Saturday 03/05/2014 Issue 15192 السبت 04 رجب 1435 العدد
03-05-2014

من طرائف المعلمين

مقطع صوتي لمعلم بين تلاميذه الصغار في ما يُسمى الصفوف الدنيا الابتدائية يشرح لهم أركان الإيمان ومراتبه، وبعد الشرح المُبسّط الميسر سأل التلاميذ: ما هي أعلى مراتب الإيمان حسب ما قلنا قبل قليل؟ فأجاب أحدهم بأن مرتبة السيارة اليوكن هي الأعلى! فعارضه زميله بأن الددسن (الداتسون) هي الأعلى، وهكذا نشب خلاف بين الصغار حول أعلى المراتب في فهمهم القاصر المنحصر بكرسي السيارة واسمه الدارج الآن هو مرتبة السيارة، حينما استمعت للمقطع الصوتي أيقنت بأحقية كل معلم براتبه، بل وبزيادة فورية تعوّضه مصاريف علاج سكري الدم والضغط، والعلل النفسية والاضطرابات العقلية المفترضة المنتظرة من طول بقائهم بين هؤلاء الصغار وعلى هذه الحال، أو بتأمين صحي يركز على العوارض النفسية والعقلية وما يمكن أن يطرأ من جلطات دموية تصيب مرهف الحس من المعلمين، ومعلوم طبياً أن سكري الدم والضغط إذا ما تمكَّنا من الإنسان فإنه مرشح للجلطات المفاجئة، والمعلمون العاملون بمثل هذه الظروف المدرسية ليسوا بمنأى عن الوقوع بالمخاطر، أنا أصبت بتوفّز الأعصاب (النرفزة) بمجرد سماع أقوالهم حول علو المراتب وانخفاضها، وانصراف أذهانهم لأمور لا علاقة لها بموضوع الدرس ما يعني أن ثمة فجوة بين ما يتلقاه التلميذ في مدرسته وبين واقعه المعيشي خارجها، وأن لا رابط يمكن أن يُقرّب المفاهيم هذه وتلك لتكوين مُنَاخاً تربوياً تعليمياً معقولاً يفيد التلميذ وينشر المعرفة المجتمعية بأسلوب أكثر تحضّراً ورقياً، وتتصاعد مقوماته وتراكماته لتنتقل مع ترعرع الأجيال إلى مستويات يحتاجونها في مراحل حياتهم علمياً وعملياً وأسلوب حياة، غياب هذه المفاهيم التربوية مَنْ يكون السبب بحدوثها: المناهج أم المعلم أم بيئة الطالب؟ في كل الأحوال والإجابات، فالأمر يحتاج إلى وقفات متبصِّرة، بعيون تربوية حادة، وفكر تعليمي ثاقب، فقد مضت الأجيال والعقود الزمنية والآمال معقودة على مخرجات تعليمية تنهض بهمم النشء، وتنير عقولهم بنقلهم إلى آفاق أرحب في مسيرتهم التعليمية، وإذا بهذه المخرجات لا تتواءم مع طموحات القيادة التي سخّرت أعلى الميزانيات المادية لتطوير التعليم ومناهجه ومبانيه ومنشآته ومعلميه، وكانت النتائج محبطة لدرجة أن التلميذ لا يُفرّق بين مرتبة الإيمان ومرتبة الفراش أو السيارة، لا أدري هل أتحسر على المعلمين أم أتحسر منهم فلا حد واضحاً يفصل يقيناً ويُفسّر من هو السبب في هذا الواع المرير.

وتأكيداً لما يعانيه المعلم من مهنته الشريفة ورسالته الإنسانية، وأنه كلما زادت سنوات خدمته تتضاعف لديه الأعراض غير المرغوب فيها صحياً لدرجة يظن معها المقرّبون منه أنه بدأ بالعد التنازلي نحو الخرف إن لم نقل الخلل الذهني، أدعوكم للبحث عمَّا قاله أبو عثمان عمرو بن بحر (الجاحظ) أديب عربي كان من كبار أئمة الأدب في العصر العباسي، اشتهر بالحكمة والظرف وخفة الظل، عمّر نحو تسعين عاماً وترك كتباً كثيرة من أشهرها البيان والتبيين والحيوان والبخلاء، كتب في علم الكلام والأدب والسياسة والتاريخ والأخلاق والنبات والحيوان والصناعة والنساء وغيرها، وألف كتاباً عن (نوادر المعلمين) ومواقفهم الظريفة مع التلاميذ وما يعانونه من حيلهم الصبيانية، وأساليبهم في ذلكم الزمان للمعالجة التربوية، إلا أنه لم ينشره أو فقد كما يُقال.

t@alialkhuzaim

مقالات أخرى للكاتب