Monday 21/04/2014 Issue 15180 الأثنين 21 جمادى الآخرة 1435 العدد
21-04-2014

مستوى الحرية الاقتصادية في السعودية

«نعيش اليوم بوقت أكثر ازدهاراً من غيره بتاريخ البشرية. الفقر والأمراض والجهل تنحسر في جميع أنحاء العالم، ويرجع ذلك بجزء كبير منه إلى تقدم الحرية الاقتصادية».

هذا ما يذكره تقرير تتبع مسيرة الحرية الاقتصادية بالعالم، بمناسبة الذكرى العشرين للتقرير.

التقرير تصدره سنوياً بأمريكا مؤسسة التراث مع صحيفة وول ستريت، ويشتمل على دليل يرتب دول العالم (186 بلداً)، ويعد الأهم بمجاله. يقصد بالحرية الاقتصادية التحرك بحرية للعمل ورأس المال والبضائع دون إكراه أو تقييد الحرية بما يتعدى القدر اللازم للحفاظ وحماية الحرية نفسها. يحلّل التقرير وضع الحرية الاقتصادية للدول ويعطيها نقاطاً من مئة، عبر عشرة معايير بأربع فئات: سيادة القانون (حقوق الملكية، التحرر من الفساد)؛ حدود سيطرة الحكومة (الحرية المالية، الإنفاق الحكومي)؛ الكفاءة التنظيمية (حرية الأعمال، حرية العمل، الحرية النقدية)؛ وانفتاح الأسواق (حرية التجارة، حرية الاستثمار، الحرية المالية).

ويزعم التقرير وجود علاقة إيجابية قوية بين الحرية الاقتصادية والازدهار عبر زيادة نصيب دخل الفرد والقضاء على الفقر، وتحسن التنمية البشرية، والديمقراطية (نقد ذلك سيتم تناوله بنهاية المقال).

الدول التي حازت على المراكز الأولى وصنفت بفئة الحرة (فوق 80 نقطة) تتقدمها هونج كونج وسنغافورة، ثم أستراليا، وسويسرا؛ أما أهم دول فئة «حرة غالباً» (70-80 نقطة) فكانت أمريكا، بريطانيا، ألمانيا، اليابان؛ في حين كان بين فئة «حرة معتدلة» (60-70 نقطة): أسبانيا، تركيا، فرنسا، إيطاليا. وبالنزول إلى فئة «غالبا غير حرة» (50-60) نجد: إندونيسيا، البرازيل، الهند، الصين، روسيا. في القاع تقبع فئة «اقتصاد القمع» (أقل من 50 نقطة) وآخرها كوريا الشمالية بنقطة واحدة!

السعودية لهذا العام صُنفت بفئة «حرة معتدلة» بـترتيب 77 بين دول العالم وبدرجة 62.2 نقطة، أعلى من المعدل العالمي بنقطتين. هذا المعدل أفضل 1.6 نقطة من العام الماضي نتيجة التحسن في السيطرة على الإنفاق الحكومي، وحرية العمل، والحرية النقدية أكثر من الانخفاضات بدرجة حرية التجارة وحرية الأعمال. على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (ومعدله 61.5 درجة) تأتي السعودية بالمرتبة 8 من أصل 15 بلداً تتقدمها البحرين ثم الإمارات وقطر وآخرها إيران ثم الجزائر فمصر واليمن.

أفضل النقاط التي حصلت عليها السعودية كانت بالحرية المالية الحكومية (كامل النقاط تقريبا)، وحرية العمل، وحرية التجارة. وحصلت على درجات معتدلة بالحرية النقدية وحرية الأعمال. أما أقلها فكانت في: الحرية المالية (بالأسواق)، التحرر من الفساد، حقوق الملكية، حرية الاستثمار.. حيث تحد الإجراءات الحكومية من الاستثمارات الأجنبية، رغم تخفيف بعض القيود عليها.

ويذكر التقرير أن الحرية الاقتصادية عموماً بالمملكة مقيدة بالقصور المؤسسي والنظام القانوني، والفساد. بالمجمل على مدى نحو عشرين عاماً يصنف التقرير المملكة بفئة «حرة معتدلة» حيث تفوقت فيها المكاسب بحرية التجارة وحرية الاستثمار وإدارة الإنفاق الحكومي على الانخفاض بحقوق الملكية والتحرر من الفساد والكفاءة التنظيمية.

النقاش حول التقرير متشعب وطويل، إنما سأقصره على أمر قلما يُناقش لحساسيته الاجتماعية، وهو الدعم الحكومي الضخم بالسعودية. يذكر التقرير أنه «في عام 2013، اعترف وزير الاقتصاد السعودي أن الدعم الحكومي الواسع والشركات المملوكة للدولة تشويه الاقتصاد».

