Thursday 03/04/2014 Issue 15162 الخميس 03 جمادى الآخرة 1435 العدد
03-04-2014

طاقة التمرد والإرهاب

مما لا شك فيه أن ظاهرة هروب بعض الشباب السعودي إلى ميادين القتال في سوريا وغيرها تستحق الاهتمام والدراسة، ليس فقط من باب النصيحة وإرجاعهم إلى الدين الحق، ولكن من أجل البحث عن الأسباب الكامنة خلف تمرد وانتحار الشباب في ميادين الاقتتال والجهاد خارج البلاد، وربما لن يتحقق الهدف من خلال فقط معاقبة المحرضين على الجهاد، والتي لن تحل المشكلة من جذورها، بل لأسباب لها علاقة بالأرث الديني قد تزيد من شعبيتهم بين الشباب المندفع لركوب موجات التمرد .

ما أحدثته تجربة أفغانستان في الثمانينات من افتتان بظاهرة الجهاد سيصعب معالجته بالترهيب والتخويف، بعد أن ضخمت تلك التجربة مشاعر التمرد، والذي تغذيه بعض التفسيرات الدينية، كان ذلك الأرث كامناً لفترة طويلة منذ التوحيد، بسبب سيطرة فكر الدولة والسلطة في الإسلام، لكن التجربة الأفغانية أيقظته من سباته، وكان أحد أهم عواقبها الانشقاق عن الفكر الديني الذي يؤمن بالدولة واستقرار السلطة، ثم تشكيل مركزية أخلاقية متمردة عن الأخلاق العامة، وتستمد وقتها من بعض النصوص والفتاوي الدينية.

من أسباب ظاهرة التمرد ارتفاع نسب الشباب في المجتمع، والتي من أبرز نتائجها زيادة الطاقة الإنسانية غير المستغلة في المجتمع ، ويغذي عنفوان الشباب ثقافة التمرد على الأنماط السائدة، والتي تختلف باختلاف الثقافات، وعلى سبيل المثال ظهر التمرد في الولايات المتحدة في سماء الإبداع العلمي والتقني وغيرها، كان من أهم إفرازاتها ثورة وسائل الاتصال الاجتماعي الجديدة من قبل شباب في مقتبل العمر على الوسائل القديمة، ومنها أيضاً بروز ظاهرة التمرد السياسي في دول العالم الثالث في ظل غياب نظرية التطور في الفكر العام، وخروج الشباب في الشوارع لتفريغ طاقاتهم المتفجرة لإحداث تغيير ما.

لعل أكثرها خطورة تلك التي ترعرت في بيئة مشبعة بالتفسير الديني، كما هو الحال في البيئة السلفية الخالصة في المجتمع السعودي، التي تحرَض في بعض أدبياتها على الانتقال من حالة الانصياع التام لأخلاق المجتمع ومركزية الدولة إلى الخروج عنها تحت ذريعة لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وتزود أدبيات الجهاد في الإسلام منذ الحروب الصليبية الفتاوي اللازمة للانقياد إلى دعوات الجهاد ضد الأعداء القادمين من الخارج.

وبتعبير أكثر شفافية، يأخذ الفكر السلفي المعاصر تفسيره الديني من الفقيه الشهير ابن تيمية، والذي عاش في القرن الرابع عشر الميلادي، وهي مرحلة اتسمت بغزو التتار لبلاد المسلمين، وكان للشيخ الفقيه دور مهم في التحريض على الجهاد، ومن أجل إخراج الناس للجهاد تم تقسيم العالم في القرون الوسطى إلى «دار إسلام» و»دار كفر»، واقتبس أسامة بن لادن مرارا فتوى ابن تيمية في دعوته المسلمين إلى الجهاد ضد الولايات المتحدة وغيرها، ووجه خطابه للنشء والمراهقين في استدعاء تاريخي لشخصية ابن تيمية وأقواله واجتهاداته، وذلك من أجل استغلال طاقة الشباب وتوجيهها للخروج دائرة الطاعة إلى التمرد على الأخلاق الاجتماعية السائدة،..

تزخر بعض أدبيات مشائخ الصحوة المعاصرة أيضاً باستدعاء واضح لشخصية الفقيه الشهير ابن تيميه، وتجد ذلك التقسيم التيموي متواجداً في مواعظهم، والتي وصلت إلى اعتبار الدول التي تحكم بالقانون، وإن كان تطبيقاً خفياً دار حرب، واعتبارهم كفاراً تجب محاربتهم، وفي تطبيق تلك التعاليم ستكون جميع دول العالم المعاصر كافرة ودار حرب، وتكمن الصعوبة في مواجهة تلك الأصول الثابتة أنها كانت أحد مرتكزات قيام الدولة في الإسلام، لكن الإشكاليه أن ذلك الفكر يرفض قيم الدولة الحديثة، ويعتبر التطوير في مختلف أنماطه دعوة للكفر الصريح، وهو ما يجعل من التصادم بين دعاة الدولة المدنية وأنصار الدولة الدينية حتمياً في مستقبل الأيام .

يزيد من الحاله السلفية تعقيداً غياب المجدد الذي يملك المكانة العلمية التي تؤهله إلى نقل التفسير الديني من مرحلة العصور الوسطى التي يحكمها فكر ابن تيمية، إلى مرحلة أكثر تقدماً وقادرة على صنع بيئة عصرية لتفريغ الطاقة الشابة وتمردها في مجالات معاصرة، ومنها أن نفتح أبواب الإبداع في مجالات الصناعة والتعليم والأبحاث، ومحاربة الفساد وإعادة بناء الأولويات، وذلك بتقديم الكفاءات وتشجيع الإبداع في شتى المجالات، ومنح الفئات على الهامش أدواراً قيادية في المرحلة القادمة، وقد تقود تلك التطورات التمرد إلى سماء الإبداع ، وتسطرد انبعاثات التمرد السلبي والعبثي الذي يؤدي إلى القتل والإرهاب، ولن يحدث ذلك إلا باستحداث مناهج متطورة في التعليم، وتصب منتجاتها في مجالات الإبداع في المدنية المتقدمة.

ختاماً يحتاج الأمر إلى الشجاعة في الخروج من أنماط الأخلاق الاجتماعية السائدة، والتي أصبحت لا تتوافق مع روح الطاقة المتجددة في عقول الشباب الجدد، ويؤدي الإصرار عليها إلى زيادة معدلات العبث والتمرد السلبي بين الشباب، كذلك أن تُستبدل الإطروحات الثقافية المعاصرة أسلوبها العنيف ضد الظاهرة الجهادية، إذ لا يمكن أن يقبل شاب تتلمذ في فصول المدرسة السلفية دعوات ليبرالية في العودة إلى الطاعة حسب المفهوم السلفي، فالأمر يحتاج إلى أطروحات مدنية متقدمة تفتح آفاق الشباب، وتزيد من خيارات طموحاتهم الكبيرة في الحياة .

مقالات أخرى للكاتب