Monday 14/04/2014 Issue 15173 الأثنين 14 جمادى الآخرة 1435 العدد
14-04-2014

الكورونا والإبل: عنز لو طارت..

دائماً ما نردد مقولات شعبية، إما لظرافتها أو لاستخدامها في موقف يتناسب مع مقاصدها، لكن ما يخفى على البعض أن بعض المقولات الشعبية تخفي خلفها فلسفة شعبية، تتميز باختزالها المعاني الكبيرة في كلمتين أو في جملة قصيرة، وقد كانت أساطير الأولين والأمثال الشعبية ملهماً لكثير من المحاولات للكشف عن أسرار العقل الاجتماعي، وعن قدرته على الاختباء والمراوغة خلف الأقوال المتناقضة، لذلك قد تكون أحياناً أساطير عبدالكريم الجهيمان -رحمه الله-، أكثر نفاذاً لفهم المجتمع السعودي من أن تقرأ أمهات الكتب في الفلسفة أو علوم الاجتماع.

بسبب ما يحدث من تعتيم في قضية الكورونا وعلاقتها بالإبل تداعت في ذاكرتي أسطورة المثل الشعبي الشهير:

«عنز لو طارت»، الذي يكشف أحد الجوانب المثيرة في الشخصية الاجتماعية السعودية، وهي الإصرار على الرأي، وإن كان خاطئاً كوضوح الشمس في رابعة النهار، وكانت قصة المثل الشهير تحكي قصة رهان بين شخصين عن كائن يتحرك من بعيد، فأحدهما قال إنه عنز، والآخر يؤكد أنه طائر، وعندما طار الكائن، وظهرت الحقيقة المحسوسة أصر الآخر أنها عنز ولو طارت، لكن التطور الجديد في قصة المثل، أن الرهان لم يكن حول كائن بعيد عن النظر، ولكن حول عنز يملكها صاحب الرهان الخاسر ويعرفها جيداً، لكنه يصر أنها كائن غامض.

أكتب ذلك تعليقاً عن دعوة معالي وزير الصحة المواطنين والمقيمين كافة إلى عدم الانسياق وراء الشائعات أو المعلومات غير (الموثوقة) في وسائل التواصل الاجتماعي، مطالبًا وسائل الإعلام المختلفة بأخذ المعلومة من المصادر الرسمية المعتمدة، ممثلة في وكالة الوزارة للصحة العامة، أو موقع الوزارة، أو المتحدث الرسمي للوزارة، والمعلومات التي يشير إليها معاليه في البيان الذي نُشر مؤخراً على موقع الوزارة: «إن فيروس كورونا ما زال غامضًا في العالم أجمع، ولا توجد معلومات مؤكدة عن طرق انتقاله، كما لا يوجد لقاح أو علاج خاص به»، نافياً المعلومات العملية التي نشرتها منظمة الصحة العالمية والأبحاث العلمية التي تشير إلى أن الإبل مصدر فيروس الكورونا، التي أكدتها الأبحاث العلمية..

كان أحد الأبحاث الموثقة الذي كشف الغموض، بحثاً شارك فيه مسئولو وزارة الصحة العلمي مع خبراء عالميين عن علاقة الإبل المصابة بإصابات الإنسان، كان المؤلف الأول في البحث وكيل الوزارة والدكتور والاستشاري الخبير في الأمراض المعدية زياد مميش، وشاركه في البحث معالي الوزير، وأيضاً وكيل الوزارة للصحة الوقائية الدكتور عبدالله عسيري، ونُشر في مجلة عملية متخصصة (Emerging Infectious Diseases) على موقعها قبل عشرة أيام، واستخدمته منظمة الصحة العالمية كأحد البحوث الأساسية التي تثبت أن الإبل لها علاقة مباشرة بانتشار الفيروس.

عنوان البحث الموثق (عدوى الإنسان بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية بسبب فيروس الكورونا، بعد التعرض لأبل مصابة في المملكة العربية السعودية 2013)، وملخصه كالتالي (تم التحقيق في حالة من حالات العدوى البشرية مع متلازمة الشرق الأوسط التنفسية متلازمة بسبب فيروس الكورونا، بعد التعرض للإبل المصابة، وأجري تحليل كامل للفيروس المستمد من الإنسان، و15 في المائة من تسلسل الفيروس المستمدة من الإبل، وأسفرت متطابقة النوكليوتيدات المتعددة الأشكال، ومؤكدة انتقال الفيروس عبر الأنواع أي من الإبل للإنسان، وكان الاستنتاج أن الجمال قد تكون بمثابة مصدر مباشر لعدوى فيروس الكورونا للإنسان).

ساهم البحث العلمي للوزارة في كشف الغموض عن وباء الكورونا، وفي تأكيد العلاقة بين الإبل والمرض، لكن وجه الغرابة أن يخرج بيان وزاري بعد ذلك يصرّ على غموض المرض، وأن وسائل انتقاله غير معروفة، ويرفض التعليق على علاقة المرض بالإبل، وبالتالي يبرز عفوياً الفهم الفلسفي الشعبوي للمقولة الشهيرة (عنز لو طارت)..

وكما ذكرت أعلاه، الاختلاف عن القصة الشهيرة خلف المثل، أن الأمر لم يعد رهاناً عن كائن بعيد عن النظر، ولكن عن كائن يملكه صاحب الرهان الخاسر، الذي يصر أن عنزته التي يعرفها جيداً طائر غير معروفة أوصافه أو نوعه، وبذلك تكون القضية أكثر من عناد، وتكشف أن الغموض خطة إدارية، قد تكشف في درجة غير مسبوقة طريقة تعامل بعض المسؤولين مع المواطنين.

خلاصة الأمر أن ما يتردد في وسائل التواصل الاجتماعي مصدرها دراسات علمية موثقة، وإحدى هذه الدراسات شارك فيها معالي وزير الصحة، ولا نعلم لماذا تخرج البيانات الوزارية التي تناقض المصادر الموثقة، وتكرس الغموض حول الوباء الفيروسي، وقد نحتاج إلى قراءة مختلفة عن المقولة الشعبية الشهيرة، «إذا فات الفوت ما ينفع الصوت»، بعد أن وصل الوباء والذعر إلى المستشفيات، وإلى درجة أن ينتقل من الإنسان إلى الإنسان.

مقالات أخرى للكاتب