هناك نظريتان على المستوى العالمي: نظرية التدخل الحكومي، ونظرية الحرية الاقتصادية.. سأحاول مقاربتهما على المستوى السعودي. النظرية الأولى تدعم النمط السعودي الحالي لدولة الرفاه حيث تلعب الدولة الدور الأساسي في حماية وتوفير الرفاه الاقتصادي والاجتماعي لمواطنيها؛ أي استمرار التدخل الحكومي بالاقتصاد وتقييد حريته..

بينما النظرية الأخرى ترى ذلك عاطفة تفتقد للحكمة بالإنفاق لأن الدعم الشامل يثقل كاهل الدولة بمصاريف تؤدي لعجز بالميزانية مما يعيق نمو الاقتصاد، في حين أن المستفيد الرئيسي ليست الشرائح الفقيرة المستهدفة لأنه دعم شامل للجميع تستفيد منه الشركات الفاشلة على حساب الناجحة (تشويه التنافس الصحي)، ويستفيد منه الأغنياء غير المحتاجين للدعم؛ كما عمل ذلك على زيادة معدل استخدام الطاقة لمستو تبذيري خطير.. لذا ينبغي إصلاح الإعانات عبر التحول من الدعم الشامل إلى دعم نوعي محدد للشرائح المنخفضة الدخل، مثل نظام الكوبونات وشرائح الفواتير، والمعونات النقدية المباشرة.. واستخدام الفائض المالي من إصلاح الإعانات لتحفيز النمو الاقتصادي..

أضف إلى ذلك أن نمط دولة الرفاه بالسعودية يتضمن خلوها من الضرائب، فهناك مؤسسات وشركات وبنوك تربح المليارات ولا تقدم شيئاً يذكر للمواطنين أو لخزينة الدولة عدا الزكاة وأعمالها الخيرية.. ألا يتطلب ذلك مراجعة بإلزامها بالمساهمة الاجبارية نظاماً؟ وهذا يذكرنا بما قاله سمو ولي ولي العهد الأمير مقرن بن عبد العزيز عن البنوك :»أنا أسميها بالمنشار داخل ياكل طالع ياكل، وهي مقلّة في أشياء كثيرة وعطاؤها قليل مقابل ما تستفيده من المواطنين والدولة».

يبقى موضوع الحرية الاقتصادية وعلاقته الوثيقة مع النمو الاقتصادي.. فقد وجهت له انتقادات من عدة دراسات أولها أن العلاقة ليست قوية (دي هان وسيرمان). كذلك برهن هكلمان وستروب (2000) أن إجراءات المعيارية المستخدمة بدليل الحرية الاقتصادية كانت تعسفية، فعندما درسا مكونات الدليل بشكل أحادي وجدا أن العديد من تلك المعايير أظهرت علاقة سلبية مع النمو الاقتصادي!

إنما أكثر الانتقادات تكرراً هو مثال الصين وبعض الدول النامية، فلديها معدلات نمو عالية بينما حريتها الاقتصادية منخفضة نسبيا. هنا يرد أصحاب الحرية الاقتصادية بأنها دول لديها عمالة رخيصة وتفتقر للحماية الاجتماعية والصحية.. وتستورد التكنولوجيا والمهارات التنظيمية من الدول الغنية. لكن العديد من دول شمال أوروبا مزدهرة وتتبع نظام دول الرفاه على نطاق واسع، مما يتعارض مع المبدأ الرأسمالي بحرية الاقتصاد. لذا ثمة من يقترح بأن أثر الأنظمة التجارية أكثر أهمية من الإنفاق الحكومي (تقرير البنك الدولي). كما أن تقرير التنافسية العالمية أظهر العديد من العوامل الأخرى التي تؤثر في النمو الاقتصادي مثل البنية التحتية، والصحة، والتعليم لم يتناولها دليل الحرية الاقتصادية..

أيهما أفضل الحرية الاقتصادية أم سيطرة الدولة على الاقتصاد؟ أكبر دولتين اقتصاديتين بالعالم (أمريكا والصين) أحدهما اتخذت الأولى والأخرى اتخذت الثانية، ونجحتا.. فليس هناك إجابة قطعية دائمة بل نسبية متحولة حسب ظروف ومصالح كل بلد، مع بقاء خيارات أخرى كالاقتصاد المختلط.. فالعبرة بالتخطيط المناسب مع الظروف الواقعية..

alhebib@yahoo.com

مقالات أخرى للكاتب