Monday 12/05/2014 Issue 15201 الأثنين 13 رجب 1435 العدد
12-05-2014

البسطة أرقى بقيمتها من ناطحة السحاب

شعرت بالاعتزاز والفخر وأنا أشاهد شباب وشابات الوطن قد اصطفوا بـ (بسطات) متنوعة في جنبات أحد الأسواق التجارية بالرياض، وزاد غبطتي حين علمت أن أغلبهم حاصل على الشهادات العلمية المتقدمة، وأثلج صدري وزادني انتشاء وزهوا اعتزازهم وفخرهم بعملهم.

والأمر بحقيقته وتاريخه ليس جديدا على الإنسان السعودي، فقد عمل في كل المهن دون استثناء، لولا أن دولار النفط برفاهيته كاد أن يرخي الهمّة ويفرغ سوق المهن من أهلها ليتولاها نيابة عنهم إخوة وأخوات قدموا من خارج الحدود والبيئة ليتغير المشهد وتتغير طبيعة السوق بسلوكه وثقافته، وقد كنت وما زلت من أولئك الذين رأوا أن خطط التنمية الخماسية أهملت الجانب الإنساني وتركزت في الجانب المادي، وإنها وإن التفتت أخيرا في خطتها الثامنة والتاسعة نحو التنمية والتطوير في صالح الإنسان المواطن إلا أنني لم أكن أتوقع أن نحصل على هذه المفاخر وبهذه السرعة، بيد أن ما يجب أن يقال هنا هو أن الاحتياج الذي أفرزته الجوانب السلبية لتلك الخطط هو المحرك والحافز والباعث الحقيقي لهذه العودة الشجاعة للمواطن إلى ذاته وتحفيزه وتوجيهه لتحقيق قيمته، والأمر كذلك، فقد أصبح الالتفات بجدية نحو هذه الظاهرة المفخرة تستوجب من راسمي خطط التنمية التقاطا ذكيا وسريعا يدعم ويسند هذا الاتجاه فينميه ويحميه، وإلا فإني أخشى أن تُكسر هذه الإرادة ويتم القضاء عليها برؤية فوقية تمدد فترة الانتقال الطبيعي من الاتكال والاعتماد على ريعية الدولة إلى تحقيق القيمة في الإنتاج والعمل.

حين تحدثت مع بعض هؤلاء المواطنين شبابا وشابات وجدتهم في غمرة حماسهم وفخرهم واعتزازهم بأنفسهم قلقين إلى حد ما من إجراءات وأنظمة الجهات المعنية وبخاصة البلديات، فهم لا يملكون تصاريح للعمل رغم حرصهم ورغبتهم بذلك، بل يرون أن منحهم التصاريح النظامية سيساعدهم في تجنب المنافسة الدخيلة والطفيلية التي لا يزال لها وجود في السوق، كذلك أبدوا أمرا مهما للغاية ويستحق التوقف عنده، وهو في عزم البلدية تخصيص محلات في جانب السوق لهم، وهذا وإن كان في ظاهره أمر جيد ورائع إلا أنه في الحقيقة عامل إحباط وإفشال، فهذا التوجه من البلدية وإن قصد به التنظيم والضبط إلا أنه يتجاهل قيمة ما يعرف بـ (البسطة) وحيويتها، فهي نوع قائم بذاته وتحويلها إلى شيء آخر لا يعني تطويرا أو تنظيما وإنما قضاء عليها وإزالة لها، وبالتالي فالمطلوب هو منح هؤلاء تصاريح لغرض الضبط والحماية وليس المطلوب إزالتها أو القضاء عليها، فهي ليست عيبا ولا خطيئة، بل إن وجودها غاية وهدف وذلك لتحقيق المنفذ السهل البسيط للمواطن نحو الدخول إلى النشاط التجاري والمهني.

إن فتح وإتاحة منافذ الكسب أمام المواطن يمكن أن يتسع لينال من الطموح المترف للنفس والعين الثرية والغنية في مجسمات جمالية جامدة لرصيف أو شارع أو ميدان ولا بأس بذلك إذا أدركنا أن تعود النفس والعين على رؤية ومعايشة واقع يخلق حالة إلف وتجانس بين الناس والأشياء، ألا نرى كيف نبني المنازل والقصور ثم نزينها بالخيام وبيوت الشعر وأحيانا أخرى بالطين والتبن وما توفر من أداوت ربما هي بدائية ومتهالكة لا لشيء إلا لوجود الحنين النفسي للقيم، كما أن فتح وإتاحة منافذ الكسب هو الواجب الحقيقي على الدولة وليس التوظيف، وحين ندرك حجم البطالة ومحدودية الفرص المتاحة في القطاع العام أو الخاص فإن الواجب يدعونا بحق لحماية هذا الاتجاه الذي بدأت تظهر بوادره وبقوة بل ونشجعه، كما أنه لابد من الإقرار والاعتراف بحقيقة لا جدال فيها وهي أن نشاط (البسطة) سيبقى وسيستمر إن بالقبول أو عدمه من قبل الجهة المعنية، باعتباره جزءا من ثقافة النشاط التجاري الاجتماعية، وهي أي البسطة موجودة في كل أنحاء العالم بما فيه الدول المتقدمة وينظر لها بخصوصية وتميز.

إنه إذا كان من سلبيات الخطط التنموية ظهور البطالة والفقر فإن هذه أعادت لنا القيمة في الإنسان وأخذت بيده نحو تحقيق ذاته بذاته، وما نشاهده اليوم من توجه جماعي لأبناء وبنات الوطن نحو إثبات الذات حري وجدير بالجهات المعنية أن تلتقط القيمة الإنسانية والوطنية لهذا التوجه فتحميهم من المنافسة الدخيلة والمتطفلة من قبل العمالة الوافدة العاطلة من جانب والنظم والإجراءات المترفة المتعالية على الواقع من جانب آخر، وبحق فإنه معيب ومخزٍ أن يحارب المواطن حتى في البطالة والفقر من قبل العمالة الوافدة، وبحق أيضا فإنه موجع ومؤلم أن تكون النظم والإجراءات عقابا ورادعا لانطلاقة الطموح الفتي لبنت وابن الوطن نحو تحقيق الذات.

Hassan-Alyemni@hotmail.com

Twitter: @HassanAlyemni

مقالات أخرى للكاتب