Monday 19/05/2014 Issue 15208 الأثنين 20 رجب 1435 العدد
19-05-2014

مؤشر التقدم الاجتماعي بالسعودية

المؤشرات التقليدية لتقدم الدول تنحصر في الاقتصاد وأشهرها معدل الناتج المحلي الإجمالي.. أمريكا بخمسينات القرن الماضي كانت -ولا تزال- أعظم الدول اقتصادياً وعسكرياً وعلمياً، لكنها عانت اجتماعياً من التمييز العنصري الذي كاد أن يؤدي لحرب أهلية تُسقط منجزاتها..

التنمية الاقتصادية هي الأساس، لكنها وحدها غير كافية، بل قد تكون مضللة كقناع يغطي حالة الواقع الاجتماعي.. ومن هنا ظهر «مؤشر التقدم الاجتماعي» كمقياس جديد أكثر شمولية من المؤشرات الأخرى؛ ويقصد به مُعدُّوه بأنه قدرة المجتمع على تلبية الاحتياجات الأساسية لمواطنيه، ووضع اللبنات الأساسية التي تسمح للمواطنين والجماعات بتعزيز والحفاظ على جودة حياتهم، وتهيئة الظروف للوصول لكامل إمكاناتهم.

هذا المؤشر ظهر هذه السنة شاملاً 132 بلدا، وكان قد انطلق تجريبياً العام الماضي لخمسين بلداً فقط، بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة للمنتدى العالمي سكول بجامعة أكسفورد للمشاريع الاجتماعية. والمؤشر تصدره منظمة غير ربحية اسمها «حتمية التقدم الاجتماعي»، يرأسها مايكل بورتر البروفيسور بكلية هارفارد للأعمال.

يقيس المؤشر 54 مجالاً للاحتياجات الإنسانية، يوزعها بثلاثة معايير رئيسية كل منها تضم أربعة تحت رئيسية التي بدورها تضم عدة مجالات؛ مستنداً على كتابات علماء اقتصاد كبار أمثال: أمارتيا سين، دوغلاس نورث، جوزيف ستيغليتز (حاصلون على جائزة نوبل للاقتصاد). معايير المجالات الرئيسية هي: 1- الاحتياجات الإنسانية الرئيسية (التغذية والعناية الطبية، المياه والخدمات البلدية والصرف الصحي، الإسكان، السلامة الشخصية والأمن)؛ 2- أسس العافية (التعليم، الوصول للمعلومات، السلامة الصحية، البيئة)؛ 3- توفير الفرص (الحقوق الشخصية، الحرية الفردية، التسامح والاندماج، الوصول للتعليم المتقدم).

الفلسفة هنا، هي أن الاقتصاد ليس كافياً، كما ذُكر. على سبيل المثال، أمريكا تتقدم على نيوزيلندا بمعدل الناتج المحلي لكن الأخيرة تتقدم بمؤشر التقدم الاجتماعي. غانا ونيجيريا لهما نفس معدل الناتج المحلي ولكن الأولى ترتيبها 96 والثانية 123 بمؤشر التقدم الاجتماعي. أستراليا المتقدمة بمؤشر الناتج المحلي الإجمالي (المرتبة 6) تحتل المرتبة 22 في الإسكان.. روندا من أفقر دول العالم بالناتج المحلي الإجمالي لكنها متقدمة بمجال الالتحاق بالمدارس الابتدائية.. موزنبيق من أفقر الدول لكنها متقدمة بمجال المساواة والاندماج..

كما أن الإنفاق على كل مجال ما لا يعني النجاح فيه، فالمؤشر يقيس ما تحقق فعلاً وليس الإنفاق أو الجهد المبذول.. مثلاً أمريكا تنفق عالمياً أكثر على الرعاية الصحية للفرد، لكنها تحتل المرتبة 11 في مجال الصحة. كما أن التقدم في مجال لا يعني التقدم في آخر. أمريكا من دول المقدمة بمعيار توفير الفرص (المرتبة 5) ولكنها بالترتيب 38 في أسس العافية. والمؤشر لا يكتفي بالترتيب والدرجة لكل مكون بل أيضاً يُحلل كل مكون محدداً القوة والضعف النسبيين قياساً بالبلدان المشابهة بالناتج الإجمالي، مما يتيح صورة أفضل للقادة وصناع القرار والمسؤولين بالحكومة وقطاع الأعمال والمجتمع المدني..

