Sunday 25/05/2014 Issue 15214 الأحد 26 رجب 1435 العدد
25-05-2014

خمسة أعوام لا تكفي 1-2

عذراً سمو الأمير، يبدو أن الجهة التي رأت أنه بعد خمسة أعوام سوف تحصل «نقلة نوعية» في التعليم يبدو أنها في حالة نفسية تسيطر عليها «أحلام اليقظة»؛ فخمسة أعوام مدة زمنية قصيرة جداً لإحداث تغيير في التعليم، فضلاً عن «النقلة النوعية» التي مهما كانت ملامحها بسيطة، ومجالاتها محدودة، فإنها تتطلب المزيد والمزيد من الوقت والجهد؛ فتجارب الأمم الشرقية والغربية التي زارتها وفود وزارة التربية والتعليم أثناء تسنم محمد الرشيد ـ رحمه الله ـ قيادة الوزارة كلها تشير إلى عقود لا تقل عن ثلاثة. ومن أكثر تلك الممارسات التطويرية نجاحاً التجربة الفنلندية.

المثير في التجربة الفنلندية، وما يلفت الانتباه فيها، ليس الخطة وما اشتملت عليه من عناوين حتماً هي تخص الفنلنديين أنفسهم؛ كونها تشكِّل نقاط الضعف في النظام التعليمي الذي يتطلعون إلى تجاوزه والتخلص من معوقاته، التي ربما لا تعد مشكلة أو نقاط ضعف في نظام تعليمي آخر، وهذا أمر طبعي متوقع؛ فلكل مجتمع همومه ومشكلاته الخاصة به، إلا أن هناك مشتركات في التربية والتعليم، يُعد تطويرها محط اتفاق بين كل الأنظمة التعليمية على اختلاف غاياتها وأهدافها، مثل الإدارة التربوية، والبيئة المدرسية، واستراتيجيات التدريس، وتدريب المعلمين، والتقويم، وغيرها مما يعد من مسلَّمات الممارسات التربوية والتعليمية.

الذي يجب الوقوف عنده، وأخذ الدروس منه والاعتبار، واحترامه وتقديره، المدة الزمنية التي استغرقتها التجربة الفنلندية، وهي مدة لم تأتِ جزافاً، بل تمت بناء على رؤية صنعها الفنلنديون، آمنوا بها واحترموها، وتعاهدوا على حتميتها، ووجوب المثابرة والمصابرة والتأني في تطبيقها، وتتبع خطواتها التنفيذية.. وحسب المراحل الزمنية المقررة، لقد اعتمدوا منهجاً، والتزموا به، بغض النظر عن المسؤول الذي يتسنم القيادة في وزارة التربية والتعليم؛ فالخلف يسير على نهج السلف، يتفاعل مع جهود من سبقه ويكملها، ويتحمس لها وكأنه من بدأها. الكل يتعامل مع الخطة وكأنه الذي صنعها. وكان من ثمرة هذا النهج المتسامي عن أنانية النجاحات الفردية تحقيق نقلة نوعية فعلية في التعليم الفنلندي، نقلت التعليم من الحضيض إلى مصاف الدول المنافسة وبثبات على المراكز الأولى في المخرجات، وما زال يحافظ على تلك المخرجات بالتغذية الراجعة المعتمدة على أدوات تقويم موضوعية بدلاً من الانطباعات والآراء الفردية التي ثبت أنها هي السبب الذي جعل كثيراً من الأنظمة التعليمية تراوح مكانها إن لم تتراجع. علماً بأنه بإمكانها تحقيق الكثير من النجاحات لو أنها سارت وفق النهج العلمي المعتبر في عمليات التطوير وخططه وبرامجه.

يعجب كثير من المتابعين من شركة تطوير؛ فقد أمضت عشر سنين ونيفاً في إعداد ما تعده خطة لتطوير التعليم، وبهذا تسجل سابقة يبدو أنها الأولى؛ إذ أمضت أكثر من عشر سنين في إعداد الخطة، وتزعم أنها بهذه الخطة سوف تُحدث نقلة نوعية في التعليم خلال خمس سنوات. والعارفون بواقع الميدان التربوي في المملكة يدركون تماماً أن السنوات الخمس غير كافية مهما كانت الجهود المبذولة. فإذا نظرنا فقط إلى البنية التحتية للمدارس، وإلى البيئة المدرسية، وإلى المعلمين وإعادة تأهيلهم وتدريبهم، لتبيَّن أن الأمر يتطلب ما لا يقل عن عشرين عاماً أو أكثر لإحداث نقلة نوعية في هذه العناصر الثلاثة الرئيسية وحدها.

أتذكر أنه بعد حريق مدرسة البنات في مكة، وما تبعه من دمج الرئاسة العامة لتعليم البنات مع وزارة التربية والتعليم، شُكِّلت لجان على مستوى إدارات التربية والتعليم، وصُممت أدوات ونماذج لتشخيص واقع المدارس، ولرصد حاجتها على مستوى البيئة المدرسية والبنى التحتية.

ودعا وزير التربية محمد الرشيد - رحمه الله - المسؤولين في الوزارة إلى اجتماع، وكان مع نهاية العام الدراسي، وكان الغرض من الاجتماع تدارس كيف تمتد يد الإصلاح لكل مدرسة؛ ليأتي الطلاب مع بدء العام الدراسي ويجدون مدارس في وضع أفضل؟

للحديث صلة..

abalmoaili@gmail.com

مقالات أخرى للكاتب