Thursday 08/05/2014 Issue 15197 الخميس 09 رجب 1435 العدد
08-05-2014

الخيار بين الدكتوراه أم الماجستير

في زاوية المسكوت عنه ليوم السبت، قبل أسبوعين، كتبت مقالاً بعنوان «الأرقام لها الفصل: الدكتوراه أم الماجستير» كاستجابة عن كثرة تساؤل بعض الطلبة - الطموحين ذوي الكفاءة العلمية والمقدرة العقلية - عن رغبتهم في إكمال دراسة الدكتوراه بعد حصولهم على الماجستير، إلا أن غالب من حولهم يثبطهم ويزهدهم في ذلك ويصوّرون لهم أن المستقبل الوظيفي والمادي سيكون أفضل لهم بعدم إكمال الدكتوراه.

وبافتراض تحصيل الدكتوراه عن جدارة، ففي ذلك المقال، تحدثت الأرقام عن أيهما ، الماجستير أو الدكتوراه، أكثر احتمالية بأن تمكن صاحبها من الرقي في المناصب الإدارية الخاصة والعامة وفي التوظيف وفي المداخيل المادية.

وقد بيّنت الأرقام، وببون شاسع، أنّ حملة الدكتوراه هم الأعلى احتمالية والأكثر فرصة في تبوأ المناصب الأعلى في القطاعات الخاصة والعامة والحكومية، وأنهم الأقل احتمالية للبطالة وأنهم يحصلون على الأقل، ضعف المردود المادي الذي يحصل عليه حامل الماجستير.

والمقارنة التي سأقدمها هي باعتبار الشخص نفسه بقدرته العقلية وهمته ومقدرته الإدارية، أو باعتبار مثيله في هذه القدرات.

وليس مقارنة بين بليد حامل للدكتوراه وبين ألمعي حاد الذكاء نحرير الفهم والبصيرة، حتى ولو كان أمياً. فالمقال يفاضل بين خيارين لشخص واحد لا مفاضلة بين أشخاص مختلفي القدرات، فهل الدكتوراه أنفع له أم الماجستير.

ومقال اليوم سأتناول فيه مرتكزين أساسيين، يرتكز عليهما طرح تفضيل المواصلة للحصول على الدكتوراه ويشرح أسباب نتائج الأرقام التي أيدت هذا التفضيل بالواقع الحاصل، وخاصة أنّ أغلب الأرقام هي من مجتمع غربي متطور، يضع الإنتاجية والإبداعية المعيار الأول لتنصيب القيادي والإداري.

والمرتكز الأول هو أن المخالطة والمسئولية لها آثار مخففة لبلادة البليد - ذي الحياء - الحاصل على الدكتوراه. فالبليد الذي قرر أن يواصل الدراسة ويحصل على الدكتوراه، فإنّ موضعه كدكتور يقدم له فرصة مخالطة غيره من الدكاترة، فيستحصل بذلك على علوم وخبرة تنفعه ما كان ليتحصل عليها لولا ذلك. وهذا بشرط أن ينتبه لذلك ولا يسمح لطبيعة نفسه البليدة، أن تقوده فيخالط أشباهه وأمثاله من حملة الدكتوراه البلداء، فالنفس ميالة لأشباهها، ومخالطة البلداء من الدكاترة مصيبة مضاعفة، فهي تزيد جهله جهلاً وتجعل جهله مركباً مستعصياً على الإصلاح.

والدكتور البليد، قد تضعه شهادته في موقع مسئولية تدريس في جامعة أو استشارة أو منصب.

فيستحي من بلادته فيعمل على تطوير نفسه وتعليمها، فيستحصل على علوم ما كان ليتحصل عليها لو جلس على الماجستير. وأما إن كان دكتوراً بليداً خالي الوجه من الحياء، فإنّ موقع المسئولية لا يزيده إلا بلادة في الفهم والعلم. وتجعله ساذجاً سطحياً، متفيقهاً بيزنطياً جاحداً للحقائق ناقلاً للأساطير والأكاذيب ومروّجاً للشائعات، متهماً للآخرين بالفساد والجهل، في مناورات نفسية لتغطية بلادته التي تصبح فيما بعد خلقاً له وصفة ومنهجاً.

