Saturday 31/05/2014 Issue 15220 السبت 02 شعبان 1435 العدد
31-05-2014

إلاّ الحليب!

قبل سنوات، قبل أن يتسلّم توفيق الربيعة الحقيبة الوزارية للتجارة، حدث صراع حاد بين منتجي ومصنّعي الألبان، أو هي حرب أسعار شرسة، كان المستفيد الأول منها هو المستهلك، فتدخلت وزارة التجارة آنذاك لتوقف هذه الحرب، بدعوى أنّ هذا الصراع سيقود إلى العبث بالمواصفات، والبحث عن مكوّنات رخيصة للبن والحليب، للمحافظة على الأرباح القديمة، بينما كان من الطبيعي أن تترك السوق المفتوحة بين المصنعين، في مقابل الحفاظ على المواصفات والمقاييس والجودة لهذا المنتج، والرقابة المستمرة على السوق!

كنا آنذاك نشعر بإحباط مستمر بأنّ غالبية الجهات الحكومية تقف مع التاجر، ضد المستهلك حينما تتعارض مصالحهما، لكننا الآن نعيش حالة مختلفة، فوزارة التجارة والصناعة أصبحت تشعرنا، يوماً بعد يوم، بأنها لنا، وأن مصلحتنا كمواطنين، هو هدفها الأول والأخير، ليس بالتصريحات الصحافية، ولا بالشعارات الفارغة، بل بالعمل، وجعل المواطن شريكاً لها في العمل، وشعور هذا المواطن أنّ كلمته تصل مباشرة إلى المسؤول الأول في الوزارة، مما جعلنا نرى نموذجاً جديداً من المواطن، واختفت نبرة أنّ المواطن غير مبالٍ بما يحدث، بل أصبح يبحث ويراقب ويشكو ويخاطب الوزير مباشرة دون سكرتارية وانتظار، بل بضغط زر «إرسال» فقط، تصل كلماته إلى الوزير في صفحته بموقع التواصل الاجتماعي (تويتر)، جريدة المواطن الأولى!

ها هي الوزارة بثوبها الجديد، حتى وإن تأخرت في القرار، تفرض حدوداً عليا لأسعار حليب الأطفال، فرغم مرارة ارتفاع أسعار المواد الغذائية، إلاّ أنّ ارتفاع أسعار حليب الأطفال، والغش فيه، هي أشدّ مرارة من غيرها، وأكثر إيلاماً، ولكن لكي يكتمل العمل تجاه حليب الأطفال، تبقى مسألة مهمة للغاية، وهي الرقابة المشددة على مكوّنات حليب الأطفال، والعقوبة المغلظة على من يمارس الغش التجاري على هذا المنتج، لأننا ما لم نستطع حماية أطفالنا من هؤلاء المتلاعبين، سواء في الأسعار أو المكوّنات، فعلينا أن نعلن عجزنا وفشلنا في مسؤوليتنا عنهم!

ولعل أجمل ما في هذه القرارات الصادرة عن وزارة التجارة، أنها لم تَعُد كالسابق، في تعامل التجار معها، وسخريتهم منها، ومن قراراتها، تحت مصطلح «عساك سالم»، بمعنى أنها قرارات ليل يمحوها النهار، بل أصبحت تستخدم القوة الجبرية في تنفيذ القرارات، وتطبق العقوبات على جميع المخالفين، حتى على المحال والأسواق الشهيرة، بغرامات مالية، وإعلان عن المخالفة في الصحف المحلية على حساب التاجر المخالف، وإقفال المحل بالشمع الأحمر لمدد مختلفة، تصل أحياناً إلى شهر كامل.

ولا شك أنّ نجاح الوزارة في تطبيق قراراتها، ومراقبة السوق، ترتبط بالمواطن نفسه، فمتى كان مسؤولاً عما يحدث في الأسواق، وأصبح المراقب الأول للوزارة، وامتلكت الوزارة ملايين المراقبين، وبعدد أفراد المجتمع، فإنّ القرارات حتماً سيتم تطبيقها، والتجار والمحال ستفكّر ألف مرة، قبل أن تقوم بالمخالفة لنظام أقرّته الوزارة، ليقينها أنّ المواطن أصبح يمتلك وعياً مختلفاً، وأنّ رسالته تصل في غضون ثوانٍ قليلة!

صحيح أنّ التدخل المستمر في أسعار السوق قد يؤثر عليه، وهو ما تفعله الوزارة تجاه السلع التي تتصاعد أسعارها، أسبوعاً تلو الآخر، إلاّ أنّ الوزارة بعد صمت طويل تجاه التحكم بتصاعد الأسعار، قررت أن تتدخل بأسعار حليب الأطفال، ولسان حالها يقول: إلاّ الحليب!

مقالات أخرى للكاتب