Monday 19/05/2014 Issue 15208 الأثنين 20 رجب 1435 العدد
19-05-2014

برلسكوني والزهايمر

تتسم الشخصية الإيطالية بالصخب وحب الحياة الطليقة والنهل من كأس ملذاتها حتى آخر قطرة، ولعل هذا يسم معظم سكان دول حوض البحر المتوسط الأوروبية بالذات، بالنظر إلى البعد الحضاري والعمق التاريخي لتلك الشعوب، ثم طبيعة المناخ المعتدل والمائدة الصحية التي تغذي مزاجهم العاشق للحياة وملذاتها. ولنعد إلى إيطاليا، فلطالما اشتهرت عن باقي دول الجنوب الأوروبي بل والغربي عامة بالمافيا التي أنشبت

مخالبها في المجتمع الإيطالي ودوّخت الحكومات الإيطالية لعقود من الزمان، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية إلى نهاية الثمانينات الميلادية، وأشهرها منظمة (الألوية الحمراء). إنما لا يغيب عن الذهن أن إيطاليا إحدى الدول الصناعية وضمن مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى (G8)، إلى جانب مواردها الطبيعية والسياحية المصنفة ضمن الأكبر جذباً في العالم.

سلفيو برلسكوني، الرئيس الإيطالي الأسبق بأخباره ومغامراته السياسية والإعلامية بل وحتى الشخصية ظل الشغل الشاغل للإيطاليين ومازال، ففي قصته مع القضاء مؤخراً ما يدعونا للتأمل والقراءة بين السطور.

من أكبر الجنايات في القانون الغربي عموماً التهرب من دفع الضرائب، فهي جريمة تغلظ فيها العقوبات لما تشكله الضرائب من أهمية اقتصادية للدول ذات النظام الرأسمالي عموماً، وهي التهمة التي حُكم فيها على برلسكوني بالعمل الخدمي والاجتماعي لمدة عام بدل السجن، وقد باشر أولى تلك الخدمات التطوعية بالعمل أربع ساعات في خدمة نزلاء مركز لمرضى الزهايمر تابع لإحدى الكنائس قرب ميلانو .

هذا الحكم ذكرني بالمحاولات التي بذلها بعض القضاة لدينا في المملكة لتطبيق الأحكام البديلة في حق من يرتكب جنحاً أو جرائم صغيرة، وما أكثر ما تغص وتضيق بهم الإصلاحيات مما يعيق تقديم برامج الإصلاح على الوجه المطلوب، عدا عن المضار الصحية والأخلاقية جراء التزاحم والاختلاط مع الفوارق والخلفيات الاجتماعية والنفسية المتباينة للنزلاء.

ومشروع الملك عبد الله لإصلاح القضاء قطع مسافات كبيرة في طريقه وطور هذا الميدان، فحري بوزارة العدل أن يكون هذا الأمر من أولوياتها لتأثيره وما يوفره على الدولة والمجتمع من وقت وموارد.

وما بالنا على تأثير هذا الحكم - الخدمة العامة - على من كان يرأس دولة ومن ثم على المجتمع الإيطالي، بالنظر الى من يطبق العقوبة وشهرته وتهافت وسائل الإعلام إيطالية وعالمية على تسقط أخباره بأدق تفاصيلها، ومنها تزاحم المراسلين والمصورين أمام تلك الدار التي تؤوي مرضى الزهايمر فقط لأن برلسكوني أتى ليقدم الخدمة العامة ومساعدة المرضى فيها!.

ولإنعاش ذاكرة القراء الكرام فإن الزهايمر مرض يصيب خلايا المخ نتيجة تلفها فيؤثر في الذاكرة وبعض الوظائف والمزاج وبتطوره يقود الى الوفاة، اكتشفه العالم النفسي الألماني ألويس الزهايمر ونسب إليه عام 1906، وقانا الله وإياكم منه وكان في عون المصابين به وشفاهم، إنه جواد كريم.

romanticmind@outlook.com

تويتر @romanticmind1

مقالات أخرى للكاتب