وهذا المرتكز يغطي جانباً كبيراً من الشواهد والأمثلة التي يستشهد بها مؤيدو عدم إكمال الدكتوراه، باختلاف دواعي رأيهم. فقد يكون رأيه بتفضيل الاكتفاء بالماجستير بسبب ما شاهد من أشكال هؤلاء الدكاترة البلداء، وقد يكون بسبب الدواعي النفسية الإنسانية التنافسية الهدامة بشتى صورها.

وأما المرتكز الثاني فهو تعديل الفهم المقلوب لمقولة أنّ الدكتوراه درجة بحثية، والتي تأتي في سياق السلبية لتأكيد عجز حاملها عن المناصب القيادية والإدارية، وبالتالي فهي تنهي بصاحبها إلى مهنة بحثية محضة.

ومقولة أنها درجة بحثية هي مقولة صحيحة ولكنها فهمت بالمقلوب مضموناً ونتيجة التي قصرتها على كونها مهنة بحثية.

فأما مضموناً، فلأنّ ثلث برنامج الدكتوراه في النظام الأمريكي ومن اتبعه عالمياً، هو بحث محض وأما ثلثاها فهو دراسة متعمقة جادة لأصل فلسفة العلم وأساساته التي بني عليها. وما البحث الذي هو رسالة الدكتوراه، إلا تطبيق عملي لاختبار فهم الطالب المرشح للدكتوراه لهذه المواد. ففهم أصل العلم وفلسفته بحد ذاته ولو بدون الرسالة البحثية، هي التي تمكن صاحبها من إدراك المشاكل الخفية والصعوبات الطارئة التي تطرأ في مجال عمله في هذا العلم. كما تمكنه من ترهيم وتكييف النظريات والتجارب لكي توافق خصائص مجتمع مجال عمله والتي غالباً ما تكون مختلفة عالمياً في العلوم الاجتماعية عموماً، كالاقتصاد والسياسة والاجتماع والإدارة ، بل وكثيراً ما تلحق هذه الخصائص العلوم التجريبية المحضة كالطب والهندسة.

وكون القائد أو الإداري يتميز بهذه المعرفة، فإنها تعطيه حصاناً براقاً، يكسبه في أشهر معدودات، خبرات سنوات وأكثر ممن لا يتميز بهذا.

والخبرة التي قد يتحصل عليها من لم يدرس هذه العلوم لكي يصل إلى مستوى من درسها، تكلف المنظمة كلفة عالية وتحتاج إلى زمن طويل وذكاء حاد، اللذين لو توفرا ، أي الذكاء الحاد والزمن ، في من درسها لأصبح أسطورة في مجال علمه وعمله.

وأما خطأ فهم هذه المقولة من حيث النتيجة، فهو لأنّ القدرة على البحث تعطي صاحبها خبرة وثقة وعلماً وتمرساً وأدوات تمكنه من تأمل وتحليل مستجدات ما يطرأ ، وتمكنه من دراسة معطيات المستجدات وبحث علومها ثم تعطيه المقدرة على الوصول بنتيجة بدائل لحلها.

وهذا على خلاف من لم يتعود على هذا ولم يملك أدواته. وهذا يشرح كون كثير من الدكاترة في العالم الذين نبغوا وأبدعوا في غير مجال تخصصهم.

ونقف هنا لضيق المقام وسيكون المسكوت عنه السبت مقتصراً على الطلبة السعوديين- المؤهلين علمياً وعقلياً - في تبيين أنهم أولى من غيرهم للسعي لتحصيل الدكتوراه.

hamzaalsalem@gmail.com

تويتر@hamzaalsalem

مقالات أخرى للكاتب