الأقارب والأصدقاء حق من حقوقه، وأن من واجبه الاجتماعي أن يصل رحمه، وأن يرفع من منافعهم في عمله، إذا تمكن يوماً ما من الوصول إلى كرسي المسؤولية، بينما أصبحت مختلف الأنظمة الإدارية الحديثة تنص أن توظيف الأقارب مخالفة إدارية صريحة، وتستحق المحاسبة على مرتكبها، وأن تغليب مصالحهم على مصالح الوطن جريمة تستحق العقاب.

علمتنا التجارب أن «تطنيش» النقد الإعلامي سلاح قديم انتهت فعاليته، وأن الإعلام المعاصر أصبح متقدماً عن بعض نماذج التفكير الإداري المحلي، وظهر ذلك واضحاً في ظل اتساع هامش حرية التعبير في الصحافة، وأن لا سبيل إلا برفع الكفاءات والأنظمة الإدارية لتتواكب مع ارتفاع حرية التعبير، وأن يدرك الإداري في هذا العصر أن عيون الناس مسلطة على أدائه في مؤسسته أو وزارته، وأن رقابته الذاتية غير كافية.

علمتنا التجارب أن المحاسبة والمراقبة ضرورة من ضرورات العمل الإداري الناجح في أي خطط تنموية، لكن الاختلاف هو في كيفية تفعيل وسائل الرقابة، لكن المتفق عليه أن رقابة المستفيدين من الخدمات فيه تقويم لأي اعوجاج في أداء مقدميها، وأن مقياس بلوغ حد الكارثة في مسألة تقييم أداء سعادته هو كارثة في حد ذاتها، وقد يصعب في كثير من الأحيان إصلاح آثارها على المجتمع.

علمتنا التجارب أن الأوطان التي تتعلم من أخطائها التنموية تستطيع أن تختصر المسافات والزمن في سباق الوصول إلى مرحلة التنمية المستدامة.

مقالات أخرى للكاتب