Tuesday 03/06/2014 Issue 15223 الثلاثاء 05 شعبان 1435 العدد
03-06-2014

الضحوك القتال!

في سوريا وقف على المنبر رجلٌ (داعشي) أو هو (قاعدي) - لم نعد نُميز -، مُلتح، قصير الثوب، مُتجهم متورّم مأزوم، يلتفت يمنة ويسرة، وكأنه يبحث عن مفقود، وعيناه تتقادح شرراً، ثم ارتجل: (الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من قال: أنا الضحوك القتال).. ثم راح يُحرّض على القتل والاغتيالات، أو كما يُسمونها هذه الأيام، ويمارسونها فعلاً (جز الرؤوس وحزها)، وكأن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام لم يُبعث {رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}، وإنما أرسل للقتل والاغتيالات والتلذّذ بإراقة الدماء.

والسؤال: هل يُعقل أن يُطلق نبي الرحمة على نفسه أنه (الضحوك القتال)؟ ألا تنسف هذه المقولة - حتى وإن صح سندها جدلاً - قوله جلَّ شأنه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}.

فكيف تتفق هذه الرواية التي لا تنم عن الدموية فحسب، وإنما عن الدموية والمُخاتلة أيضاً، مع هذه الآية الجلية الصريحة، ناهيك عن خُلقه صلى الله عليه وسلم، الذي قال عنه جلّ وعلا في كتابه الكريم: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، فهل من الخُلق العظيم أن يكون بهذه الصفة؟

دعونا نرى..

الثورجية المتأسلمون يُصرون على أنها رواية صحيحة ذكرها عرضاً الإمام ابن تيمية - رحمه الله - في أحد كتبه دون أن يشير إلى سندها، بينما أن هذه الرواية المخالفة لخُلقه صلى الله عليه وسلم، لم يعرف لها عند أهل السنة والجماعة (سند صحيح)، ومن لديه غير ذلك فكلي آذان صاغية، فليأت لي بسندها الصحيح.

أما عند الشيعة، فقد وردت الرواية بهذه الصيغة: (عن ابن عباس قال: لما دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكعب بن أسد ليضرب عنقه فأُخرِج وذلك في غزوة بني قريظة نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: يا كعب أما نفعك وصية ابن حواش الحبَر الذي أقبل من الشام فقال: «تركت الخمر والحمير وجئت إلى الموس والتمور لنبي يُبعث، هذا أوان خروجه يكون مخرجه بمكة وهذه دار هجرته وهو الضحوك القتال..) إلى آخر الحديث؛ هذه الرواية جاءت في كتاب (كمال الدين وتمام النعمة) ص 191، صنّفه «الشيخ الصدوق أبي جعفر محمد بن على بن الحسين بن بابويه القمي المتوفى سنه 381 هـ» وصححه وقدَّم له وعلَّق عليه «الشيخ حسين الأعلمي»؛ ونشرته مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الأولى المحققة 1991 - والكتاب من مصادر الحديث المعتمدة عند الشيعة؛ وموجود بنسخة إلكترونية (PDF) على الإنترنت.

ويُذكر أن بعض علماء السنة - حتى غير ابن تيمية- قد ذكروا هذه الصيغة أيضاً: (الضحوك القتال) دون أن يذكروا لها سنداً يسوغ التسمية؛ ومن المعروف أن السند عامل جوهري في قبول الحديث والاستدلال به؛ فإذا لم يحفلوا بصحة سنده، ففي الغالب لا قيمة له عندهم.

والمفارقة هنا أن أكثر الناس تعصباً ضد الشيعة هم المتأسلمون الجهاديون السنة تحديداً، بل إن بعضهم يُصنفون الشيعة على أنهم من الطوائف الممتنعة مُهدرة الدم؛ ثم تجدهم يلتقطون بعض العبارات من أحاديثهم، ويُضمنونها خطابهم التحريضي على القتل، إذا كان سيخدم ما هم بصدده من الحث والحشد والتحريض على القتل والتخريب؛ ما يعني أنهم انتهازيون فعلاً لا قولاً فحسب!

أقول: إن هذا النص، رغم أنه قطعاً لا يصح، إلا أنه يدلنا كيف أن من يسمون أنفسهم بالجهاديين جهلة، لا يحفلون بالقرآن، ولا يهمهم أن يناقضه نص في رواية بشكل واضح وجلي، وإلا كيف يمكن الجمع بين كونه صلى الله عليه وسلم أرسلَ: {رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} كما نصَّ على ذلك كتاب الله، وأنه (الضحوك القتال) ومرجعهم في ذلك حديث لم يصح إلا في كتب من يكفرونهم؟.. هل يستطيع أحد هؤلاء المحرضين على سفك الدماء أن يجيبني؟

إلى اللقاء.

مقالات أخرى للكاتب