نتيجة الترتيب عالمياً أظهرت العشر الأوائل -كالعادة - من دول شمال أوربا مع كندا وأستراليا ونيوزلندا وتراوحت نقاطها ما بين 86 إلى 88 نقطة من مئة. بعدها جاءت: النمسا، ألمانيا، بريطانيا، اليابان، أيرلندا، أمريكا، على التوالي (من 83 إلى 85 نقطة). أما روسيا فكانت في المرتبة 80، والصين تأخرت إلى 90، وأكثر تأخيراً الهند 102.

بالنسبة إلى الدول العربية، جاءت الأولى الإمارات بـ73 نقطة وترتيب 37 عالمياً، تلاها الكويت، ثم السعودية بترتيب 65 عالمياً بـ64.4 نقطة. أما آخر الدول العربية فكانت السودان (ترتيبها 128) واليمن (125) والعراق (118)، فيما جاء بالوسط: تونس (ترتيبها 70)، الأردن (75)، لبنان (83)، مصر (84)، الجزائر (87)، المغرب (91). أما بقية الدول العربية فلم يشملها التقرير.

في المجالات الثلاثة الأساسية كانت السعودية متقدمة بالنقاط في الاحتياجات الانسانية الأساسية بـ83 نقطة وترتيب 40 عالمياً، وكانت فوق الوسط في أسس العافية بسبعين نقطة وترتيب 60، ولكن متأخرة في توفير الفرص بأربعين نقطة وترتيب 106.

بالنسبة لتفاصيل المجال الأول للسعودية، كانت أفضل النقاط (فوق التسعين) بمجال التغذية والرعاية الطبية الأساسية وتوفير المياه، وأقلها (65 نقطة) في السلامة الشخصية (معدل الجريمة، حوادث المرور)، وكان الإسكان والكهرباء في الوسط (بالثمانينات). بالمجال الثاني كانت أفضل النقاط (فوق التسعين) في الوصول إلى المعارف الأساسية ومحو الأمية والالتحاق بالتعليم الثانوي والمساواة بين الجنسين بالتعليم، وجيدة (بالسبعينات) في: متوسط العمر المتوقع، الوفيات الناجمة عن الأمراض غير المعدية، معدل السمنة، التلوث، معدل الانتحار. ومتوسطة (بالخمسينات) في الوصول إلى المعلومات والاتصالات (الانترنت)، والبيئة.

في المجال الثالث كانت النقاط متوسطة (بالخمسينات) في الاختيار والحرية الشخصية، والاندماج والتسامح، وفي الأربعينات في الوصول إلى التعليم المتقدم والعالي. ودرجات متواضعة في الحقوق الشخصية وهي: حرية التعبير، والتجمع، والتنقل، والحقوق السياسية، والملكية الخاصة. والنتيجة الأخيرة نختلف معها لأن المملكة حصلت على درجات عالية في الملكية الخاصة بمؤشر الحرية الاقتصادية الذي صدر مؤخراً.

ربما نختلف في بعض الدرجات، لكن هي مؤشرات وليست أدلة قطعية، إنما الأهمية الأساسية للمؤشر في شموليته وتنوعه وتسليطه الضوء على كل عنصر لما فيه من الضعف والقوة النسبيين بالمقارنة مع دول مماثلة في الناتج المحلي الإجمالي للفرد، فقد نظن بأننا متقدمون أو متأخرون في مجال ما ولكن بالمقارنة مع دول تماثلنا اقتصاديا قد تظهر صورة مختلفة.

فمما نجده أن السعودية متقدمة في مجالات عديدة كالصحة والمياه والإسكان لكن هذه المجالات بها ضعف نسبي مقارنة مع الدول التي تماثلنا في الناتج المحلي باستثناء معدل الانتحار. إنما في مجالات البيئة رغم أن درجتنا متوسطة إلا أنها في حالة قوة نسبية مع الدول التي تماثلنا في الناتج المحلي باستثناء مجال استهلاك المياه كنسبة مئوية من الموارد حيث يظهر اللون التحذيري الأحمر في التقرير.

هذا المؤشر دعوة لكل مسؤول في قطاعه ليس فقط أن يرى درجة المملكة بل في المقارنة بين المجالات المختلفة لقضايا المجتمع، والمقارنة مع دول مشابهة مما يساعد في تحديد أكثر القضايا إلحاحاً بالمجتمع لتنفيذ السياسات والبرامج التي من شأنها دفع أسرع للتقدم الاجتماعي.. فالمسألة ليست مقدار الإنفاق والجهد (لا ننس البيروقراطية) بل في النتائج على أرض الواقع.

alhebib@yahoo.com

مقالات أخرى للكاتب